في كل زيارة لمتحف «&A، يذهب A فياتجاه و« فياتجاه مختلف، ويفقد أحدهما الآخر في نهاية المطاف. حل الهاتف المحمول هذه المشكلة بعد ذلك (علي الرغم من ضعف الإشارة في بعض الأحيان). كان A و« في طريقهما الآن، يتجادلان حول الذهاب فيالمترو أو بسيارة أجرة. وبعد فوز «، سارا فيالطريق، ودخلا في جدال جديد، حول أول زيارة للمتحف معًا، ومتي كان موعدها بالتحديد. لا أذكر تلك الزيارة علي الإطلاق، قال A. أجاب «: ذهبنا إليه بعد أن تعارفنا بوقت قصير، ولكننا كنا نتصرف بالطريقة الاسكتلندية في كل شيء، ونؤمن بالصواب والخطأ.. قاطعه A: وهل تعتقد أن تلك الأيام انتهت الآن؟ ها، قال «، أنصت إليّ، حينها كنت أقول لك إن نمرًا آليًا التهم رجلًا، فتُحدثني عن همجية هذا الفعل الوحشي، وتشبهُه بانجلترا في العصر الفيكتوري، وتقول إنه عمل إمبريالي لا ترغب في رؤيته. عندما يتجهان إلي متحف «&A، أو يفكران في زيارته حتي، ينتهي بهما الأمر إلي الجدل حول شيء ما، ربما يرجع ذلك جزئيًا إلي غرام A بفتاة ثرية من عائلة كانزنتون (منذ عشر سنوات)، تعيش بالقرب من متجر كونران. وكان A يشتري أطعمة محفوظة من متجر صغير بالقرب من منزل الفتاة، خصوصًا عُلب البروكلي المحفوظ، فيسخر « من الطعام السيئ الذي يشتريه. تلك هي طريقة « في النيل من A علي نحو ساخر ولكنه ودود في الوقت ذاته. كانت طريقة « فيالسخرية عطوفة، خاصة وأن غرام A أخفق فيالنهاية، ولكن هذا أحد الأسباب التي دفعت A للاعتراض بحزم علي أي رأي. قال A: أحب لعبة «نمر تيبو«. أحببتها دائمًا. أحببتها بمجرد رؤيتها. إنها عبقرية. لعبة تسخر ببراعة من الاستعمارية والنزعة الصناعية المتوحشة. فكرت في هذا دائمًا، علي الرغم من أنني لم أر اللعبة إلا في عام 2001 تقريبًا. ابتهج A قليلًا، ربما لأنه رأي الفتاة الثرية في نفس العام تقريبًا. قال«: رأيناها معًا. احمرّ وجه « خجلًا، وشعر بغصة في حلقه. ما لا يعرفه A هو أن « ذهب في الصيف الماضي إلي المتحف بمفرده، في إحدي الأمسيات، والتقي هناك بسيدة شقراء جميلة. سيدة تدير الرؤوس حين تسير في الشارع، وتحصل علي الحلوي مجانًا حين تتناول الغذاء معها في أحد المطاعم، لأن سحرها يخلب ألباب جرسونات المطاعم والمقاهي، فيواصلون حياتهم في السير خلفها، كأنهم وشاح باهظ الثمن يطير خلفها؛ وشاح يُشبه ذلك المعروض فيأحد المحال في المتحف، مع غيره من مستلزمات الأناقة. احتسيا شرابًا معًا (هناك بار ومرقص في المتحف الآن.. هذا ما أصبح عليه المتحف الآن. لم يكن هناك بارات أو مراقص فيه من قبل، ولا في أي متحف آخر، عندما كان « يزور المتاحف فيطفولته). تأملا معًا معروضات من العصور الوسطي وعصر النهضة في ضوء ساطع. ضوء المتحف قوي دائمًا، ساطع وثابت؛ كأنه نهار إيطالي مُشمس. نزلا