ما زال الحديث موصول حول موضوع ملف جند النيل لم يكن يوما غازيا أو معتديا علي أرض غيره ونقول الأتي :- ( 3 ) جيش محمد على --------------------- مرت فترات طويلة من التراجع والانقسام، التى أصابت العسكرية المصرية بفعل سيطرة المماليك الذين كانوا يشكلون الكتلة الأكبر فى الجيش، ومن ثم أدى ذلك إلى تراجع أحوال مصر بعد أن غرقت فى بحر من الفوضى ، وكان الفقر ضاربا أطنابه فيها، وعدد سكانها قليل، وكانت إيرادات الدولة ضعيفة للغاية، لكن عبقرية محمد على استطاعت أن تصنع المعجزة التاريخية من غير أن يقترض قرشا واحدا من الخارج، فأنشأ أعمال العمران لتنمو الثروة القومية ، وتتوافر الأموال اللازمة للتسليح وإنشاء الجيش والمصانع وغيرها . وفى هذا الصدد يقول «اليوزباشى محمد جمال الدين محفوظ» فى دراسة له بمجلة المدفعية الملكية - الصادرة فى 19 نوفمبر سنة 1949: لقد تولى محمد على بنفسه تنفيذ هذه السياسة الحكيمة بعزيمة حديدية ، وبذل فى ذلك جهودا جبارة حتى خلف أعمالا ومنشآت يزدان بها تاريخه ، فشملت البلاد موجة من النهوض الزراعى كفلت لها الرخاء والأموال الطائلة التى أمكن بفضلها الاحتفاظ بقوات عسكرية كبيرة، وليس أدل على ماجنته مصر من ثروة ورخاء بفضل هذه السياسة الحكيمة من قول محمد على للقنصل الفرنسى «ميمو» عندما أنذره بتدخل أوروبا قائلا : «وتخطىء أوروبا خطأ آخر باعتقادها أنى فى حاجة إلى مال، وأكبر دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد أننى لا أبيع محصول القطن، مع أنه من أهم موارد مصر، وجنودى يقبضون مرتباتهم بانتظام، وإنى لا أعقد قرضا ما فى بلاد ما ، ولست مدينا لأحد بشئ». ولعلنا نلمس هنا بوضوح وجلاء عبقرية محمد على الفذة، فى جعل الجيش المصرى أكبر دعائمه لاستقلال البلاد، وأنه ليكفينا أن نعلم أن تعداد الجيش فى عام 1831 بلغ 70 الف مقاتل ، ثم بلغ فى عام 1833 حوالى 194ألف مقاتل، بينهم 25.143 من البحارة وعمال الترسانات البحرية ، وفى عام 1839 زاد إلى 235.880 مقاتل، وهذا خير دليل على أن مصر كان عمادها الجيش الذى صنع أسطورة الفداء التى حمت تلك النهضة. العسكرية الحديثة --------------- لقد رأى محمد على جيشه بوضعه هذا لايعتمد عليه فى تحقيق مشروعاته العظيمه لتأسيس ملكه الجديد، فبذل جهده فى إنشاء جيش من الفلاحين أبناء البلد، وقد اتيحت له الفرصه ليشهد الجيوش الأجنبية فى قتالها، فقاتل الفرنسيين فى معركة «الرحمانية»، ومن ثم راقب نظامها الحديث وتكتيكاتها وقارن بين هذا وبين الحالة التى عليها الجيش، فصمم على أن يستبدل جنوده غير النظاميين بجيش على النظام العسكرى الحديث متى سمحت الفرصة لذلك، وقد جاءته عام 1815 عقب انتهاء حروب نابليون بعدما سرحت جيوشه ، وأصبح كثيرون من ضباطه بلا عمل، فاستقدم محمد على منهم كثيرين وأشهرهم «سيف» أو «سليمان باشا الفرنساوى»، والذى أخذ على عاتقه إنشاء جيش مصرى حديث ، فأستصدر أمرا من «محمد على باشا» فى 8 أغسطس سنة 1821 بإنشاء مدرسة أسوان الحربية، والتى تنبئ عما فى مكنون نفسه للنهوض بدولته ، وقد ضرب «محمد على» مثلا عاليا إذ ألحق ابنه «إبراهيم» بهذه المدرسة ليتعلم كواحد من طلبتها. وقد نقلت هذه المدرسة من أسوان إلى «إسنا» ثم