كل عام وأنتم بخير.. لعله يكون عاما جديدا أفضل من سابقيه، وبعد عزيزي القارئ الكريم، فإن الكتابة في برد الشتاء كما في حر الصيف، فعل مكروه ومضن، غير أنه في الخريف والربيع ليس أفضل حالا. وهذا الذي تكون الكتابة عمله وحرفته (مثل العبد لله) قد يراه أغلب الناس محظوظا إذ حباه المولي تعالي بنعمة ليست ميسرة إلا للقليلين من عباده الصالحين والطالحين أيضا، وهو أمر صحيح طبعا، لكن أن تكتب هاويا مدفوعا بإلحاح الرغبة في التعبير فحسب شيء مختلف نوعيا وكليا عن أن تكتب ملزما ومواظبا وملتزما بواجبات الوظيفة وضرورات أكل العيش، ويظهر الغبن والمكابدة واضحين وثقيلين لدرجة ينوء بحملهما الجبال عندما يختار الكاتب المحترف أن يقيد ويلزم نفسه بالصدق وشرف الكلمة ونبل المقصد (بغض النظر عن الخطأ والصواب) وأن يجاهد طول الوقت لكي يحافظ علي »قيمة ما» لما ينشره علي الناس ولو قيمة المتعة العقلية. هذه السطور ليست نواحا ولا شكوي، فالشكوي أصلا، لغير الله مذلة ومهانة لا لزوم لها، فضلا عن أن القراء لا ذنب لهم ولا يعنيهم أن شخصا في هذه الدنيا أمتهن الكتابة وترك فرصة أن يعمل »مكوجيا» مثلا، أو سباكا أو حتي »صايع» لا شغلة له ولا مشغلة إلا أذية عباد الرحمن، علي نحو ما يفعل حاليا (بل وطول عمرهم) الناشطون في عصابات الشر والإرهاب وأشقاؤهم المنافقون الآكلون علي أي مائدة، الراقصون في كل عصر. ومع ذلك أظن أن من حق القارئ الكريم ومن حقي عليه أن يتقبل ويتسع صدره، ولو علي سبيل التسلية، لشيء من البوح هو في الحقيقة أقرب للإعتراف بأنني شخصيا (لا أستطيع الكلام باسم كل زملائي) موزع النوازع ويكاد يهرسني التناقض بين شعوري أحيانا بالضيق والحنق علي الأقدار التي ألقت بي في رحاب هذه المهنة الرائعة المضنية، وبين إحساس عارم بالسعادة والفرح وربما الفخر في أحيان كثيرة أخري!! ومن آيات الشقاء أنه لا فاصل زمنيا معقولا بين الحالين والأحيانين (هل تصح لغويا؟) فكثيرا جدا ما يحدث أن أبدأ الكتابة منهكا حانقا، ثم ما أن يتكرم ملاك الصفاء الذهني ويحضر فيكتمل احتشادي واندماجي حتي يغمرني شعور بالراحة والرضا لا يمكن وصف حلاوته.. ولا أنسي الجائزة الكبري التي قد يحصل عليها عبد الله الفقير عندما أصادف واحدا من الناس يقرأني ويسرف في الذوق والكرم مادحا بعض ما أكتب فأرتبك وتحمر أذناي وتحلق روحي في أعلي سماوات السعادة التي سرعان ما أهبط منها خائفا مرتجفا من عظم المسئولية تجاه قارئ منحني حسن ظنه عن بعد وبغير دليل مادي سوي كلمات وسطور توسم فيها شيئا من الصدق أعجبه، أو رأيا وافق رأيه.. وربنا يستر. ومادمت صدعت رأسك باعترافاتي، فعشمي أن تكمل جميلك ومعروفك وتسمع (مشيها »تسمع» مع أنك تقرأ) باقي معاناتي ومكابدات كاتب يكتب وهو ينظر طول الوقت حوله متحسبا وخائفا من ألف شيطان علي الأقل، ليس أقلهم شرا شيطان »التكرار» وإعادة إنتاج ما كتبناه وصرخنا به ألف مليون مرة من قبل، بسبب العيب الخلقي الذي ولدت به أكثر حكوماتنا، أي أن أذنيها واحدة من طين والأخري من طين برضه، وأحيانا من زفت الطين.. غير أن طين ونار الحكومات ولا جنة الإرهابيين وعصابات الطائفية والتخلف والتخريب والإجرام المجاني، ومع ذلك من حقنا أن نطمح في انتصار قريب علي كل شياطين التأخر والإخفاق والاستبداد والخيبة القوية في كل مجال وعلي أي صعيد.. وتآكلت المساحة فلم يبق إلا أن أشكرك و.. عام جديد سعيد علي وطننا وأمتنا والإنسانية جمعاء.