جاء اختيار الفنان الشاب أيمن قدري لاسم »كِمت» عنوانا لمعرضه الفردي الذي استضافه جاليري قرطبة مؤخرا محملا بالدلالات، حيث يعيدنا المعني إلي أرض وادينا الطيب، إذ عُرفت مصر عبر العصور بمجموعة من المسمياٌت عَبرت عن طبيعة أرضها منها كما يذكر الفنان- اسم »كِمت» بمعني الأرض السوداء أو الأرض الخصبة، إشارة إلي وادي النيل، والذي كان المصري القديم يزرع فيه منذ عرف الزراعة. أما علي الصعيد الآخر فإن الاسم يعكس ارتباط الفنان شخصيا بتلك الأرض وتلك الجذور الممتدة في أرض طيبة وهذا ربما يرجع بالأساس إلي النشأة في جنوب مصر بين الأقصروقنا، إضافة إلي إقامته وعمله هناك حيث يشغل منصب مدرس للجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالأقصر. ولذا نجد أن المكان يتحول للملهم الأول في تجربة أيمن قدري منذ بدايتها لتجده فارضا حضورا طاغيا علي تجربته التشكيلية، إذ بإمكاننا أن ندرك هذا الحضور -لا سيما في المعرض الأخير- مما قاله الناقد ياسر منجي في كلمته عن المعرض: أن أصداء الأمكنة الجنوبية التي التقطتها حساسية »أيمن قدري» لتستعيدها في جمل بصرية، نستشعر معها خصوصية هذه الأمكنة، ونستجلي من خلالها سماتها المركبة. قدم قدري في هذا المعرض ما يقرب من عشرين عملا جاءت في أغلبها لقطات ومشاهد من البيئة المصرية، ويعتبر هذا هو المعرض السابع في معارضه الفردية التي نجد أنها ترتبط – كما ذكرنا سابقا- بخيط الولع بالمكان والبيئة، إذ سبق هذا المعرض معرض آخر هو »من طيبة إلي أصيلة» الذي أقيم بجاليري أصيلة بالمغرب، والذي قام الفنان من خلاله برسم ورصد بيوت تلك المنطقة بألوانها الزرقاء الباردة التي تختلف عن البيئة الجنوبية في الشكل واللون، وكأنها دراسة مقارنة بين الأمكنة. كما قدم أيضا معرض "أنا وأجدادي"، »من وحي صعيد مصر»، وكذا »العد التنازلي للقرنة» الذي سجل فيه قضية تهجير أهالي مدينة القرنة. ويميل الفنان إلي الواقعية في تسجيل المشاهد التي قدمها في معرضه »كِمت»، ويبدو الاختلاف الوحيد بين الأعمال في محاولة أيمن تقديم زوايا مختلفة من حيث الاقتراب والابتعاد كما هو الحال مثلا في لوحة نقل قصب السكر، حيث يقول الفنان: تنتشر زراعة قصب السكر في ربوع الصعيد وخاصة محافظة قنا كما تنتشر مصانع السكر، وبعد حصاده يتم نقله لتلك المصانع بالقطارات والعربات ومنها المشهد أثناء تحميل نبات قصب السكر علي عربة كارو. كذلك نجد أن الفنان قدم أكثر من عمل عن مختلف أشكال المراكب، حيث يقول: علي المستوي الشخصي بشكل عام أحب شكل المراكب وخاصة النيلية منها والتي تنتشر تحديدًا في الأقصر وأسوان فلها طابع وشكل مميزين عن غيرها.. لكني تناولتها ورصدتها من أكثر من زاوية فجاء البعض منها كمشهد عام يرصد مركبا واحدة أو عدة مراكب وعلاقتها بالشاطئ والنيل والسماء.. وأُخري اقتنصها من زاوية مقربة مكبرة تظهر بها بعض التفاصيل داخل المركب وما يحتويه، وعلي الرغم من عشقي لتلك المركب النيلية قمت أيضا برسم ورصد المراكب الساحلية خاصة تلك التي شاهدتها أثناء زيارة لبحيرة البرلس خلال مشاركتي بملتقي البرلس الدولي. وقد خرجت أغلب أعمال المعرض الأخير بالأحبار والألوان المائية مع استخدام الأقلام الملونة علي خشب MDF أو علي ورق مقوي، بتقنية الرسم، إذ يقول الفنان: لكن ربما غلب عليها بعض الشيء الحس الجرافيكي حيث تخصصي واهتمامي. كما جاءت الألوان أيضا مبهجة علي عكس الألوان البيئية الشائعة في الأقصر والتي تميل لباليتة ساخنة يطغي عليها اللون الأصفر والبني ودرجاتهما.. إذ يفسر الفنان ذلك قائلا: هذا الأمر نابع من شخصي المتفاءل أو الفَرِح بمكانه وبيئته.. وأتذكر ذلك من الأشياء التي تعلمتها من الفنان الكبير حسن عبد الفتاح، أول عميد والأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالأقصر. وربما تواري العنصر البشري بشكله المباشر في تلك التجربة الأخيرة، أو حسب وصف د.ياسر منجي: انزياح البطل البشري واسناد دور البطولة إلي المشهد ذاته بمعزل عن الحضور الطاغي للإنسان، وحتي في بعض الأعمال التي يواجهنا فيها بعض الأشخاص متصدرا المشهد، نستشعر أنها من مواجهة نابعة من صميم الفضاء المكاني نفسه، علي نحو تكاد معه الشخصية أن تتحول إلي مفردة من مفردات المكان. ولكنه كما ذكر انزياح وليس غيابا، حيث يقول قدري: الإنسان لم يغب حيث يوجد دائما ما يدل عليه كمتعلقاته الشخصية والحياتية، أو نلمح أحد رفاق حياته اليومية مثل ظهور الطيور من دجاج وديكة وبط وغيرها.. وربما ظهر بطل وحيد متصدرا أحد الأعمال وهو عازف السمسمية بوجهه المصري الطيب وله حكاية يرويها الفنان قائلا: عند زيارتي لمحمية وادي الجمال بالقرب من مدينة مرسي علم ،شد هذا الرجل انتباهي بوجهه البشوش وروحه الطيبة مع كبر سنه وبساطته.. وقد حرصت علي تناول هذا العمل برؤيتي الخاصة حيث استخدام الأحمر الجريء بديلا للون السماء.. لكن مع رصد واقعي للحشائش والأعشاب الصحراوية التي تنتشر في تلك المنطقة وتوظيف لون الخشب المستخدم في الرسم بديلا عن الرمال. جدير بالذكر أن الفنان أيمن قدري يشغل منصب مدرس الجرافيك بكلية الفنون الجميلة جامعة جنوب الوادي بالأقصر، وقد اختير قوميسير عام ملتقي الأقصر الدولي الثاني للجرافيك 2018، وقوميسير عام صالون الجنوب الدولي الثالث 2015، قوميسير تنفيذي 2017، وهو كذلك عضو لجنة تجميل محافظة قنا/ مصر .