من أشهر المسرحيات في تاريخ الكوميديا العالمية، مسرحية »ترتوف» التي أبدعها عملاق الأدب الفرنسي »موليير» قبل نحو ثلاثة قرون ونصف القرن (عام 1669)، وقد قام بتعريبها وتمصيرها محمد بك عثمان جلال في نهاية القرن التاسع عشر وأدخل علي عنوانها تحريفا لا يخل من حذق وذكاء، فجعله »الشيخ متلوف» بدل »ترتوف»، في إشارة قوية الدلالة لطبيعة شخصية بطل المسرحية الذي يدعي علي الناس التقوي ويلبس مسوح الصلاح والورع لكنه في حقيقة الأمر كاذب مخادع ونصاب.. إنه مجرد شيخ مزور، أو بالأحري »شيخ متلوف». المسرحية تلك التي ظلت نسختاها، الأصلية »المولييرية»ونسخة عثمان جلال المعربة، عشرات السنين لا تكاد تغادر برامج عروض المسرح القومي المصري (لماذا اختفت الآن؟!) تماما كما كان ومازال يحدث في كل مسارح العالم الكلاسيكية، تحكي قصتها باختصار عن رجل دين منافق يدعي »ترتوف» ينجح عبر استخدام مهاراته في الخداع والاحتيال في السيطرة تماما علي قلب وعقل »أورجون» الثري وأمه »برنيل»، وبسبب اقتناعهما الراسخ بصلاح وتقوي هذا النصاب يدعوانه للعيش معهما في المنزل حتي يعم الخير علي باقي أفراد العائلة الذين سرعان ما يكتشفون سوء أخلاق الرجل وانحرافه بيد أنهم يفشلون في إقناع »أورجون» وأمه بحقيقة الضيف الثقيل الذي يمعن في الهيمنة علي الاثنين لدرجة أن الابن يقرر تزويج فلذة كبده »ماريان» لترتوف رغم علمه بأنها مغرمة بالفتي »فالير».. عند الحد ذاك تستجمع »المير» زوجة أورجون شجاعتها وتتحرك لإنقاذ ابنتها من الوقوع في براثن ترتوف فتقابل هذا الأخير وتفاتحه في الأمر طالبة منه التحلي بالمروءة والامتناع عن طلب يد »ماريان»، لكنه يفاجئها بنذالته وشذوذه إذ يتجرأ عليها فيغازلها ويراودها عن نفسها. هذا المشهد المخزي يراه الشاب »ديني» شقيق مريان فيذهب لوالده »أورجون» ويحكيه له علي أمل أن يدرك حقيقة الرجل المتلاف المنحرف الذي منحه ثقته، لكن الأب لا يصدق بل يطلق العنان لغضبه ويعلن حرمان ابنه من ثروته ومنحها لترتوف. تتأكد الزوجة من استحالة إقناع زوجها بالكلام لهذا تلجأ لحيلة قبلها أورجون بالعافية، فقد اتفقت معه أن يتخفي أسفل منضدة بينما هي تتحدث إلي ترتوف لكي يري ويسمع بنفسه ما سيفعله هذا الأفَّاق، وبالفعل يشاهد الزوج كيف أن ضيفه التقي الورع يحاول إغواء زوجته ويحرضها علي الخيانة.. يثور أورجون ويهم بطرد ترتوف، لكن هذا الأخير هو الذي يطرده والعائلة كلها، إذ كان عرف أن الرجل تهور ووقع فعلا علي وثيقة نقل ممتلكاته كلها إليه. ولا يكتفي ترتوف بهذا بل يذهب في الشر والنذالة والخسة إلي درجة أن يبلغ الشرطة ضد مُضيفه طالبا القبض عليه بتهمة إخفاء أوراق سرية تخص صديقا لأورجون متهما في قضية سياسية.. غير أن الضابط الذي يأتي في آخر مشاهد المسرحية للقبض علي المتهم، يفاجئنا باعتقال ترتوف نفسه لأن أمره كنصاب »متلوف» انكشف للسلطات. وبعد.. أكتب هذه السطور لكي أقول إن التجارة بالدين واستخدام مقولاته وشعاراته وسيلة للنصب والخداع ظاهرة قديمة في التاريخ الإنساني وهي أيضا عابرة لحدود البلدان والأمم، غير أن الأمم التي أرادت التقدم والانعتاق من التخلف لم تتسامح معها ولا هادنت المجرمين والعصابات الذين يقتاتون من هذه التجارة، بل واجهتهم بقوة الثقافة والإبداع والتعليم وإشاعة العدالة وأجواء الحرية، فضلا عن قوة دولة القانون.. يعني ليس بالمناشدة والمناهدة والثرثرة والكلام الفارغ.