السلالم وطالعا المزيد من المعروضات الذهبية والخشبية والطينية، ثم خرجا من المتحف واتجها إلي المدينة، عندها كانت الطيور تتجمع حول البحيرة مع حلول المساء وانصراف أغلب الزوار. لم يكن إخفاء الموقف عن A هو سبب احمرار وجه «، ولكنها الذكري التي استدعاها الذهاب إلي المتحف للمرة الأولي منذ.. منذ حياد تلك المرأة وانصرافها عنه. طالعا المعروضات معًا، وتجاوزا العُشب وطيور المساء، وبدا عليها أنها لا تري هذا السِحر، وكأنها تسير علي خشبة مسرح مُسطحة، في طريقها إلي نوع آخر من الحياة المختلفة تمامًا، و« يتبعها مقطوع الأنفاس، علي بُعد خطوة إلي الخلف وخطوة إلي ناحية اليمين. لحسن الحظ، كان A يتشبث بماضيهما البعيد في تلك اللحظة. »لأنني تذكرت بالفعل شيئًا من هذا القبيل، وتذكرت بوضوح الأماكن التي اصطحبتني إليها في لندن، وكل المعالم والمتاحف التي ذهبنا لزيارتها عندما تعارفنا للمرة الأولي، ولكني لا أتذكر أننا ذهبنا إلي متحف «&A». أجاب «: حسنًا، ربما لم نذهب بالفعل إلي هناك، وربما فكرت فقط في زيارة المتحف واقترحت عليك الأمر، ولكننا لم نذهب إليه فعليًا، لأنك قُلت كلمات مثل.. همجية.. وإمبريالية. قال A: ربما، يُحتمل. انتقل A إلي نقطة أخري، تحدث عن الشعور الذي يداهمك وأنت في أي قاعة من قاعات المتحف، بأن هناك معروضات لم ترها من قبل، ولن تتمكن من رؤيتها. وكأن هناك جناحًا سريًا في المبني، ربما تجد فيه تمثالًا لبوذًا مثلًا، سوف تتغير حياتك عندما تراه، أو ربما تري فيالزاوية التالية زجاجة بحجم إصبع اليد، تتخذ شكل رجل حكيم؛ وبمجرد النظر إليها، سوف تستوعب شيئًا جديدًا لم تكن تعرفه عن الحياة. أو ربما تري بغتة زوجًا من الأحذية المجعدة قرمزية اللون، صغيرة لدرجة أنها لا تناسب قدم إنسان، ولكن النظر إليها يمنحك طاقة داخلية ويكشف أمامك أسرار الكون. تحدث A كذلك وجود شال ذهبي علي شكل نسيج عنكبوت بين مقتنيات المتحف، أحضروه من جزيرة مدغشقر. علي الرغم من جماله الفريد، بدا وكأنه نتاج استعباد العناكب وإجبارها علي العمل. واصل « السير دون أن يُنصت، وهو يفكر فيالعشر دقائق التي قضتها المرأة الجميلة في الحديث في هاتفها المحمول في ردهة المتحف، بينما هو ينتظر في كياسة، ويطالع مجموعة لوحات جديدة، ويقع بصره علي صورة للمسيح مصلوبًا، فيجد فيها العزاء (علي المستوي الاستعاري للكلمة بالطبع). هناك فجوة كبيرة في أحد جانبي المسيح، جرح غائر؛ بدا له حينها كأنه أذن إضافية. وفكّر « في أنها مهارة من الفنان أن يضيف أذنًا إلي جسد مصلوب، ليتجلي المسيح بقدرة إضافية علي الإنصات لآلام البشر. لمح جُرحًا آخر في منتصف الصدر تمامًا، وقرأ علي ورقة إلي جوار اللوحة: جراح المسيح دليل علي الإخلاص والتكريس. الجرح الجانبي موضع تبجيل، واعتُبر