إسلام مرعي -- أندرو ناصف مرعي: يناير أنقذتنا من شيخوخة الدولة أندرو: 30 يونيو امتداد طبيعي صحح مسار 25 يناير »امسك الأسفلت».. جملة لا يفهمها سواهم.. في يقظتهم يتضرعون بها إلي الله لتتحقق.. في منامهم يرونها في أحلامهم.. يتمنونها في كل نفس.. أمل يعيشون عليه في كل يوم يمر بهم.. تعني لهم الحرية.. إنهم عشرات ممن ساقتهم أقدارهم سهوا لأن يصبحوا أسري مقابر الأحياء، أو بمعني أدق هذا هو حال قاطني السجون، بالأخص من كانوا يوما رموزا لثورة كانت ومازالت محور حديث العالم لعظمتها ألا وهي ثورة ال 25 من يناير واستمروا في نضالهم ضد قوي الإرهاب ليكونوا أيضا رموزا لثورة ال 30 من يونيه.. في هذه السطور »الأخبار» تحاور شخصين كانا رمزين لهذه الثورة الأم التي آمنا بها حتي كان يوم أظلمت فيه عيناهما قابعين بين جدران الزنازين إلي أن حصلا علي عفو من الرئيس السيسي لتدب الروح في أوصالهما بعد أن فقداها طوال عام كامل من الذكريات الأليمة. البداية كانت مع إسلام مرعي.. شاب في منتصف الثلاثينات من عمره.. فرد من أسرة مستقر ماديا... عشقه للوطن ورغبته في حياه أفضل لملايين البسطاء جعله يتقدم صفوف الثوار في ميادين الحرية مع انطلاق ثورة ال 25 من يناير.. يري أنها الحلم الذي تحول لواقع منقذا الدولة من الشيخوخة بعد أن شابت أوصالها.. عقب نجاحها كان من أوائل من فضلوا أن تتحول قصة ال18 يوما إلي عمل سياسي منظم فانضم للحزب المصري الديمقراطي.. حنكته ومواقفه الثابتة جعلته يتولي قيادة حزبه بمحافظته الشرقية، ويتدرج ليصل في النهاية أمين التنظيم المركزي للحزب.. حلمه بوطن بلا فقراء جعله يقدم دائما علي معارضة كل ما هو خاطئ غير عابئ بالخسائر المادية التي نالت تجارته، والخسائر الأسرية من خوف أسرته الدائم عليه من التهديدات التي كان يلقاها من الإخوان طوال فترة حكمهم وبعض الفاسدين الذين كانوا يقفون له بالمرصاد، ومع هذا استمر في عمله السياسي بشجاعة منقطعة النظير، حتي أتي يوم أسود عليه، وساقه القدر أن يقبع بين جدران الزنازين عاما كاملا.. عاشه في قلق دائم إلي أن حصل علي عفو رئاسي من الرئيس السيسي وعادت إليه روحه مرة أخري. نفس عميق امتزج بنبرة مليئة بالثقة وعينين امتلأت ببريق الفخر بهذه الملامح بدأ إسلام مرعي حديثه قائلا: إن الحديث عن يناير يحتاج إلي مجلدات لنوفي حقوقها علينا، لأنها كانت بمثابة حلم جميل يراوض المصريين بكافة طوائفهم لفترة طويلة شهدت إرهاصات تنذر بحدوثها عاجلا أم آجلا خاصة أن رجال الوطني كانوا قد عاثوا في الوطن إفسادا وكان لابد من الوقوف أمامهم. ويشير إلي أن عظمة ثورة ال 25 أنها أنهت عصر الفوارق الطبقية وساوت بين الجميع سواء كان ارستقراطيا أو من طبقة فقيرة فالجميع كان في الميدان سواء يهتف لمصر لإنقاذها من براثن الشيخوخة التي أصابت أوصالها ولم تعد كسابق عهدها في دورها الإقليمي في القيادة وبالأخص الجزء الأفريقي. ويضيف مبتسما أن ال 18 يوما التي شهدتها الثورة هي أفضل أيام حياته لأنها علي المستوي العام سطرت روايات من الأخلاق التي ظلت محور حديث العالم أجمع ناهيك علي أنها أخرجت معدن المصري الأصيل الذي إذا ما وجد وطنه ينهار يضحي بالغالي والنفيس متحديا أي عراقيل وضعت أو صعاب بنيت لأجل إيقاف ثورته الأهم. أما علي المستوي الشخصي يوضح أنها أفضل الأوقات التي مرت عليه وأجمل ذكريات التي قضاها طيلة حياته ويساويها في ذلك ثورة ال 