فى توقيت بالغ الحساسية، وبينما تشهد الساحة الأمريكية والأوروبية حراكًا غير مسبوق لحظر جماعة الإخوان الإرهابية وتقييد نشاطها المالى، شهدت مدينة لاهور الباكستانية «أكبر تجمع عابر للحدود للحركات الإسلامية» التابعة لتنظيم الإخوان الدولى والمتحالفة معه؛ مُنذ سقوط حكم الجماعة فى مصر عام 2013.. ما يُثير تساؤلات كثيرة حول خطورة هذا الحشد، وما هى مخرجاته ودلالاته، ومن أبرز الحاضرين فيه؟ على الرغم من أن الدعوة العلنية للحشد جاءت فى سياق المؤتمر السنوى للجماعة الإسلامية فى باكستان، والذى عُقد خلال الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر الماضى إلا أن مستوى الحضور «غير المألوف» من حركات وهيئات إسلامية من أكثر من 42 دولة حول العالم- للجماعة تواجد فيها- بجانب رؤساء مؤسسات خيرية وإغاثية عالمية تابعة لتنظيم الإخوان أثارت كثيرًا من علامات الاستفهام حول توقيت المؤتمر وأبعاده الداخلية والعالمية. وتشير تقارير عدة منها ما كتبه أشخاص محسوبون على الإخوان حضروا الملتقى الباكستانى مثل التركى ياسين أقطاي، القيادى البارز فى حزب العدالة والتنمية، إلى أهمية هذا التجمع لبلورة خطة «التجديد والإحياء»، ولما أطلق عليه «مواجهة الانحطاط الأخلاقى والدفاع عن الأيديولوجية الإسلامية»، بل و«تطوير موقف حضارى مستقل فى مواجهة الحداثة الغربية»، أساسه أفكار أبو الأعلى المودودى وثوابت جماعة الإخوان باعتبارهما «حركتين نبيلتين»، وفق وصفه الخاص. على هامش هذا الملتقى، عُقدت اجتماعات خاصة ودائرة مستديرة لقيادات التنظيم الدولى للإخوان حملت عنوان «البحث عن نظام عالمى عادل»، طُرح فيها بشكل واضح أفكار علنية وسرية لإعادة صياغة وجود الجماعة تحت مسميات جديدة، مع إخفاء الارتباطات التنظيمية فى الدول التى تواجه فيها الجماعة مُطاردة ورصدًا من قبل الجهات الأمنية. وبحسب بيان رسمى للإخوان أنفسهم فى «24 نوفمبر الماضى»، فإن الاجتماع بحث «مسألة تنسيق العمل المشترك» و«النضال فى مواجهة الظلم العالمى»، تزامنًا مع ضعف الدور الذى تقوم به المؤسسات الدولية فى «إقرار العدل»، بجانب مناقشة تطورات القضيتين الفلسطينية والسودانية بشكل خاص. المُفارقة هُنا، أن أغلب القيادات الحاضرة فى اجتماع «لاهور 2025»، هى ذاتها التى حضرت اجتماعًا مُماثلًا للتنظيم الدولى قبل ما يقرب من 12 عامًا فى «سبتمبر 2013» فى نفس المدينة «لاهور»، بعد أسابيع قليلة من ثورة 30 يونيو فى مصر والإطاحة بحُكم الإخوان، وهو الاجتماع الذى حمل اسم «المؤتمر العالمى للقيادات الإسلامية» لبحث «الانتكاسة الكبرى» التى شهدها الإخوان فى هذا العام من أجل إعادة ترتيب صفوفهم. فى اجتماع لاهور الأخير «نوفمبر الماضي»، قدم التنظيم الدولى للجماعة نفسه باعتباره لاعبًا دوليًا يواجه «لحظة مصيرية» يتطلب فيها هندسة توازنات جديدة تتماشى مع التغييرات الجيوسياسية التى تشهدها الساحة الدولية، لا سيما فى أعقاب عملية «7 أكتوبر 2023» أو ما يُعرف بطوفان الأقصى. ومن هذا المُنطلق طرح القيادات الحاضرون علانيةً فكرة «الأمة الواحدة» و«الرؤية الإسلامية الشاملة» فى حضور نخبة قيادات الجماعة. حضور دولى بارز لقيادات وأفرع تنظيم الإخوان العالمى شهد اجتماع التنظيم فى لاهور، حضورًا إخوانيًا على عدة مستويات وتمثيلًا متعددًا من «رأس الجماعة إلى أفرعها»: الأول من حيث المستوى العالمى والأوروبي، والثانى المراقبون العامون أو مرشدو أفرع الجماعة، أما الثالث