حتى الآن لم أستطع أن أعرف السر وراء الغضب والاستهجان الذى وجهه عدد من النقاد ضد الجمهور الذى أحجم عن الذهاب إلى فيلم «المسافر» كان ينبغى أن يتوجه الغضب إلى مخرج الفيلم «أحمد ماهر» الذى لم يستطع إقناع الجمهور بالذهاب إلى الفيلم! ظلت وزارة الثقافة المصرية مترددة فى طرح الفيلم جماهيريا على مدى عامين برغم أنه مصرى بل حكومى إلا أنه قدم نفسه للجمهور فى بداية التعارف باعتباره فيلما مدعما بقوة من المهرجانات الأجنبية.. الوجه الآخر لتلك الرؤية هو أن هناك مسافة تتسع بين الفيلم والجمهور مع تتابع مشاركات الفيلم فى مهرجانات فهو إذن ليس فيلمهم ولكنه لآخرين رغم أنه لا يوجد فى واقع الأمر تناقض بين تقديم فيلم جماهيرى يلقى فى نفس الوقت ترحيبا من المهرجانات. دعونا ننظر أولا للوجه الإيجابى للصورة وهذه نقطة تبدو لصالحه فلقد عرض الفيلم فور إنتاجه فى واحد من أهم ثلاثة مهرجانات عالمية وهو «فينسيا» داخل مسابقته الرسمية وجاءته أول طعنة.. لم يحصل الفيلم على شىء لم تكن هذه هى الطعنة بل جائزة المهرجان الكبرى «الأسد الذهبى» ذهبت للفيلم الإسرائيلى «لبنان» وبمجرد أن شاهد عمر الشريف بطل «المسافر» العرض السينمائى فى فينسيا انطلق مهاجما بضراوة الفيلم ورغم ذلك ظل «المسافر» ينتقل من مهرجان إلى آخر حيث إن المخرج «أحمد ماهر» لديه دائما قنوات تواصل مع المهرجانات والتى تجاوزت ربما العشرين وآخرها «تورنتو» فى كندا وحصل مؤخرا على جائزة المهرجان ولكن لاشك أن أى عمل فنى يراهن فى البداية والنهاية على الجمهور. فيلم المسافر حالة استثنائية فى تاريخ الإنتاج المصرى الدولة هى التى تحمست إلى موقف شخصى لوزير الثقافة الأسبق «فاروق حسنى» الذى تحمس لإنتاج المسافر وليس سرا أن مفتاح هذا الفيلم فى يد «خالد النبوى» هو الذى أعجبه فى البداية السيناريو وتقدم به لفاروق حسنى الذى قرر أن يرصد أموال الدولة للإنتاج وتشكلت لجنة من عدد من النقاد باركوا المشروع ومنحوا لقرار الوزير قوة أدبية وأنا لم أقرأ السيناريو ولكن من خلال الشريط السينمائى أستطيع أن أجد أن السيناريو كان يحمل بالفعل مشروعا فنيا ينبئ عن قيمة إبداعية إلا أن اللغز الذى أتصور أنه من الممكن أن يتحول إلى قضية جنائية من الذى رصد هذه الميزانية المبالغ فيها والتى بدأت ب 9 ملايين جنيه ثم ارتفعت إلى أكثر من 20 مليون جنيه وكيف لدولة تتوقف 40 عاما عن الإنتاج ثم تختار فيلما معينا بدون أن تقيم مسابقة تمنح خلالها الفرصة للجميع من المبدعين.. الشريط السينمائى يؤكد أن «خالد» تعامل مع الفيلم باعتباره ملكية خاصة وربما سر غضب «عمر الشريف» أن الفيلم به مساحات درامية مبالغ فيها لخالد كما أن لجوءه إلى تقليد «عمر الشريف» فى الجزء الثانى من الأحداث أساء فنيا إلى العمل الفنى والأمر ليس له علاقة بأن الجمهور لم يتعود فى السينما المصرية على التعامل مع الرؤية الدرامية التى تجمع بين الخيال والواقع.. بعض الأفلام تصنع وهى تحمل تجديدا فى الرؤية ولا تراهن على أسلوب السرد التقليدى إلا أن هذا لا يعنى أنها بالضرورة هى الأفضل كما أن هذا لا يعنى بالضرورة أيضا انصراف الجمهور عنها، الفيلم غاب عنه ضبط الإيقاع العام فكان المخرج تراه لحظات يبرق على الشاشة إبداعيا ثم يخبو فى لحظات أخرى وكأنه لا يقف خلف الكاميرا.. التمثيل فى مشاهد عديدة كان مسئولية كل ممثل المخرج ترك «خالد النبوى» يبدو وكأنه «يبرطع» بمفرده أمام الكاميرا كما يحلو له. لم يستطع المسافر فنيا أو وجدانيا الاقتراب من الجمهور وأتصور أن العمل الفنى يتحمل القسط الوافر من تلك الإخفاقات، ويبقى أن هناك مسئولا ينبغى محاسبته لماذا «المسافر»؟ من الذى منح سلطة مطلقة للوزير الأسبق لكى يرصد كل هذه الأموال من ميزانية الدولة وليس من جيبه الشخصى.. لماذ لم تجر الدولة حتى الآن تحقيقا لنعرف كيف تتحمس لعمل فنى بعينه ولا تمنح الفرصة لكل المبدعين للتقدم بأعمالهم؟ ويبقى ما رأيناه من حالة انفلات نقدى وهجوم على الجمهور واتهامه فى ذوقه الفنى لمجرد أنه لم يقبل على الفيلم رغم أن هذا الجمهور هو الذى وقف وراء العديد من التجارب السينمائية المختلفة فى السنوات الأخيرة فى أفلام مثل «سهر الليالى» «أوقات فراغ» و «واحد صفر» و «احكى يا شهر زاد» وغيرها رغم ذلك فإن بعض النقاد مع الأسف يرفعون شعار «يحيا الفيلم ويسقط الجمهور»!