إلى «أخميم» ثم إلى «بنى عدى» ثم إلى «أثر النبي»، واستدعى محمد على باشا نخبة من الضباط الفرنسيين، منهم الجنرال «بواييه» والكولونيل «جودان»، وكان لهم أثر واضح فى التدريب الحديث على نمط الجيش الفرنسى فى أداء الحركات والسير والمناورات، فيما عدا النداء فكان يصدر باللغة التركية ، وطبقت على الجيش المصرى قوانين الجيش الفرنسى بعد ترجمة القوانين العسكرية إلى التركية للعمل بموادها. وقد رأى محمد على أن ينظم التعليم العسكرى فى مصر، فأمر بتأليف مجلس يشرف على شئون التعليم والتدريب وسماه «قومسيون المدارس العسكرية» وكان يتألف من ناظر الجهادية رئيسا وعضوية قادة الألايات، ثم اتجهت أنظاره نحو الإعداد والتجهيز فأنشأ «مدرسة قصر العينى» سنة 1825 ، ومدرسة جديدة فى عام 1832 الخانقاه «الخانكة بالقليوبية» علاوة على مدرسة أسوان الحربية، وانتقلت بعد سنتين إلى دمياط ، وكان طلبتها يتعلمون فيها التمرينات والإدارة العسكرية واللغات العربية والتركية والفارسية والطبوغرافيا ورسم الخطط والأسلحة والشئون الإدارية والرسم والهندسة والرياضة البدينة ، وقد عهد بإدارتها إلى «يولونينو» أحد ضباط نابليون ، ثم تولى إدارتها بعده «يوسف أغا» . أركان الحرب العليا :- -------------------- تأسست هذه المدرسة فى 15 أكتوبر 1825 لتتخصص فى الدراسات العليا «أركان الحرب» بقرية «جهاد أباد» قرب الخانقاه، وقام على تأسيسها الكابتن «جول بلانا» الفرنسى، وأقيم للمدرسة بناء جميل ومنازل على النمط الحديث، وكانت نواتها الأولى 18 ضابطا، وكان بها بعض المدرسين الأجانب، وكانت مدة الدراسة ثلاث سنوات، ويعين خريجوها أركان حرب فى الوحدات الفنية فى الجيش، ومن بعدها تأسست «مدرسة المدفعية» عام 1831، وانتخب لها 300 من خريجى مدرسة قصر العينى التجهيزية لدراسة فن المدفعية والتدريب على مختلف أنواع مدافع الميدان والهاون، وكانت المواد التى تدرس فى المدرسة هى الرياضيات والكيمياء والرسم والاستحكامات علاوة على فن المدفعية والمساحة، ولغة أجنبية إضافة للعربية والتركية، وقد وزع خريجو هذه المدرسة على وحدات المدفعية بالجيش وخصص بعضهم للعمل بمدفعية الاسطول . أما مدرسة «السواري» فقد أنشئت فى الجيزة عام 1831، وعهد بها الى المسيو «فاران» الذى كان ضابط أركان حرب المارشال «جوفيون سان سير» وكان عدد طلبتها 200 من خريجى المدرسة التجهيزية وغيرهم ، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات أو أربع ، يتلقى خلالها الطلبة فنون الفروسية وركوب الخيل واللغات علاوة على باقى العلوم العسكرية المتقدمة ، وكان لهم مدرب المانى اسمه «الهر . م . بير» لتدريبهم على فنون الفروسية. وقد ذهب طموح محمد على إلى ماهو أبعد، حيث شيد بين الخانقاه وأبى زعبل مدرسة للطب العسكري، ومدرسة الهندسة العسكرية فى عام 1844 فى بولاق ، وكان طلبتها يتخصصون فى أعمال هندسة الترع والألغام والكبارى والطرق والاستحكامات، إضافة إلى مدرسة للموسيقى العسكرية أنشئت فى قرية «جهاد أباد»، وكان عدد طلبتها 200 ، ثم نقلت إلى الخانقاه، ثم أنشئت مدرسة أخرى للموسيقى فى القلعة ، فقد رأى محمد على أن خلق النظام العسكرى الحديث فى مصر يستلزم تأسيس هذه المدارس