فقد تمثل فى قيادات الأحزاب والحركات القطرية. وقد كشفت قائمة الحضور- التى اطلعنا عليها- عن مشاركة واسعة من أفرع وحركات جماعة الإخوان وقياداتها من التنظيم الدولى حول العالم تحت اسم «وفود من العالم الإسلامى»، وهو الأمر الذى يُخرجه من مجرد مناسبة احتفالية أو خطابية إلى كونه «مؤتمرًا تأسيسيًا جديدًا» للتنظيم الدولى للإخوان فى محاولة بناء شبكاته بعد عقد من التفكك والملاحقات. فى بيانها، أكدت جماعة الإخوان مشاركة قياداتها المصريين الأربعة من أعضاء الهيئة الإدارية العليا للجماعة «بديل مكتب الإرشاد سابقًا»، نيابة عن القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الحالى «صلاح عبدالحق» الذى شارك عبر الفيديو، وهم: محمود الإبياري، الأمين العام التنظيم الدولى مسئول قطاع أوروبا المشرف على إعلامها وهو أيضًا مؤسس ما تُعرف ب«مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات فى بريطانيا»، ومحيى الدين الزايط، نائب رئيس الهيئة الإدارية العليا للجماعة عضو مجلس الشورى العام، وحلمى الجزار، رئيس المكتب السياسى للإخوان، وصهيب عبد المقصود المتحدث باسم الإخوان، وهم ممثلون عن «مكتب لندن» فى الجماعة صاحب النفوذ والمال بالتنظيم. ويمثل القيادات السابقة التوجه العالمى للجماعة جنبًا إلى جنب مع مشاركة العراقى أحمد كاظم الراوي، أحد أهم قيادات التنظيم الدولى للإخوان فى أوروبا لا سيما بريطانيا، وكذلك العراقى أنس التكريتي، القيادى البارز فى الجماعة بأوروبا- بريطانيا، والرئيس السابق للرابطة الإسلامية البريطانية، وعبد الله بن منصور، الرئيس السابق لمجلس مسلمى أوروبا وأحد قيادات التنظيم الدولى على مستوى أوروبا- فرنسا. كان على رأس المشاركين أيضًا: العراقى على القره داغي، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، المقرب من الإخوان، والشيخ إسماعيل أبو أوس، المراقب/ المرشد العام لجماعة الإخوان فى العراق، وهمام سعيد المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين فى الأردن، وعادل على الله إبراهيم، المراقب العام للإخوان فى السودان، كمسئولى أفرع. أما على مستوى القيادات فى الأحزاب والحركات بالأقطار، فقد شارك فى الاجتماع: أسعد حامد سليمان، القيادى بحركة العدل والإحسان بالعراق، وعلى بن عرفة القيادى البارز فى حركة النهضة التونسية، ومحمد شيخ أحمد، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بالصومال، وصلاح الدين محمد بهاء الدين، الأمين العام للاتحاد الإسلامى الكردستانى. ضمت قائمة الحضور أيضًا: ناصر حمدادوش، نائب رئيس حركة مجتمع السلم «حمس» بالجزائر، فيما شهد حزب السعادة التركى تمثيلًا بوفد كبير كان أبرز حضوره، محمود أريكان رئيس الحزب، ومصطفى كايا نائب رئيس الحزب، وإبراهيم دورهات، مساعد الرئيس للشؤون الإعلامية، فيما قاد وفد حركة حماس مروان أبو راس، وبمشاركة من رئيس المكتب السياسى خليل الحية، عبر الفيديو كونفرانس. بجانب هؤلاء حضرت شخصيات إسلامية للجماعة مثل الموريتانى محمد المختار الشنقيطي، ورامز الطنبور مستشار مؤسسة فتحى يكن الفكرية بلبنان، وأمين حسن عمر وزير الإعلام الأسبق والقيادى فى الحركة الإسلامية السودانية. وشملت وفود آسيا: لطفى حسن إسحاق، القيادى البارز بحزب العدالة والرفاهية «العدالة والازدهار» (PKS) الإندونيسي، وخليل عبد الهادى أوانغ، رئيس حزب الإسلام الماليزى (PAS)، بجانب عدد من الممثلين عن جبهة تحرير مورو