ملاذ الخطاة. أما جرح الصدر فيبدو مجرد تذكار. ملاذ.. وكأنك تستطيع الزحف إلي حيث تجد الأمان.. داخل الجُرح. ولكن العلاقة بين وجه المسيح وجراحه في اللوحة هي التي لفتت انتباه «. ينضح الوجه بالألم والحزن، فقد حاول الفنان أن يخلق توازنًا بين ملامح وجه المسيح وجراحه المفتوحة. ربما كانت هذه هي أنسب طريقة للتعبير عن الألم. ربما كانت الطريقة الوحيدة الملائمة، للتعبير عن جسد بشري ينطوي علي قداسة. تذكر الفنان كذلك فجوات المسامير في الكفين، إضافة إلي الجرح الجانبي وجرح الصدر الكبير الدائري وغير التقليدي، والذي تخرج منه أطراف الضلوع. يبدو أن آلة هي التي صنعت هذا الجرح، وليس فنانًا. ومع ذلك، يمنح هذا الجرح العمل الفني قيمته النهائية، ويضفي قبولًا خاصًا علي عناصر اللوحة الأخري. كان A يقول: هل تذكر؟ رد «: معذرة.. ماذا قلت؟ أكمل A: ... المصنوع من الكتل الخشبية، في الساحة الجديدة. يتدفق عليه الكثير من الناس، وكل مرة نحاول التقاط صورة، يتقرب أحدهم منا، فلا نستطيع التقاطها. قال «: لا أذكر هذا علي الإطلاق. بل تذكر، لا بد وأنك تذكر. حدث هذا منذ سبع سنوات فقط. وقفت بداخله وقلت: يمكننا الإقامة هنا.. يمكن أن نعيش سعداء في منزل كهذا المنزل. أجاب «: هل قلتُ هذا؟ أكمل A: ثم تجولنا في المنزل، وألقينا نظرة علي الغرف التي طلاها الفنان بالبوليستر، ذلك الفنان الذي يطلي الأشياء بالبوليستر، وقرر طلاء المنزل بالكامل، ثم أتينا نحن ونزعنا الطلاء. قال «: أتذكر أنني رأيته، وكانت مفاتيح الكهرباء وأرضية الغرف بيضاء، وهل تذكر أنت معرض أو سي كلارك، عندما اشتريت أنت قميصًا مُقلدًا؟ ضحكا معًا بصوت مرتفع، لدرجة أنهما توقفا فيالشارع، يستند أحدهما علي الآخر من كثرة الضحك، والناس يمرون إلي جوارهما. يا إلهي، كان ثمن الأصلي مرتفعًا، ولم يكن معنا الكثير من المال حينها. إنه في خزانة الملابس، لا يزال في خزانة الملابس، قال A. فقال «: أتذكر احمرار وجنتيك وأنت تشتريه، وأعتقد أنك لم تعد علي ما يرام منذ تلك اللحظة. لقد كان ذلك القميص بداية حقبة جديدة في حياتك. سأخرجه من الخزانة هذا الصيف، قال A، وسوف أحضر به الحفلات العائلية في العشر سنوات المُقبلة. إنه قميص رائع، سأفعل هذا أنا، إن لم تفعله أنت. قال A: كلا، إنه لن يناسبك. لم تكن تعرف حينها من يكون مصمم الأزياء أوسي كلارك. قال A: أجل، أما أنت فقد قضيت طفولتك علي سلالم المسرح القومي، وقضيت صباك بحثًا عن الثقافة، كنت تقرأ البرافدا، وتتابع الأعمال المسرحية. قال «: وأنت كنت تحب الموسيقي والذهاب إلي متحف “هايلاند”، حيث يُعرض ظبي مُحنط وقط بري مُحنط. وكان رد A: أتمني ألا تسخر من قططي البرية المحنطة، وثقافتي التي صنعتها المتاحف. »هل كان القط البري معروضًا في صندوق زجاجي؟ وهل كانت أذنه عريضة أم مُدببة؟»، سأل «. أجاب A: بالطبع كان معروضًا في صندوق زجاجي، ولازال في الصندوق. لا يمكنك لمس قط بري. وكم كان عمرك حين ذهبت إلي المتحف؟ أجاب A: ذهبت إليه وأنا فيالثامنة، والثانية عشرة، والسابعة عشرة، والثالثة والأربعين من عمري. وأجد القط هناك في كل مرة. يحتفظون بالقط البري علي الرغم من تجديد المتحف، ويعني هذا أنني لست الوحيد الذي يحبه. قال «: يعجبني أن أتخيلك في تلك المراحل العمرية، وأنت تتأمل القط عبر زجاج الصندوق. أود الذهاب معك لرؤيته في المرة المقبلة. قال A: أمر طريف حقًا.. فكلما أتيتُ إلي هنا، أتذكر ما أخبرتني به عن ما حدث لك في السابعة عشرة من عمرك، حين وضعوك في غرفة خاصة في مكان ما في هذا المتحف، لتشارك في مشروع بحثي بمشاهدة لوحة من القماش من تصميم ويليام موريس. ثعابين وعناقيد عنب، قال «، عناقيد عنب كبيرة وثعابين صغيرة. وجلست وحدك في الغرفة، في هذا المتحف، مع لوحة باهظة الثمن، وتلمسها علي الرغم من تحذيرهم لك بعدم لمسها، لتتحسس ملمس النقوش البارزة. قاطعه «: ولكني كنت أرتدي قفازًا. هذه هي طبيعتك دائمًا؟ سأله «: ماذا تقصد، لمس اللوحة أم ارتداء القفاز؟ الاثنان معًا. قال «: ما زلت أحلم بتلك اللوحة أحيانًا. فقال A: وأنا ما زلت أحلم بالقط البري أحيانًا. وصلا إلي درجات سلم متحف «&A. كانت ترتفع إلي أعلي، كأنهما يصعدان إلي.. إلي.. ماذا؟ إلي كاتدرائية؟ فندق فخم؟ محطة السكة الحديدية؟ متحف؟ قال «: أنا وأنت قطان بريان مُحنطان، نعيش فيحلم، والنوم يحاصر حياتنا الصغيرة. فقال A: أجل، حسنًا. علي الأقل يمكنني القول بكل صدق أنني لم أحلم علي الإطلاق بإحدي اللوحات. تحيطهما صور متداخلة أثناء صعود درجات السلم: ثعابين وعناقيد عنب، عناقيد عنب وثعابين، وأحذية صغيرة تُظهر مدي سعادة البشر بما فعلوا بأقدامهم، إضافة إلي الطمي، القماش، والخشب، الذهب، وقميص مصنوع بالكامل من الحرير، وطلاء من البوليستر لغرفة من الماضي، وتمثال رجل حكيم علي شكل زجاجة، وآلهة بدائية، وجراح عميقة في جسد الرب. دخلا من الباب الكبير، وذهب كل منهما في اتجاه، كما يفعلان دائمًا. اتجه « يمينًا وتقدم إلي الأمام بهدوء وهو يطالع المعروضات القديمة والجديدة، بينما تقدم A إلي الأمام، ربما نحو المتجر أو الممر التالي، حيث المعروضات التي تشرح تاريخ كل شيء، من ذرات الغبار إلي فن العمارة. أو ربما سيذهب لرؤية المشهد الأبدي للنمر الذي يلتهم رجلًا؛ آلة الطبيعة، وطبيعة الآلة. أو ربما سيكتفي بالجلوس في شمس الظهيرة في الساحة، من يدري؟ هنا، في هذا المكان المُخصص للعشاق، في متحف قصص الوفاء التاريخية، تُدرك دائمًا أن هناك شيئًا سيفوتك، وتشعر بهاجس يسيطر عليك، ويدعوك إلي العودة إليه مرة أخري.