الحربية والمؤسسات التى لاغنى عنها لجيش وطنى. ونظرا لأن همه الأول والأخير أن يصبح جيشه من أبناء المصريين فقط دون الاعتماد على الأجانب الذين استقدمهم لمعاونته فى هذا الشأن ، فقد دفعه الطموح إلى التفكير فى تمصير التعليم فى الجيش المصرى ، فعمل على إيفاد البعوث من الشبان الذين أهلتهم معاهد العلم فى مصر إلى اوروبا ليتموا دراستهم بها، ويعودوا لتولى المراكز المهمة فى التعليم العسكرى. ولأن الصحافة العسكرية والمطبوعات كان له دورها الفعال فى الجيش، لذا أنشأ المطبعة الأميرية، أو مطبعة «صاحب السعادة» فى عام 1819 ، وكانت تقوم بطبع مايحتاج إليه الجيش من الكتب اللازمة للتعليم ونشر ماينبغى نشره من القوانين والتعليمات العسكرية، وكانت للجيش مطابع خاصة وأهمها «مطبعة المدفعية» بطرة، وأخرى لمدرسة الطب فى أبى زعبل، وثالثة فى مدرسة الفرسان بالجيزة، ومطبعة القلعة الخاصة «بجرنال الخديوى « ، ثم أصدر محمد على الوقائع المصرية فى عام 1829 وكانت توزع على ضباط الجيش. الأسلحة والعتاد :- -------------- ظل هاجس التطور يشغل محمد على الذى رأى أن إنشاء جيش مصرى حديث لايقام إلا بأن يجد كفايته من السلاح والذخيرة والمعدات فى داخل البلاد، فالاعتماد على جلب العتاد من الخارج يعرض قوة الدفاع الوطنى للخطر، ويجعل الجيش والبلاد بأسرها تحت رحمة الدول الأجنبية، لذا هدفت سياسته إلى إنشاء مصانع الأسلحة فى مصر، فقام بإنشاء «ترسانة القلعة» لصناعة الأسلحة وصب المدافع، وكان أهم مصانع الترسانه وأكثرها عملا هو «معمل صب المدافع» الذى كان يصنع كل شهر ثلاثة مدافع ميدان أو أربعة من عيار ثمانية أرطال، وصنعت فيه مدافع الهاون عيار 8 بوصة وعيار 24 بوصة، وكان يشرف على إدارة هذه الترسانة العظيمه أحد ضباط المدفعية الأكفاء، وهو اللواء إبراهيم باشا أدهم . ولم يكتف محمد على بمصانع القلعة، بل أنشأ مصنعا فى»الحوض المرصود» عام 1831 ، كان ينتج 900 بندقية فى الشهر الواحد على الطراز الفرنسى، وقد أنشىء مصنع ثالث للأسلحة فى ضواحى القاهرة ، وكانت المصانع الثلاثة تصنع فى السنة 36.000 بندقية عدا الطبنجات والسيوف، وأقام معملا للبارود بطرف «جزيرة الروضة» بعيدا عن العمران ، وقد تعددت معامل البارود فى مصر بعد ذلك. ترسانة السفن :- ------------ هذا ولم يغفل مؤسس مصر الحديثة دور السفن الحربية، فأقام ترسانة بولاق لصنع السفن الكبيرة، ثم أعقبها «دار الصناعة الكبرى للسفن الحربية بالإسكندرية»، فضلا عن مصانع أخرى للغزل والنسيج ب»الخرنفش» عام 1819 وبولاق، وورش الحدادة المختلفة، ومصانع ا»لجوخ» فى بولاق للملابس ومصانع الحبال اللازمة للسفن الحربية والتجارية ، ومصنع الطرابيش ب»فوه» ، ومعمل سبك الحديد ببولاق، ومصنع ألواح النحاس والصابون ودبغ الجلود برشيد. ومن هنا كان الجيش المصرى فى عهد محمد على عماد كل شىء ، وعليه تحققت طموحات مؤسس نهضة مصر الحديثة تماما كما روادته فى أحلامه، فأحب «المحروسة» بحماسة غير معهودة، ولا أدل على ذلك من حديثه عنها مع الأمير الألمانى «يوكلر موسكو» قائلا : «سأكون لها كل شىء، سأكون أباها وأماها وسيدها وخادمها ومعلمها وقاضيها ، وكثيرا مافكرت فيها وأنا متكئ على وسادتى سائلا نفسى « هل يستطيع محمد على وحده أن يعهد اليه بأمرها وكسوتها وتعليمها فتشب وتنمو كالطفل؟ إننى أشك فى نجاحى، بيد أنه بالرغم من كل صعب سيحقق الله آمالى ، وإليه أدين بالنجاح - جلت قدرته - إن العظمة فى متناول جميع الأمم ، كما أن الظفر محقق لكل الجيوش، إذا وجد الرجل الذى يقودها ويعرف السبيل التى يسلكها». مصير أمة فى يد جيشها:- ------------------------ ظل الجيش المصري يواصل تقدمه وتطوره وتحديثه على يد أبناء البلد حتى أصبح له اليد الطولى فى الحفاظ على مكتسبات أمة تشهد تحولا تاريخيا جديد من الملكية إلى الجمهورية، وكانت أول خطوة قام بها جمال عبد الناصر عقب ثورة يوليو 1952 ، هى رفع قوة الجيش وعدده وإدخال نظام التجنيد الإجباري، والذى ما زال ساريا حتى اليوم وتزويده بالأسلحة الحديثة، وكانت هذه بداية ازدهار الجيش المصري وقوته ، وبسبب ما قام به جمال عبد الناصر من ثورة وتأسيس الجمهورية وتأميم جميع الشركات الأجنبية، وهى بالطبع لم تخدم مصالح بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تتصارعان عليها، كما أحست إسرائيل بخطر مصر فقاموا بالعدوان الثلاثي، فشارك جميع المصريين تقريبا مع الجيش فى صد الاحتلال و نجحوا فى الدفاع عن مصر. وعادت الجيوش الثلاثة منكسة الرءوس لبلادهم. لكن الصدمة كانت فى عام »1967 عندما شنت إسرائيل هجوما لاحتلال سيناء وتكبد الجيش خسائر فادحة، ثم توفى جمال عبد الناصر بعدها فى عام 1970 لتكتمل أحزن الأعوام على»الشعب المصري، ولكن سرعان ما حكم السادات وبدأ فى عصره الانفتاح والرقى فى الجيش، فقد تطور الجيش عشرات المرات وحاز على أحدث الأسلحة عن طريق الاتحاد السوفيتي. أما أعظم أساطير الجندى المصرى فكانت فى عام /1973»1973 ، عندما خاض الجيش المصرى واحدة من أعظم حروبه وأكبر انتصارته»فى أكتوبر ، والتى شن الجيش المصرى فيها هجوما شديد القوة، وأثبت »الطيران المصري براعته بأنجح ضربة جوية فى التاريخ، عن طريق 224 طائرة ميج 21 وقاذفات قنابل على أهداف عديدة فى إسرائيل، ثم عبر جيش الصاعقة»المشاة والمدرعات» عن طريق الزوارق والجسور»قناة السويس، ودمر أحصن مبنى دفاعى فى التاريخ خط بارليف» ، وفى عام 1979 توافقت مصر وإسرائيل على كتابة معاهدة سلام، لرغبة «السادات» فى وقف الحرب، والحفاظ على الجيش، وإبقاء مصر فى سلام وأمن، حتى تستطيع النهوض والتفوق، وعجلت هذه المعاهدة باغتياله من قبل بعض المتطرفين. الانحياز لثورة 25 يناير:- ----------------------- بحسب الباحث بالهيئة العامة للاستعلامات «رمضان قرنى محمد» فى دراسته حول «الجيش المصرى وثورة 25 يناير- نموذج للمؤسسة الوطنية» والتى ركزت فيه على التناول الإعلامى الدولى والمواقف الرسمية العالمية ل «ثورة 25 يناير» والتى توضح تقدير واحترام العالم لدور المؤسسة العسكرية المصرية فى الانحياز لمطالب الشعب، سواء من خلال تعاملها الراقى والحضارى وممارسة أعلى درجات الانضباط الوطني، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية التى عدت مرحلة مفصلية فى تاريخ مصر المعاصر، ولا غرو إذا تجاوزت فى آثارها الحدود الإقليمية والدولية، والتى ترجع إلى جملة من الأسباب التى توضح الدور التاريخى للجيش المصرى