لم يكن يتخيل أنه سيأتى عليه يوما يجد فيه إنسانا واحدا حتى وإن كان من أقرب المقربين إليه يسأل عليه أو يهتم به بعدما قضى كل حياته تقريبا فى مستعمرة الجزام وحيدا حزينا راضيا بما قسمه الله له منعزلا عن العالم بعدما رفضه كل من حوله وتركوه فى تلك المستعمره وكأنه عار لابد الخلاص منه ولأن الحياة لاتتوقف عن مفاجآتها ولأن الله قادر على أن يغير أقدارنا من حال لحال ما بين ليلة وضحاها فقد أراد له ودون إنتظار أن تهتم الدنيا كلها به .. وكيف لاتهتم وهو البطل الأول والوحيد للفيلم الذى ذهب ليمثل مصر فى مهرجان "كان" فى مايو الماضى بعدما غابت مصر عن المهرجانات الدولية لسنوات طويلة حتى أن أعضاء اللجنة التى شاهدت الفيلم هاك ظلوا يصفقون له عشرين دقيقة متواصلة. وها هو " عم راضى " يقف شامخا مثل أكبر نجوم العالم على "الريد كاربت" فى مهرجان الجونة السينمائى ليعلن للعالم كله أن الإنسانية لابد أن تنتتصر فى النهاية وأن الحق أبدا لن يضلله باطل .. يقف "عم راضى" راضيا شامخا وسط النجوم ليتلقى إعجابهم وإنبهارهم وتهنئتهم بالدور الذى قدمه فى الفيلم وكأنه ممثل مخضرم محترف وليس هاو يقف أمام الكاميرا لأول مرة فى حياته . " عم راضى " ليس دليلا على إنتصار الإنسانية فقط ولكنه أيضا دليل على أن الحياة تحتاج أحيانا لقدرا من المجازفة وهذا ما راهن عليه أخذها المخرج "أبو بكر شوقى " عندما آتى به من مستعمرة الجزام ليجعله بطل أول أفلامه فكسب الرهان. نجح عم راضى فى تجسيد دور "بشاى" الرجل الذى ألقى به أهله فى مستعمرة الجزام وهو طفل صغير فلم يجد أمامه مفرا من الإستمرار والمعافرة مع المرض والحياة حتى وصل الى منتصف الأربعينات فقرر أن يبدأ رحلة البحث عن أسرته التى ألقت به فى المستعمرة وإختفت دون أن يسأل عنه أحد ولو مرة واحدة طوال هذه السنوات الطويلة لذا ولأنه إبن التجربة وجد المخرج " أبو بكر شوقى " أنه أفضل من يمثلها ولم يخذله أداء الرجل الموهوب بالفطرة فقد جاء معبرا صادقا واقعيا حتى أنه كل من شاهد الفيلم لم يصدق أنه ممثل هاو وليس محترف ومن أجمل ما قاله "شوقى " عن بطل فيلمه اننى حين ألتقيت به لأول مرة وجدته رجل خفيف الظل محترم والأهم من هذا وذاك أنه لديه كبرياء وكرامة فعرضت عليه الفكرة ووافق على الفور والمدهش أنه لم يأخذ وقتا طويلا فى التدريب على التمثيل لأنه موهوب بالفطرة . ولأن الموهبة الحقيقية لابد أن تفرض نفسها ها هو " عم راضى " اليوم ملء السمع والبصر بعدما نجح فيلمه فى المهرجانات العالمية ويعرض لأول مرة فى الشرق الأوسط من خلال مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الثانية.