منذ غياب الصحف الحزبية في بدايات عام 2011، وظهور ملامح تراجع شديدة في الصحافة الورقية التي شهدت تطورات مؤسفة ومعاناة وخسائر مالية هائلة للمؤسسات القومية، وتردي الأحوال في الصحافة الخاصة والمستقلة بمصر. ولاشك أن سوء الأحوال التي وصلت إليها الصحافة الورقية مبعثها كثرة عدد الذين يتم الدفع بهم للعمل في المجالين المهني والإداري دون تقييم حقيقي للكفاءات القادرة علي الإنجاز، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي بدورها المؤثر في العالم الافتراضي مع غياب المصداقية وتغطية احتياجات المتلقي والقارئ بالصحف، إلي جانب تحول وكالات الإعلان إلي الإعلان المرئي المتلفز وإلي وسائل التواصل الاجتماعي.. وفي الساحة الصحفية المصرية لحق بالصحف الحزبية المتوقفة إعلان أكثر من صحيفة مستقلة بصورة مباشرة وغير مباشرة عن نواياها لإغلاق أبوابها.. ومنها صحيفة الأسرة السعيدة المنبثقة عن مؤسسة العالم اليوم ( شركة جود نيوز انترناشيونال )، وصحيفة الخميس التي أعلنت أنها سوف تسوي أوضاع العاملين فيها هذا الأسبوع، والباقون سيعلنون مواقفهم تباعاً وفقاً لأوضاعهم المالية التي تتدهور يوماً بعد يوم.. وهذه الأوضاع امتدت لتشمل كثيرا من الإصدارات الصحفية العريقة في العالم العربي ومنها عدد من كبريات الصحف اللبنانية وآخرها الصحف الصادرة عن »دار الصياد» للنشر التي فاجأت الجميع في بداية أكتوبر الماضي بقرارها بإغلاق أبوابها، ولم تشفع لها عراقتها أو تاريخها أو الأجيال التي شكلتها في البقاء والصمود أمام التحديات المالية التي واجهتها خلال الفترة الماضية، وقبلها جريدة »السفير» وغيرها من الصحف العريقة في عاصمة الصحافة العربية كما لقبوها في القرن الماضي.. وكانت الصحافة اللبنانية التي استقطبت كبار الكتاب العرب هي منبر لكثير من الأنظمة العربية والتيارات السياسية من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، واعتمد بعضها علي كثير من الدعم الإقليمي.. وإصلاح حال المؤسسات الصحفية القومية يحتاج إلي نظرة جادة وحاسمة لإعادة هيكلتها والتفكير خارج الصندوق في عالم تسيطر عليه الأجهزة الذكية المحمولة، وهو ما يدفعنا إلي تحويل بعض الإصدارات إلي مواقع إلكترونية وفق أسس علمية حديثة.. ولعل ما تقوم به السلطات اللبنانية لمحاولة الخروج من أجل دعم الإعلام المكتوب يمكن أن يؤخذ به كجانب من حل مشاكل الصحافة الورقية في مصر مثل عمل تشريعات تعفي المؤسسات الصحفية من الجمارك علي ورق الصحف ورسوم التليفونات والكهرباء وغيرها، وبحيث لا تمثل عبئاً علي ميزانية الدولة.. ولكن يبدو أن مثل هذه الإجراءات لن تكفي للحد من الصعوبات المالية التي تواجه معظم الصحف، والدعم الذي يمكن أن تقدمه السلطات المسئولة بالدولة يجب ألا يستمر لأكثر من ثلاث سنوات بشرط أن تتحول هذه الصحف إلي الإعلام الرقمي علي غرار بعض الصحف العالمية مع الإبقاء علي صحيفتين ورقيتين أو ثلاث لنقل الحقائق عن الدولة بمصداقية حقيقية.. »ولنا عودة»