والنظر إليه باعتباره العمود الفقرى للدولة المصرية الحديثة. وحين نتوقف عند بعض تلك التحليلات فسنجد أنها وصفت الجيش المصرى بأنه الضامن للديمقراطية والاستقرار، وأنه قادر على قيادة البلاد نحو الديمقراطية، رغم التحليلات التى كانت تحذر من الإطاحة بمبارك، ويمكن فهم هذا التحليل فى ضوء ما تحظى به المؤسسة العسكرية من مصداقية كبيرة لدى الرأى العام المصري، مقارنة بالمؤسسات المدنية الأخرى، حيث مثل الجيش الأمل الأخير للنشطاء السياسيين فى مصر لمقاومة خطط التوريث، على الرغم من أن الجيش المصري، هو جزء من النظام السياسى القائم، لقد كانت جهود المؤسسة العسكرية لتأمين وسلامة المتظاهرين، محط اهتمام وإعجاب العديد من التقارير الدولية الرسمية والإعلامية، التى رأت أن الجيش لعب دور «وسيط الخير» فى الأحداث، ورفض استخدام العنف ضد الشعب، وامتنع حتى عن التدخل، كذلك توقفت العديد من المصادر عند ما أسمته بمشاعر «الحب والتقدير» التى أبداها المصريون تجاه الجيش عقب نزوله فى أعقاب حالة الانفلات الأمني، فى 28 يناير، مبرزة شعار تلك المرحلة «الجيش والشعب يد واحدة»، وأن الجيش حمى المتظاهرين. ومن نافلة القول أن تصرفات وقرارات الجيش المصرى فى تلك المرحلة كانت محل تقدير العديد من الدوائر السياسية العالمية بجانب الإعلامية، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي:»نحترم الدور الذى اضطلع به الجيش المصرى حتى الآن 9 فبراير- ونشجعه على مواصلة التحلى بضبط النفس الذى أظهره خلال الأيام الماضية»، وهو ما أكده الرئيس «باراك أوباما» : لقد خدمت المؤسسة العسكرية بلادها بوطنية وبمسؤولية كهيئة تصريف لأعمال الدولة، وسيتعين عليها الآن ضمان أن يكون الانتقال ذا مصداقية فى أعين الشعب المصري». وهو نفس ما أكدته صحيفة «فايننشال تايمز: « إن «قادة الجيش استطاعوا أن يفصلوا مصيرهم عن مصير قائدهم، بل إن الجيش المصرى قام بإعلاء ثقافة التسامح، ويرى الكاتب»جهاد الخازن» بصحيفة «الحياة» اللندنية، أن القيادة العسكرية واجهت الامتحان، أو المحنة بحكمة فلم تخذل الرئيس، وهو بطل عسكرى خرج من صفوفها، ولم تعارض الثائرين على حكمه لأنهم صوت الشعب، وقد كتب «حسن عصفور» بصحيفة «الدستور» الأردنية، أن الجيش رفع شعار «المصلحة العليا للوطن» وأكد أنه ليس قوة انتقامية أو «تخريبية» أو «هدامة»، كما أكملت القوات المسلحة رسالتها الحضارية لمصر القادمة، عندما توقف المتحدث العسكرى ليؤدى التحية العسكرية للشهداء الذين سقطوا خلال مسيرة التغيير الثوري. الجيش المصري فى 30ثورة يونيو2013 :- ---------------------------------------- كانت هناك حقيقة مؤكدة وراسخة في وجدان وضمير المؤسسة العسكرية المصرية، بعد تجربة «حكم المجلس الانتقالي» مؤداها: «إن الجيش لا يمكن أن يتدخل في الشئون السياسية العامة، إلا إذا واجهت مصر اضطرابًا يماثل الانتفاضة التى أسقطت مبارك، ولهذا كانت تصريحات وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى يوم 29 يناير 2013، واضحة عندما قال فيها: إن الاضطراب السياسى يدفع الدولة إلى حافة الانهيار، وإن الجيش سيظل الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوى الذى ترتكز