كان من حسن حظي أن أتعامل عن قرب مع كابتن غزالي، هذا الاسم المرادف لمسيرة طويلة من المقاومة والشجاعة، لم يكن في أي يوم التقيته يسعي لمكسب شخصي، هو من الذين دافعوا عن هذا الوطن، بكل ما يملكون، لم يتخل للحظة في أن يكون دائما صاحب دور سواء في الحرب أو السلم. الكابتن غزالي ليس فردا، بل ظاهرة قاومت النسيان أو العبث بالذاكرة الوطنية، فمكتبته واحدة من الروافد الأساسية للمواطنين في مدينة السويس، لم يبخل بجهده، كنت دائما استمع إليه وهو ينشد ذات الأغنيات التي كانت تنشدها فرقته »ولاد الأرض» وهي الفرقة النضالية التي تشكلت عقب الساعات الأولي لهزيمة يونيو 1967، وكانت أغنياته التي ألفها هي المدد الأول لهذه الفرقة التي ألهبت حماس المجموعات الفدائية في منطقة القناة، وساهمت – أيضا – في رفع الروح المعنوية لأفراد الجيش المصري. رحل الكابتن غزالي في العام الماضي، تاركا قصصا بطولية جديرة بأن تروي للأجيال، من هنا سعدت بصدور كتاب » كابتن غزالي.. شاعر المقاومة.. وذاكرة الوطن» للكاتب محمد حسن مصطفي، في سلسلة إصدارات خاصة، وقد استطاع الكاتب لقربه من الكابتن غزالي أن يعبر عن هذه التجربة بحرفية عالية، لامسا مواطن قوتها وسحرها في النفوس كطاقة حشد قوية ضد العدو، فهذه الفرقة لم تكن تغني فقط، بل تحارب – أيضا -، وفي ذلك كتب محمد حسن مصطفي: » وقد ارتدت ولاد الأرض منذ الانطلاقة ولحظة التجمع الأولي الملابس العسكرية » الكاكي»، وحملت السلاح مشاركة في أعمال الدفاع المدني طوال فترة النهار وخلال ساعات القصف الذي كانت تتعرض له المدينة علي نحو متواصل، حيث تعود إلي التجمع في الخندق النضالي في المساء، ويبدأ أفرادها في المشاركة في الغناء الثوري الحماسي الذي يهز الأسماع ويحرك المشاعر، معلنة في ذلك كله عن اختياراتها في ضرورة الثأر... كما شهدت »ولاد الأرض» كذلك فترات اللاسلم واللاحرب علي الجبهة، وكان لها رأيها الواضح خلال هذه الفترة، إذ كان للفرقة هدفا واضحا وأمنية خالصة أن يشاركوا في صناعة هذا النصر، هكذا كانت المعاني والكلمات تتردد في أغنيات ولاد الأرض، نجيب النصر.. هدية لمصر..وتحكي الدنيا علينا ». الكتاب يرصد بالتفاصيل عطاء وجهد الكابتن غزالي ودوره اللامحدود في نشر ثقافة المقاومة، وكيف أنه استطاع أن يخلق بهذه الفرقة حالة نضالية وفكرية وإبداعية تجاوزت محيطها المكاني، وكانت علامة من علامات البشارة لنصر أكتوبر. يستحق محمد حسن مصطفي الشكر ليس فقط لرصده لتاريخ فرقة »ولاد الأرض»، بل أيضا لرصده لكلمات عبرت عن الامتنان لهذا الدور الوطني، من ذلك ما ذكره منسوبا للكاتب الصحفي حلمي النمنم: » الكابتن غزالي حالة مصرية خالصة، ويذكرك بعبد الله النديم، أثناء الثورة العرابية، لم يكن شاعرا أو ملحنا فقط، بل كان مناضلا ساهم في رفع الروح المعنوية خلال حرب الاستنزاف». تقدير كبير للكابتن غزالي، وكذلك للكاتب محمد حسن مصطفي، لهذا الكتاب الذي يندرج في إطار حفظ الذاكرة الوطنية، لذا أتمني أن يهدي د. أحمد عواض رئيس هيئة قصور الثقافة نسخا منه لمدارس السويس أولا، ثم لباقي المدارس المصرية، فنحن في أمس الحاجة إلي أن يقرأ الطلبة في مراحلهم المختلفة، قصصا لهؤلاء الأشخاص، الذين يجب أن يأخذوا منهم القدوة في حب الوطن.