تعتبر الكثير من قاعات العرض شهر رمضان فترة هدنة من سباق الموسم التشكيلى الذى شهد أكثر من مائة معرض خلال الأشهر القليلة الماضية، فما أن بدأ رمضان حتى قامت العديد من الجاليرهات بافتتاح معارض جماعية لمقتنياتها سواء من تلك الأعمال الفنية التى عرضت خلال هذا الموسم أو من سواها ، إذ عرض جاليرى بيكاسو على سبيل المثال مجموعة من أعمال الفنانين عمر النجدى وسمير رافع اللذين رحلا عن عالمنا مؤخرا ضمن مجموعة كبيرة من الأعمال ، كما قدمت العديد من قاعات العرض فى الزمالك عروضا جماعية متميزة نذكر منها على سبيل المثال جاليرى أوبونتو وجالير ليوان وسفر خان.. وغيرهم. إلا أن بعض القاعات لجأت إلى عرض أعمال لها علاقة برمضان إذ افتتح جاليرى نوت بالزمالك معرض «رمضان جانا» بمشاركة عدد كبير من الفنانين الذين حاولوا انتقاء أعمال لها علاقة برمضان وطقوسه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ قدم بعضهم الحارة وباعة الخبز وراقصى التنورة. إذ نجد مثلا الفنانة لينا أسامة قدمت فى هذا المعرض أربع لوحات اثنتان منهما لهما علاقة برمضان وهما «بيت الشمس» و «بيت القمر» واثنتان منهما من معرضها الأخير «مربى الزيتون» وهما «قمر سيوة» و «زهرة الكركدية» ، إذ تقول الفنانة: رمضان شهر مميز يغير نمط اليوم والعادات اليومية كما يغير شكل الحياة اليومية والاجتماعية وبالتالى له تأثير كبير عليا كفنانة. ومن أكثر ما يؤثر فى خلال رمضان هو ملاحظة مواعيد اليوم عن كثب ومنها الفجر والشروق والغروب وكذلك تغيرات السماء وألوانها وشكل الطبيعة أثنائها. حيث أجد نفسى أصحو فى مواعيد غير معتادة وأراقب السماء طوال الوقت للارتباط اليومى بالفجر والغروب. للفنانة لينا أسامة وتضيف الفنانة: «أنا فى العادة لا أحب الغروب، إلا أن ذلك يتغير خلال شهر رمضان فيكون الغروب ميعادا للتجمع وتناول الطعام والأحاديث سويا، كما أننى منذ الطفولة أواجه مشاكل فى النوم لذلك أسعد طوال رمضان لإحساسى بالطمأنينة والونس فالجميع مستيقظين طوال الليل .. أما عن اللوحات التى أشارك بها فى المعرض فهى كذلك تعكس المراحل الزمنية المختلف لواحة سيوة فى أيام وليالى رمضان مثل الفجر والشروق والغروب وظلام الليل حيث السحور قبل الفجر. وقد تناولت تلك الأوقات من ناحية ألوان الطبيعة وأيضا من خلال تسجيل الجوانب الاجتماعية والتاريخية أو التراثية بشكل يجمع ما بين التشخيصية والرمزية. وقد نفذت هذه اللوحات بتقنية تجمع ما بين التصوير والطباعة وهو أيضا الشئ الذى أراه عاكسا لروح رمضان حيث تمتلئ حياتنا بالنقشات والمطبوعات المزركشة فى أيام رمضان». للفنانة لينا أسامة وإذا كانت أعمال لينا تعكس تأثرها نفسيا ووجدانيا برمضان وألوانه وطقوسه، فإن العمل الذى قدمه الفنان على المريخى تحت عنوان «الانتظار» لايرتبط برمضان بشكل مباشر إذ يعتبر دراسة لحالات مختلفة من الانتظار بتنويعات على أوضاع الجلوس الشهيرة لأبناء الصعيد بزيهم الشهير، وإن كان ذلك يرتبط بذكريات رمضان، إذ يستعيد الفنان علاقته بالشهر الفضيل من خلال حنين قوى إلى المكان، وإلى قريته الصغيرة بدروبها الضيقة والمسجد الذى تم هدمه، وهو المشهد الذى قدمه الفنان فى عمل فنى آخر كان يتمنى عرضه وحالت ظروف دون ذلك .. حيث يقول: أعود بالذاكرة ما يقرب من نصف قرن إلى شوارع القرية .. نركض فرحين