عليه أركان الدولة. ورغم الفرص التى أضاعتها جماعة الإخوان فى التوافق مع القوى السياسية طوال عام كامل, وسعيها الدؤوب نحو أخونة الدولة المصرية , فإن القوات المسلحة منحت الرئيس «مرسي» المهلة تلو الأخرى للتوافق, إلا أنه أضاعها أيضا, ليتمرد عليه 33 مليون مصرى لتنطلق ثورة 30 يونيو فى كل أرجاء مصر, فما كان من جيش مصر إلا أن لبى نداء الشعب لحماية البلاد من مواجهة محققة لا يعلم مداها الا الله، وترتيبا عليه جاءت ثورة 30 يونيو بمثابة ثورة شعبية بامتياز عبرت عن الغالبية العظمى من الشعب المصري، عدا من ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي والقلة القليلة المتعاطفة معهم، والتى تآكلت بعد عام واحد من حكم الجماعة المتهافتة على السلطة، والذى كاد يودى بالبلاد والعباد. ولعلنا نتذكر أنه منذ أن تولى الفريق أول عبد الفتاح السيسى منصبى وزير للدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، تجذر عدم تدخل الجيش فى الشأن السياسي، بعد أن ذاقت القوات المسلحة الأمرّيْن منذ تحملها عبء إدارة البلاد حتى سلمت السلطة للرئيس المدنى المنتخب, وبدت القوات المسلحة أكثر مهنية وأكثر اهتمامًا بالتدريب والتطوير وأكثر عصرية تحت قيادة الفريق السيسي, وتم تكليف أحد القيادات الوسطى الشابة بالقوات المسلحة ليكون متحدثًا عسكريًا باسمها, وتم إنشاء صفحة للمتحدث العسكرى للتواصل مع المواطنين ووسائل الإعلام لتوضيح مختلف الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة. ورغم اهتمام القوات المسلحة بمهنيتها ومهمتها الأساسية فى الدفاع عن مصر ضد أعدائها, فإنها لم تهمل دورها كمدرسةٍ للوطنية المصرية من حيث الاهتمام بالشأن الداخلي، الذى كان من الملحوظ أنه آخذٌ فى التدهور فى ظل حكم مرسى وجماعته, فبعد أزمة الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى وأحداث الاتحادية فى ديسمبر 2012، واحتقان الشارع والقوى السياسية, حاول الفريق السيسى دعوة كل القوى باسم القوات المسلحة للمصالحة الوطنية, وهو ما رفضته جماعة الإخوان، وعندما قرر مرسى معاقبة مدن القناة بفرض حظر التجول, ورفض الأهالى تطبيق الحظر, رفض الجيش إطلاق رصاصة واحدة على أى مواطن مصري, مما زاد من اللُحمة الوطنية بين الشعبِ والجيش. ولقد بلغت الأزمة ذروتها بعد تردى الأمور، وهو ما اتضح من تصريح الفريق صدقى صبحي، رئيس هيئة الأركان المصرية، على هامش فاعليات مؤتمر ومعرض الدفاع الدولى «إيدكس 2013» فى فبراير بدبي، حين قال: «إن القوات المسلحة التى ظلت فى مركز السلطة لعشرات السنين، ستتجنب التدخل فى السياسة، لكن يمكن أن تقوم بدور - إذا تعقدت الأمور- ولكن الأمر لم يصل بعد إلى مستوى الإضراب أو العنف الشديد، متمنيًا أن تحل التيارات والقوى السياسية المتنافسة نزاعاتها بالحوار، مشيرًا إلى أن الجيش لن يدعم أى حزب سياسي، ولكنه يمكن أن يساعد أحيانًا فى هذه المشكلة، ويمكن أن نلعب هذا الدور إذا تعقد الموقف», ثم مقولته الشهيرة: « إذا دعانا الشعب المصرى فسوف نكون فى الشارع فى أقل من الثانية». إعادة الثقة وبعد كل ما مضى أليس حريا بنا بعد كل ماسبق أن ننظر بعين الاعتبار إلى تاريخ بلادنا الحربي، الذى لم يكتب بعد كتابة فنية، فقد اعتاد مؤرخونا على أن يدمجو الأحداث العسكرية ضمن الأحداث السياسية التى مرت بالبلاد، ولذلك فإنهم لم يتناولوا بطريقة مفصلة دراسة تاريخ البلاد من الناحية العسكرية، فلم يبحثوا تطور جيوشها، وتطور صناعة أسلحتها، وأساليب قتالها وتحليل معاركها، وأسباب ظفرنا أو هزيمتنا ...