30 من يونيه التي يعشقها هي الأخري لأنها كانت بمثابة تصحيح مسار للثورة الأم والأهم أنهما سبب رئيسي في تعرفه علي أفضل الأصدقاء وأشرفهم من أقصي مصر إلي أقصاها والذين يدين لهم بالفضل علي أنهم كانوا نعم السند إبان محنته التي عاني منها هو وأسرته وقضاؤه عاما كاملا بين قضبان السجن. لحظات من الصمت وصوت مكتوم وبنبرة حزينة يستكمل مرعي حديثه قائلا: »أفضل أصدقاء ديه جايزه يناير ليا وإللي كانوا سندي وقت شدتي إلي كل يوم بتمني أن تزول آثارها لأنها ذكري مؤلمة بكل ذكرياتها لأن السجن موت بالبطئ وتفكير ما بينتهيش» ويستطرد مستكملا: إن السجن مجتمع مستحيل أن يعي أحد مقدار الألم الذي يقع بين جدرانه ومن يدعي يوما أنه يعي السجن بكل أركانه فهو واهم لأن نظرته دائما ستكون قاصرة لأنه لم يحي تجربته الأليمة ولم يعش التفاصيل القاتلة بداخله وعلي الرغم أن الأيام بداخله ليس لها حساب وتتشابه في الألم إلا أنها تزداد قسوتها مع قدوم المناسبات وبالأخص شهر رمضان حينها تجد نفسك أسيرا لذكرياتك التي تحولت لسكين بارد يطعنك مع كل ذكري تمر أمام عينك كفيلم تشاهد بثه رغما عنك ولا يريد أن يتوقف. أما عن أندرو ناصف.. هو شاب علي مشارف عامه ال 25 من عمره.... شأنه شأن آلاف من جيله من الشباب الذين آمنوا بحريتهم مقتحمين الأخطار بصدورهم مضحين بأرواحهم سعيا لإنقاذ وطنهم من آتون الفساد الذي عشش في مفاصل الدولة.. يري في ثورة ال 25 من يناير أنها بداية عودة الإحساس بالمواطنة وعودة الطموح الذي طمسته سياسات النظام الخاطئة، مع تولي الجماعة الإرهابية الحكم كان من أوائل من عارضوها واقفا ضدها حتي كاد يوما أن يموت بسبب همجية هذه الجماعة.. هو يؤمن أن ثورة ال 30 من يونيو كانت فرض عين علي كل مصري يعشق بلده لإنقاذ الوطن من براثن الجماعة الإرهابية التي قادتنا إلي نزاعات وفرقات بين أطياف المجتمع، وعلي الرغم من أنه كان من الأوائل الذين تصدوا للإرهابية رافضا سياساتهم الإرهابية وأساليبهم الدنيئة التي تسببت في نزعات وفرقات بين أطياف المجتمع.. عاقبه القانون بجعله أول مسيحي يحاكم بتهمة الإرهاب، حتي ذاك اليوم والذي فوجئ فيه بقرار العفو الرئاسي الذي حصل عليه، ليشعر حينها بأنه طفل يولد من جديد بعد عام عاني فيه آلام الوحدة والقلق علي أهله. بنبرة مليئة بالفخر يبدأ أندرو ناصف حديثه قائلا: إن ثورة الحلم الجميل الذي استيقظ أخيرا بعد سنوات عجاف كان مقتولا خلالها ليكسر في قلوب الملايين حاجز الخوف ويهبوا في الميدان علي قلب رجل واحد منادين بسقوط الفساد الذي استشري في البلاد.. ويضيف أن عظمة ثورة ال25 من يناير أنها قُدر لها أن تكون البذرة لأي نهضة في مصر وأول الطريق للنجاح بعد سنوات من الفشل عاني فيه المصريون أجمع من سياسات مجحفة تسببت في فوارق مجتمعية وظلم اجتماعي فادح. ويكمل حديثة قائلا: »ملخص القصة إننا لازم نفهم إننا بشر مليئين بالثغرات ومحدش كامل وأن الشباب من سماتهم التهور في التعبير عن نفسهم والتهور ده مش غرضه الهدم لا البناء والحل معاهم يكون بالحوار والتوضيح ساعتها هنوصل لحل وسط مش هيوصلنا للسجن». وبنبرة مليئة بالأمل يختتم أندرو حديثه متمنيا أن يكون 25 يناير 2019 هو بداية عام تزداد فيه قوائم العفو لتشمل الكثير من الشباب وأن يحصل صديقاه جمال عبد الحكيم ومحمد الشرقاوي علي عفو رئاسي وتعود لهما حريتهما مرة أخري ويعود هو أيضا لمسامرتهم التي اشتاق إليها.