"يوم مشرق .. وأشجار يانعة.. وطقس ربيعي .. وشارع آمن .. ومدينة صديقة للمرأة لأنها ببساطة خالية من أول وثاني أكسيد التحرش" . هذا هو البلاتوه التى باتت تحلم به الإناث في مصر، وغالبا ما يكسوه اللون "البمبي" أسوة بسندريلا الشاشة سعاد حسني ، ولما كانت المرأة المصرية عفية وقوية ومن الإحباط محمية ، فقد تفتق ذهنها عن أفكار عديدة كنوع من الأسلحة الحصرية في مكافحة الآفات الذكورية . وقد كان .. وظهر إلى النور هذا المشروع الوردي الذي يتضمن تاكسيات باللون البينك وتقودها سيدات ، لتوصيل الإناث فقط من ضواحي القاهرة بدءا بمدينة أكتوبر والشيخ زايد إلى وسط المدينة، ثم مدن العبور والشروق والتجمع الخامس ، وكذلك المهندسين والزمالك ، ولن يتوقف المشروع عند هذا النطاق الجغرافي بل سيشمل الإسكندرية والدلتا إلى أن يصل لصعيد مصر ... ولماذا تاكسي خاص للمرأة ؟ طبعا حضرتك سيد العارفين ، إن مصر بلا فخر ثاني دول العالم في التحرش الجنسي بالمرأة بعد أفغانستان ، فوزارة الداخلية تكتفي بالشرطة النسائية فقط في المناسبات والأعياد وكل سنة وهن طيبات ، ليس هذا فحسب، بل أيضا ارتفاع ظاهرة الاحتباس الذكوري والتغيرات المناخية في الهوية المصرية، وانخفاض معدل الشهامة في الجينات الذكورية، كلها مجتمعة أصبحت عوامل تشكل خطورة وتهديدا للأمن النسائي المصري .. والجدير بالذكر أن هذا المشروع ليس حصريا للشعب المصري؛ لأنه موجود عالميا، لكنه سيطبق لأول مرة في مصر .. وماذا بعد ؟ لا أخفيك سرا حضرة عزيزى القارئ فلست أدري إن كانت هذه الفكرة ستروق للثقافة الشعبية وتلقى رواجا أم لا ؟ فمترو الأنفاق مثلا يخصص عربة للسيدات، ولكننا نرى العديد من الفتيات محشورات وسط الجمع الذكورى في باقي العربات، وهذا طبعا نتيجة حتمية للتفرقة العنصرية، فنسبة الذكور إلى الإناث في بلدنا تعد متساوية أو متقاربة فالذكور 51 % والإناث 49 % وفقا لآخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، وعليه فلو سلمنا بفكرة التفرقة بينهم في المواصلات فلابد أن تكون عدد التاكسيات مناصفة، وعربات المترو مناصفة، والأتوبيسات كذلك!! وهذا مستحيل ..إذن فما هي المعوقات ؟ أقول لك أنا .. أولا : الأسعار سوف تكون مرتفعة، مقارنة بأجرة التاكسي الأبيض، على اعتبار أنها خدمة مميزة و"متكلفة " وبالتالي فستخدم فئة معينة من الشعب وأكيد ليست الفئة الكادحة ، بينما فتيات الطبقة "المستريحة" لسن بحاجة إلى تاكسي في الأساس، فلديهن سياراتهن الخاصة. ثانيا : هذا الوضع "الوهابي" في الفصل بين الجنسين، سوف ينبئ بحدوث أزمة من نوع آخر ، لو افترضنا جدلا أن أحد أهم أسباب التحرش بالمرأة هو الكبت الجنسي وتأخر سن الزواج، فهنا لن يجد الشاب أمامه إلا شابا مثله ليتحرش به وسط الزحام، وهنا سنواجه ظاهرة الشذوذ القزحية، بدلا من التحرشات النسائية، ونكون قد وقعنا في فخ الموبقات من أوسع أبوابه . ثالثا : وهو الأهم إن هذا يعد اعترافا رسميا أمام العالم بأننا أصبحنا حيوانات شهوانية غير قادرين على احترام الآخر، وأننا بلا نخوة ومعدومي الأخلاق، فنسعى لإبعاد الأنثى عنك حتى لا تتحرش بها، وفي هذا إهانة بازغة لرجال مصر . وأخيرا فالدستور المصري يقر بالمساواة بين المواطنين (ذكورا وإناثا) في الحقوق والواجبات فلم نسعى نحن للتفرقة العنصرية؟ كاستسهال نتيجة ضمور العوامل الأخلاقية وتراجع في منسوب التربية ! هبة عبد العزيز [email protected]