نحمل فوانيس هى ليست بفوانيس هى مجرد زجاجة دواء متوسطة الحجم قامت أمهاتنا بملئها بالجاز وغمست فتيلا من القماش بداخلها فيشتعل الفتيل مضيئا وهى أقرب إلى قنبلة مؤقتة صغيرة الحجم، لكنها كانت قادرة على إسعادنا حيث نجتمع بالعشرات ونجوب دروب وشوارع قريتنا الضيقة ونحن نغنى «وحوى يا وحوى».. وقد ظل هذا الوضع قائما حتى ظهور الفانوس الذى ينير ببطارية ولمبة صغيرة مصنوع من شرائح الزجاج الملون فكانت الفرحة غامرة بالضوء الملون الخارج من هذا الفانوس السحرى بالنسبة لزجاجة الفتيل حيث نجانا هذا الفانوس الجديد من رائحة الجاز الشنيعة ومخاطره القاتلة. للفنان على المريخى وقد كان المسجد الوحيد للقرية هو المكان الذى يلتفت حوله الأطفال والكبار قبل الافطار فى انتظار الآذان حيث ننطلق جريا فى سباق حميم إلى المنازل بمجرد انطلاق الأذان لنصل إلى باب المنزل قبل أن يصل المؤذن إلى نهاية الأذان مبشرين بالإفطار حيث إن مكبرات الصوت لم تكن قد ظهرت حتى ذلك الوقت.. وحول المسجد تتكثف كل مظاهر رمضان من زينة وبائعين للزلابية والقطايف والأهم بائعو الثلج حيث كانت تجلب ألواح الثلج من المدينة قبل المغرب بوقت كاف وتقطع وتباع وتكون جاهزة للمشروبات والماء المثلج قبل الافطار كان ذلك بالطبع قبل دخول الكهرباء. أما وقد ظهرت الكهرباء الآن وفقد ظلت بعض الطقوس المفرحة مثل الفانوس كما هى وإن خفت الهرولة فى الدروب وظهر الميل للاستكانة تحت أعمدة الكهرباء والونس والحكايات إلى أن بدأ التلفزيون بالظهور لدى الميسورين من أهل القرية كان منهم من يتيح لنا الفرجة طوال ليل رمضان يوضع التلفزيون فى الشارع ومنهم من يبخل فيقتصره على أهل داره. للفنان عمر صديق ظل هذا الوضع قائمة لفترة كبيرة حيث ظهرت الفوازير والأعمال التلفزيونية التى جعلت رمضان أكثر متعة ليلا وبدأت مرحلة جديدة بانتشاره حيث اختلفت طقوس اليوم بأكمله عن طقوس كانت البطولة فيها للسهرات الرمضانية القرآنية للكبار والاحتفالات الشعبية (الموالدية والرواجحية) وهو غناء شعبى ومديح مرتبط بالقصص الدينية والبطولات.. فظهور التلفزيون والانترنت الذى استبدل الزيارات والأطباق المتداولة بين الجيران بالكروت والأطباق الجرافيكية الخاوية. للفنانة مروة إبراهيم وربما كان الحنين إلى طقوس رمضان أثناء فترة الطفولة ومظاهره التى تكاد تختفى هو المحرك الذى قدم من خلال أعضاء الجمعية المصرية للكاريكاتير معرضهم «رمضانيات» الذى تم تنظيمه بالتعاون مع مركز طلعت حرب الثقافى التابع لصندوق التنمية الثقافية، إذ يقول الفنان فوزى مرسى فنان الكاريكاتير وعضو مجلس إدارة الجمعية فكرت فى الأمر حيث كنت أود أن ننظم معرض أهم مظاهر الشهر الفضيل.. وهى أول مرة ننظم معرضا عن رمضان، وبالفعل كان هناك اهتمام كبير بالمشاركة من معظم الرسامين، وقد شارك بالمعرض 22 فنانا ب 47 عمل، أعادتنا لذكريات رمضان ولأيام الطفولة بل وللشخصيات الرمضانية التى أحببناها مثل بوجى وطمطم وفطوطة وعمو فؤاد، وأفكر فى العام القادم أن يكون فيه مشاركات من مختلف الدول العربية كى نتعرف على مظاهر رمضان هناك، وقد أقيم المعرض تحت إشراف الفنانة مروة إبراهيم وجدير بالذكر أننا أتحنا الفرصة لأصغر فنانة فريدة ذات التسع سنوات للمشاركة فى المعرض بعملين وهى أيضا فرصة لاكتشاف المواهب الجديدة. للفنانة إيمان حكيم