وثيقة »الإخوة الإنسانية» التي أعلنها من أبوظبي الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان.. ليست فقط رسالة إلي ما يقرب من ثلاثة مليارات مسلم ومسيحي من أتباع الأزهر والفاتيكان، ولكنها رسالة للعالم كله تقول بوضوح وحسم أن كل الأديان السماوية بريئة من هذا الإرهاب المنحط الذي يسفك الدماء ويهدم الأوطان باسم الدين، وبريئة من كل دعاوي العنف والكراهية التي ينبغي علي العالم كله أن يقف في مواجهتها صفاً واحداً من أجل عالم ينعم بالخير والسلام، ويحقق العدل وينتصر لكرامة الإنسان وثيقة »الإخوة الإنسانية» التي وقعها الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان في لقائهما بدولة الإمارات تأتي لتؤكد أن الأديان السماوية لايمكن أن تحاكم بأخطاء بعض من يدعون الانتماء إليها، وهم يسيئون إلي كل القيم الإنسانية. جماعات الإرهاب التي ارتكبت جرائمها باسم الإسلام الحنيف، مثلها مثل جماعات مماثلة رفعت الصليب وهي تقتل المسلمين وغير المسلمين من أيام الحروب الصليبية، إلي مذابح »البوسنة» إلي مأساة العراق التي شن الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الحرب عليها باعتبارها »حرباً صليبية» انتقاماً من جريمة أفراد يعلم الله أنهم لم يكونوا نتاج ثقافة الإسلام الحقيقية بل نتاج التطرف الذي رعته أفكار التخلف وجهد أجهزة مخابرات لم تكن تتصور أن ما تزرعه من شر.. سوف يعود إليها!! تأتي وثيقة »الإخوة الإنسانية» لتقول إن الأديان السماوية بريئة من كل عنف أو عنصرية أو كراهية أو سفك دماء. وأنها جميعاً دعوات للسلام والتسامح بين البشر الذين خلقهم الله جميعاً متساوين ودعاهم لأن يحترموا خلافهم ويدركوا الحكمة في أن يسعوا من خلال اختلاف الرؤي والأفكار والمعتقدات إلي العيش المشترك، وإلي الجهد الخلاق من أجل أن يعمروا الأرض ويبنوا الحضارة، ويحققوا الخير والسعادة للبشر أجمعين. وتأتي وثيقة »الإخوة الإنسانية» لتعكس إدراكاً عاماً بأن هزيمة الإرهاب واجب إنساني. وأن هذه الهزيمة لن تتحقق في ميادين القتال فحسب، لكنها تتحقق أولا وقبل كل شيء بهزيمة كل فكر يدعو للعنصرية والكراهية، ويرفض قبول الآخر، ويعادي حرية الاعتقاد وحق الاختلاف ويتوهم أن سفك الدماء وتدمير الأوطان يمكن أن تكون انتصارا للدين البريء من كل هذه الجرائم. وتأتي وثيقة »الإخوة الإنسانية» لتكون رداً علي من ينشرون ثقافة العداء للإسلام »الإسلاموفوبيا» في الغرب، رداً علي جرائم يدينها الإسلام قبل أن يدينها الآخرون، وإنسياقاً وراء دعاوي الكراهية التي تنشرها جماعات اليمين الوارثة لأفكار النازية والفاشية التي تريد استعادة سطوتها في أوربا وأمريكا، كما أراد الإخوان ومهاويس الخلافة التركية العثمانلية استعادة دولتهم علي جثث البشر في الشرق الأوسط!! ولعلنا هنا نذكر بكل التقدير جهد دولة الإمارات في تحقيق اللقاء الأول للأمام وبابا الفاتيكان في منطقة الخليج، وهو أمر طبيعي في دولة تحقق مثالاً رائعاً يجمع بين بناء الحداثة في أروع صورها، وبين بناء المجتمع الذي يحفظ الهوية العربية ويحقق أقصي درجات التسامح والمحبة والعيش المشترك بين الناس جميعاً مع اختلاف الجنسيات والديانات والطبائع، لكي يحققوا جميعاً هذا الإنجاز الفريد في بناء الدولة الأكثر حداثة وتطوراً علي شاطيء الخليج العربي. ولعلنا هنا أيضاً نذكر بكل الوعي أن الأمام الأكبر كان حاضراً بالطبع بكل ثقله الديني راعياً للمؤسسة الدينية والفكرية الأهم في العالم الإسلامي وقائداً للأزهر الشريف بكل ميراثه الديني والوطني. ولكنه كان أيضاً حاضراً مع تجربة مصر العظيمة التي كان الأزهر الشريف فيها عنواناً للوسطية والاعتدال. وكان أيضاً عاملاً رئيسيا في الحفاظ علي الوحدة الوطنية التي ستظل دوماً هي حصن مصر ضد كل مؤامرات الأعداء، وضد كل من يحاولون اختطاف الدين ليكون أداة لهم في صراعات السياسة ومؤامرات الأعداء. كان الأمام الطيب يوقع وثيقة »الاخطاء الإنساني» ومعه تجربة مصر التي أعطت للعالم قبل مائة عام شعار ثورة شعبها »الهلال مع الصليب» لتضرب كل محاولات والاستعمار لشق الصفوف. وكان الإمام الطيب يحمل معه تاريخاً من العيش المشترك تحت سماء مصر كان هو الهادي دوماً لأن ترفض الإرهاب والتعصب، وتسقط حكم الفاشية الإخوانية، وتصمد أمام إرهاب رفع زوراً وبهتاناً أعلام الدين، وتنتصر للوطن وحده، وتجعل من لقاء من الأزهر والكنيسة فرضاً وطنياً، وتجعلنا نسمع من البابا تواضروس قولته المشهورة في وجه الإرهاب الذي أراد الانتقام بحرق الكنائس »إن وطناً بلا كنائس أفضل بكثير من كنائس بلا وطن». بنيت الكنائس، واحتضنتها الجوامع، وعاش الوطن، وانهزمت كل دعاوي الكراهية والإرهاب. كان هذا درسنا للعالم. وأمامنا الآن وثيقة »الإخوة الإنسانية» من لقاء أبوظبي. لنقول للعالم إننا دعاة العيش المشترك، والسعادة بين البشر أجمعين.