ظل كمال نعيم طوال السنوات الأخيرة من عمره مشغولاً بأمرين: الأول: هو فرقة أطفال مصر التي أسسها عام 0991،ئ؟ كمدرسة تابعة للفرقة القومية للفنون الشعبية، والتي نالت تقدير العديد من دول العالم، لكنها للأسف بعد رحيله عن إدارة الفرقة القومية توقفت عن العمل، فلم يعد أحد يهتم بنقل الخبرات للجيل الجديد. والثاني: هو حال فنون الرقص الشعبي في مصر، الذي دخل إلي مرحلة من الفقر الإبداعي ليس لها مثيل منذ اهتمام يحيي حقي في أوائل الخمسينيات بهذا النوع الفني الجميل عندما ترأس مصلحة الفنون آنذاك. وقد ظلت فرقة رضا ثم الفرقة القومية لسنوات طويلة هي السفير المصري فوق العادة لكل دول العالم. وكان كمال نعيم عقب محمود رضا هو صاحب البصمة الابتكارية التي أعطت أعماله طابعًا خاصًا، ولعل أهم ما صمم كمال نعيم من رقصات هي «رقصة البمبوطية» الشهيرة. وساهم بتصميم الاستعراضات في عدد كبير من الأعمال الدرامية سواء المسرحية أو السينمائية لعل أشهرها في المسرح «النار والزيتون» في أواخر الستينيات، و«نخلتين في العلالي» في أواخر التسعينيات، وأفلام سعاد حسني المتعددة وأشهرها «خللي بالك من زوزو». كان كمال نعيم- رحمه الله- يعتبره الجميع ومعهم الفنان الكبير محمود رضا خليفة رضا الحقيقي في مجال الرقص الشعبي في مصر، فكان مبدعا يعتني بتطوير موهبته وتثقيفها، وكان صديقا حميما لعدد من المثقفين والكتاب من مختلف الأجيال، وكان شريكا لسمر الإبداع المتوهج في ليالي بليغ حمدي الرائعة، وفي دفء وحساسية صلاح جاهين وألفريد فرج. شاء حظه أن يكون من الرعيل الأول للفرقة القومية عندما استقدم د. ثروت عكاشة آنذاك خبير الرقص الشعبي الروسي، وهو فنان عالمي اسمه «موسييف» أسس عددًا من فرق الرقص المحلية لعدد من الدول في إطار بحث مصر آنذاك عن شخصيتها القومية. وموسييف هذا كان عميقًا بسيطا يستلهم الخطوات الحقيقية للجماعة الشعبية، ويعرف كيف يحافظ عليها ويصوغها صياغة موضوعية جمالية. وقد أتقن كمال نعيم ذلك الأسلوب المتميز.. كان- رحمه الله- شديد الدقة في عمله، شديد التواضع مع أبناء عمله وتلاميذه، رأيته كيف كان يحتفي بالفنان محمود رضا بفرح طفولي وتقدير عميق لا يليق إلا بالمبدعين الأصلاء من أمثاله. كمال نعيم حول الرقص الشعبي بل وعندما تتأمل رقصته الشهيرة «قدك المياس» علي الإيقاع الأندلسي، تنسي رقص الجواري والحريم وتتمتع بصياغة إبداعية للرقص التقليدي الشرقي بلا أي مظاهر ذات طابع حسي. تعلم كمال نعيم من الباليه الكلاسيكي كيف يستطيع أن يجذب المتلقي للحركة وللمعني الجمالي بعيدًا عن المادة الأساسية الخام للرقص، ألا وهي الجسد البشري. كان سهلاً عميقًا بسيطًا مثل كل أعمدة الفن المصري الجميل، بساطة مستحيلة. رحل صديقي الحبيب العذب العصفور الجميل كمال نعيم، لم يزعجنا بمرضه الأخير القاسي، كان يطمئن علي كل أصدقائه، وأخفي عن الجميع معاناته الأخيرة، كرامة وإنسانية بالغة الأناقة، منعته من أن يسمح لنا بتخفيف بعض من آلامه، كان يجيب علي الهاتف حتي اللحظة الأخيرة، أنا بخير. كمال نعيم الصورة الحية لتأثير الإبداع الحقيقي علي سلوك الفنان، وشعوره بالرضا وبالقدرة علي التسامح والعطاء، المسألة هي أن كل محاولات كمال نعيم لنقل خبراته لأجيال قادمة حاربتها الجهالة المتكررة في إدارة الشأن الثقافي في البيت الفني للفنون الشعبية، ورحلت كل تلك التجربة دون وريث. إن حصول كمال نعيم علي مفتاح فلسطين ودرع دولة فلسطين من القائد الراحل ياسر عرفات عن رقصته الجميلة «القدس» هو مساهمة في تأكيد دور الفن المصري في المنطقة العربية.. عدد الأوسمة والجوائز التي شاهدتها علي جدران مكتبه لا تحصي، يكاد يكون العالم كله منحه شهادات وجوائز وأوسمة في كل مرة سافر فيها لجميع جهات الدنيا الأربع. نم يا صديقي هانئًا وندعو الله أن يسكنك فسيح جناته، كما أسعدت الجميع بفنك الرفيع، ولما أحطت به كل من أحبوك بطاقة حب وطيبة وإنسانية مفرطة. انطفأ بالفعل المصباح الأهم في الفن الشعبي المصري.. لعل ذكراك وإبداعك يوقظان الضمير المسئول عن حماية الإبداع المصري المحلي كجزء من فهم شخصية مصر التي أحببتها وأحبتك.. وداعا يا أيها النبيل.. كمال نعيم.