إلخ، مثلما نقرأه عن الجيوش الغربية الأحدث منا عهدا وحضارة. لقد قصرنا فى حق جيشنا الذي خاض معركة لم يُهزم إلا في 12 فقط، مع أن دراسة تاريخه من أهم ما يجب علينا معرفته فى أثناء مراحلنا التعليمية والثقافية ، ولزاما علينا أن نعى تاريخ جهودنا النضالية ، وأن ندركها حق الإدراك ، إذن فلنقرأ الآن هذا التاريخ الناصع للإفادة من دروسه وعبره الكثيرة، نعم للإفادة من التجارب الظافرة أو المحن الحزينة، وليس من أجل التسلية وقتل الوقت في أعمال درامية لا تجدي كثيرا، بقدر ما تضر كما هو موجود على شاشة رمضان في كل عام. أظن أن طيفا من ذلك يلزمنا في هذا الزمن الذي نعيشه، فإنه ينبغي أن نعيد الثقة إلى أنفسنا وأبنائنا، خاصة أن المقاتل المصري الباسل الذي يحارب كما قاتل أجداده فوق هذا التراب، أو في بلاد أخرى دفاعا عن الأمن القومي العربي، تماما كما يدافع اليوم ببسالة وثقة وإيمان على الجبهة الداخلية فى سيناء وباقي حدود مصر والأمة العربية، ولا شك أن أولئك المقاتلين يعرفون ويؤمنون بأن لهم تاريخا حربيا يمتد إلى آلاف السنين الغابرة ، فقد أسهم أجدادهم - كما ذكرنا - في مئات المعارك التي خاضوها دفاعا عن الوطن الكبير، فإذا أعيدت الثقة إلى نفوسهم، وأدوا واجبهم بإيمان وإخلاص، لاستطاعوا أن يرفعوا شأن وطننا ليتبوأ مكانته التى تليق به بين كافة الأمم .. وإنه لقريب بإذن الله. أقوال مأثورة عن الجيش المصري ------------------------------- 1- قال الرسول صلى الله عليه وسلم جند مصرهم خير أجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم القيامة. 2- إنى لم أرى فى حياتى مطلقا قتالا نشب بين سكون عميق وفى حماسة تضارع حماستهم، فقد كانت أعينهم وحدها هى التى تتكلم وكانت جرأتهم تذهل العقول وتحير الألباب حتى لكأنهم ما كانوا جنودا بل أسودا. مارشال فورية القائد العام للحملة الفرنسية فى المكسيك 3- إن المصريين هم خير من رأيت من جنود. البارون بوالكونت وقد اذهلته معارك الجيش المصرى فى سوريا 1832 4- ربما يعد المصريين أصلح الأمم لأن يكونوا من خيرة الجنود، ومن صفاتهم العسكرية الامتثال للأوامر والشجاعة والثبات عند الخطر، والتذرع بالصبر فى مواجهه الخطوب والمحن، والاقدام على المخاطرة والاتجاه إلى خط النار، وتوسط ميادين القتال بلا وجل ولا تردد. كلوت بك الطبيب الفرنسى 5- لا ترسلوا لى فرقة تركية ولكن ارسلوا لى كتيبة مصرية. المارشال الفرنسى مارمون عندما تولى قيادة الحلفاء فى حرب القرم ما أكثر المآزق الحرجة التى وجدت فيها نفسى فى القتال، ولكننى كثيرا ما فكرت وأنا فى المأزق فى شجعانى المصريين، وتمنيت ان يكونوا فى جانبى 6- لورد كتشنر بعد انتصاره فى جنوب افريقيا رائع أيها المصري المقاتل. 