يرى د. سمير نعيم أن سكان العشوائيات حموا الثورة فى أيامها الأولى، وأن الأيام ال81 للثورة كشفت عن المعدن النبيل لهؤلاء ويرى د.سمير أن العقلية القديمة تجاه العشوائيات مازالت تسيطر على مراكز صنع القرار فى الدولة. مفاجأتك صادمة.. ألا ترى أى خطر قادم من العشوائيات؟ - هذا ليس صحيحا، فالثورة أثبتت حسن معدن هؤلاء، الكل كان يقول إن هؤلاء سيخرجون على المدن المجاورة وينهبونها ويسلبون كل ما فيها، لكن ثبت العكس وسهر هؤلاء على حماية الجميع وشكلوا لجانا شعبية، فهناك ظلم وتهويل من خطرهم ولا ننكر أن هناك انحرافا من بعضهم بسبب النظام السابق الذى حرمهم من حياة آدمية.. وما لم يخرج رجال العشوائيات الأبطال فى الثورة ما نجحت، هم ثاروا على الظلم وهم الذين سيعدلون مسار الثورة إذا خطفت فهم القادرون على التضحية لأنهم ذاقوا طعم الجوع. د . سمير نعيم هناك تفاوت فى أعداد ومناطق العشوائيات.. فما الرقم الحقيقى ؟ - سكان المناطق العشوائية يبلغ عددهم وفقا لأكثر التقديرات تواضعا حوالى15 مليون نسمة على مستوى الجمهورية يعيشون فى 1171 منطقة ويعيش حوالى 40% منهم بالقاهرة الكبرى. وما تركيبة هذه العشوائيات ؟ - العشوائيات تضم مختلف القطاعات من الفقراء والأميين والعاطلين والباعة الجائلين والمهاجرين من الريف والطبقة الوسطى من صغار الموظفين ومحدودى الدخل، وأنا أعرف ضباطا فى القوات المسلحة يقيمون فى عزبة الهجانة أيضا .. العشوائيات تجسد عشوائية الحكومة والإدارة فى مصر طوال ما يزيد على ثلاثين عاما وتخلى الدولة عن دورها فى تقديم مختلف الخدمات ومن بينها الإسكان للمواطنين ونهب أراضى مصر والمضاربة عليها وحرمان عامة الشعب من إمكانية الإقامة فى مسكن لائق، مما اضطر الفقراء والنازحين من الريف للاعتماد على أنفسهم فى إقامة مساكن لأنفسهم بالأراضى الفضاء على أطراف المدن دون مرافق ودون أى تخطيط ودون أى مساعدة من الدولة. هل حالة الفقر التى يعيشها هؤلاء تجعلهم لقمة سائغة لفئة معينة؟ - ثبت من الدراسات أن سكان المناطق العشوائية تربة خصبة لتجنيدهم فى الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية لأن هذه الجماعات تعدهم بالجنة كبديل لجهنم التى يعيشون فيها ودائما كانوا وسيكونون مرتعا لرجال الأعمال فى الانتخابات. الجميع كان يتوقع أن تأتى الثورة من سكان العشوائيات لأنهم شعروا بالظلم وحرموا من الحياة الآدمية.. ما تعليقك ؟ - سكان العشوائيات كانوا ممثلين فى الثورة ولأن أغلبهم من الأميين فكانوا يحتاجون إلى من يفكر لهم ويقودهم وهم شباب الفيس بوك ولولاهم مع فقراء مصر ما نجحت الثورة، وبالتالى صدق التنبؤ بأنهم مع جميع الفقراء والمقهورين فى مصر سيقومون بالثورة ولكن التنبؤ الذى خاب هو أن ثورتهم ستكون فوضوية ومخربة، فلم يقع منهم أى عدوان طوال أيام الثورة وجاءت الفوضى والعدوان من بلطجية النظام والعصابات الحاكمة. كيف يتم حل مشكلة العشوائيات؟ - الحلول الترميمية والإصلاحية المحدودة التى قامت بها الحكومات حتى الآن حلول تسكينية ومهدرة للوقت والإمكانات وهدفها خداع الشعب، فنحن لدينا أراض شاسعة فى الصحراء وقريبة من المدن الجديدة، هذه الأراضى يتم توزيعها على المواطنين بأسعار رمزية ولدينا الدراسات والتصميمات الخاصة بإنشاء منازل بأقل التكاليف مثل مبانى الريف بدون الحاجة إلى استخدام حديد عز وتكون هذه المدن متكاملة صحيا وتعليميا ومخططة. هل ترى أنه لا توجد نية لحل مثل هذه المشكلة؟ - مراكز صنع القرار فى الدولة مازال يسيطر عليها رجال النظام القديم أعداء العشوائيات وينظرون إليهم كأنهم خلقوا لخدمتهم، فمثلا لو تم توزيع المبالغ التى يتم تخصيصها لحل مشكلة العشوائيات فكل منطقة يأتى لها حوالى 500 ألف جنيه، وهذا المبلغ يكفى لدهن أرصفة الشوارع فكبار المسئولين اليوم ليست لديهم شفقة تجاه الفقراء ويكنون لهم كرها شديدا ويريدونهم أن يبقوا هكذا، فمثلا هل صاحب شركات سيارات يريد أن تتطور العشوائيات وتنشأ خطوط نقل داخلية ؟ فهى ليست فى صالحه وكذلك أصحاب المستشفيات والمدارس الخاصة. فهناك حقد من الأغنياء على الفقراء والخوف منهم ودائما يروجون ضدهم بأنهم الخطر القادم على مصر ويساعدهم فى ذلك النخبة الفاسدة من المثقفين وقادة الرأى. ألا يكون هذا الترويج مفيدا فى حل الأزمة ؟ - ترويج من أجل حل وقتى وليس حلا جذريا ويبقى الوضع على ماهو عليه. وما الحل من وجهة نظرك لتفادى كره الأغنياء للفقراء ؟ - هناك من رجال الأعمال من سيزيدون أزمة العشوائيات تفاقما لأنه ليست لديهم الرغبة فى التنازل عن جمع الثروة والمال بطرق مشروعة وغير مشروعة وهم يعتبرون القوى المضادة للثورة، وأدلل على ذلك بأن المدن الجديدة مثل القاهرةالجديدة فى بداية تخطيطها اعتمدت للسكن الشعبى وحل أزمة العشوائيات لكن رجال الأعمال استولوا عليها بمساعدة النظام الفاسد من أجل تحقيق الربح ولن يكون هناك سبيل للتصدى لمثل هذا الجشع إلا من خلال تعديل التشريعات ومنح تسهيلات لرجال الأعمال الشرفاء وأنصافهم من هؤلاء الطامعين الجاثمين على أنفسهم وتبنى رؤية حقيقية لحل المشكلة بشكل جذرى ومحاكمة كل من يتصدى لها. وما السيناريوهات التى تتوقع أن تتم فى هذه المشكلة ؟ - هناك سيناريوهان، الأول أطلق عليه سكة الندامة وهو أن يبقى الوضع على ما هو عليه مع بعض الإصلاحات مثل توصيل المرافق ومشروعات الأسر المنتجة، وهذا يزيد الأزمة تفاقما وهو ما كانت تسير عليه الحكومات الفاسدة السابقة وتكمله حكومة الدكتور عصام شرف لأن أغلبهم عمل فى النظام السابق وتأثر بتفكير النظام المباركى. السيناريو الثانى وهو سكة السلامة أى نجاح الثورة فى تحقيق أهدافها وهزيمة القوى المضادة للثورة بأن تبنى مشروعا نهضويا تنمويا متكاملا يشارك الجميع فيه فى بناء اقتصاد إنتاجى وفى التمتع بفرص الحياة ويعتمد على التخطيط العلمى. هذه السكة هى التى ستنهى العشوائيات ليس فقط فى المناطق السكنية ولكن فى كل مناحى الحياة بما فى ذلك نظام الحكم والإدارة والقرارات العشوائية . هل هناك نماذج عالمية مشابهة لمصر فى العشوائيات وتم حلها ؟ - النموذج المشرف والناجح المشروع النهضوى القومى على العشوائيات وتوفير الحياة الكريمة لسكانها (مدينة كوالا لامبور) فى ماليزيا التى كانت منطقة عشوائية من العشش الصفيح وتحولت إلى مدينة عالمية يتمتع سكانها بجميع حقوق المواطنة ويشاركون فى بناء نهضة بلدهم بفضل مهاتير محمد القائد الإنسان الحكيم الذى ترفع عن كل سفاسف ودناءات الحكام الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الفردية الأنانية وتمكنت ماليزيا خلال مدة رئاسته 1981 - 2003 أن تتحول من دولة زراعية تنتج المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلى الإجمالى، كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالى السكان فى عام 1970 أى أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط فى عام 2002 وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزى من 1247 دولارا فى عام 1970 إلى 8862 دولارا فى عام 2002 أى أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة أمثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%.