7- المارشال سيمور قائد البحرية الأنجليزية اثناء حرب الاسكندرية تعقيبا على سرعة المدفعية المصرية فى الرد من الفتحات التى تم تدميرها قالوا بعد العبور حرب أكتوبر : -------------------------- 1- إنقذونا .. الزلزال ، إنقذونا .. إنها القيامة . إن خسائر إسرائيل تفوق الولاياتالمتحدة فى حروب الهند والصين التى استمرت عشر سنوات . جولدا مائير» رئيسة وزراء إسرائيل 2- خط بارليف أصبح مثل قطعة الجبن المليئة بالثقوب ، إنى أشعر بهم ثقيل على قلبى لأن المصريين حققوا مكاسب قوية فى حين إننا عانينا ضربة ثقيلة ، لقد عبروا قناة السويس وأنشأوا كبارى للعبور حركوا عليها المدرعات والمشاة والأسلحة المضادة للدبابات ، ونحن فشلنا فى منعهم من ذلك ولم نستطع أن نلحق بهم إلا خسائر قليلة. «موشى ديان «وزير الدفاع الإسرائيلي من قال أن هناك خطاً يسمى خط بارليف ؟ حاييم بارليف « رئيس الأركان الإسرائيلى 3- لقد غيرت الساعات الست الأولى للمعارك مجرى التاريخ بالنسبة للشرق الأوسط . صحيفة « الديلى تلجراف « البريطانية 4- هذه الحرب توجه ضربة قاتلة لنظرية الحدود الآمنة حسب المفهوم الإسرائيلي. صحيفة» لومانتيه « الفرنسية 5- لقد اندهشت من بأس الطيارين المصريين ومن دقة تصويب الدفاع الجوى المصري. سمحا مردخاى بعد وقوعه فى الأسر 6- لابد أن نشهد للمصريين بحسن تخطيطهم ، لقد كانت خطتهم دقيقة ، وكان تنفيذهم لها أكثر دقة ، لقد حاولنا بكل جهد عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها ولكن دون جدوى . الجنرال الإسرائيلى «باركيس» 7- من الصعب أن أصدق أن المصريين تحركوا على هذا النحو ، إن الهجوم على إسرائيل كان مفاجأة كاملة لى فأنا أشعر بالإحباط من قصور معلومات مخابراتنا كما إننى فى ذهول من فشل المخابرات الإسرائيلية ، وقد كنت أعتقد إنها من أفضل أجهزة المخابرات فى العالم هنرى كسينجر 8- إن المصريين غيروا الكثير من المفاهيم العسكرية للأسلحة البرية . عساف يا جورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلي 9- لقد حضرت معارك كثيرة ولكن لم أشهد في حياتي أعنف من هذه المعارك إنها هذه المرة حرب حقيقية فعلاً .» إرييل شارون قائد إحدى التشكيلات الإسرائيلية 10- حرب أكتوبر زلزال هز كيان إسرائيل هزة عنيفة . رئيس الاستخبارات الإسرائيلية 11- إن المصريين قد دخلوا هذه الحرب بأسلحة جديدة ، وكميات هائلة لم تحسن المخابرات الإسرائيلية تقديرها ، ولهذا وقعت المفاجأة ونجح المصريون في تحقيق انتصاراتهم . الجنرال ( حاييم بارليف ) 12- الآلاف من قتلى إسرائيل من الشباب الذين لم يتجاوز الواحد منهم الرابعة والعشرين من العمر ، ولذلك هذه هي حرب الأبناء . مناحم بيجين 13- حتى السادس عشر من أكتوبر 1973 لم يسلم جندي واحد من وحدتى من طلقات الجنود المصريين ، ولم يبق من قواتى سوى كتيبتين ، وأنا شخصياً نجوت من الموت بأعجوبة شديدة . إرييل شارون إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر 1973 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب ، واجتياح خط بارليف المنيع ، وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه في ست ساعات، سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هامتها ، عزيزة صواريها. ------------- اعده الملف / محمد حبوشة كاتب وباحث وصحفي بجريدة الأهرام