الإسلامية «حزب العدالة فى بانجسامورو» بالفلبين، أمثال هشام س. ناندو، وإسماعيل و. إبراهيم، وحمزة سالك، وناصر الدين داندينغ، وعبد الشاطر زيلون، وسوهارتو إسماعيل، ومارجانى ماكاسالونج. من محلية باكستان إلى «أستاذية العالم» سرعان ما انتقلت فعاليات الملتقى الباكستانى الذى رعته الجماعة الإسلامية، من مناقشة «قضايا الداخل المحلية» وتحديات الغلاء والمعيشة وقرارات الحكومة إلى قضايا جوهرية أعمق تمثل أيديولوجية مشتركة بين جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية الباكستانية ومرتكزاتها الفكرية التى اتفق عليها المودودى وسيد قُطب. فى حديثه (العلني) خلال الملتقى وبحضور قيادات الحركات والأحزاب الإسلامية، قال حافظ نعيم الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية فى باكستان، إن المعركة فى غزة هى معركة بين «الكفر والإسلام» وأن قادة المقاومة أى حماس هم «قادة الأمة الحقيقيون»، بل ودعا الحكومة الباكستانية إلى فتح مكتب رسمى لحماس فى إسلام آباد. لم يكتفِ «نعيم الرحمن» بهذا بل طرح صراحة فكرة «الأمة» الراسخة فى أدبيات قيادات جماعة الإخوان الأوائل وكذلك المودودى أو يُعرف داخليًا ب«أستاذية العالم»، واعتبر تجمعهم بمثابة «صوت الأمة الإسلامية»، داعيًا إلى وجود «نظام عالمى إسلامي» بديل عما وصفه بالنظام العالمى المنهار أخلاقيًا.
وجه «نعيم الرحمن» رسالة صريحة بأن باكستان «لم تُخلق ليحكمها الجنرالات والإقطاعيون، بل أنشئت لتكون تجسيدًا لحاكمية الشريعة»، ولعله بذلك يرسخ لمفهوم «القاعدة الصلبة» للمشروع العالمى الذى يتجاوز الحدود المحلية، ويؤكد على فكرة «الحاكمية». الأمر ذاته، أكده همام سعيد، المراقب العام السابق للإخوان فى الأردن، خلال كلمته التى أشاد بها «ياسين أقطاي» فيما بعد فى إحدى مقالاته بعد هذا المؤتمر بيومين فقط «26 نوفمبر» الماضي، بقوله إن «باكستان الدولة الوحيدة فى العالم التى تأسست على أساس الإسلام»، وهى إشارة إلى عدم وجود أى دولة فى العالم الإسلامى كان الهدف التأسيسى لها هو الإسلام، وهو ما يعنى أن «على عاتقها مسئولية أكبر كبير». كما لفت سعيد إلى أن توقيت الاجتماع فى باكستان يأتى فى أعقاب «طوفان الأقصى»، أى هجوم حماس فى 7 أكتوبر، والذى يفرض الآن «البحث عن توازنات على المستويين الدولى والمجتمعي، وإيجاد تحالفات آمنة وخطوات عملية أمام النظام العالمى القائم». أدبيات الإخوان هى الأخرى تحمل الكثير من الإطراء حول الحركة الإسلامية فى باكستان والتفاعل بين الجماعتين الإسلامية والإخوان، وتقاربهما على مر التاريخ، وهو الأمر الذى أجابت عليها الأخيرة بطرحها سؤالًا عبر موقعها الرسمى: «قد يسأل سائل: أين جماعة الإخوان بباكستان؟»، لتأتى الإجابة واضحة منصوصًا عليها في: أن (جماعة الإخوان تعمل على عودة الإسلام بشكله الصحيح وتساعد كل من يعمل فى هذا الإطار وفى ذلك التوقيت خاصة فى أوائل الأربعينيات كان الأستاذ أبو الأعلى المودودى أنشأ الجماعة الإسلامية بباكستان، فنظر الإخوان إليها فوجدوا مبادئها وأهدافها وقانونها يتشابه مع أهداف ومبادئ الإخوان فعملوا على مساعدتها والتعاون فيما بينهما). وهى أيضًا إحدى الدلالات الأساسية على «أهمية» باكستان، لا سيما «لاهور» فى الوقت الحالى بالنسبة للتنظيم الدولى للإخوان فى ظل ما يتعرض له من تضييق وحظر وشيك فى أمريكا وأوروبا. قضايا ومخرجات أساسية تكشف خطة التنظيم الدولى بعيدًا عن فكرة «الأمة الواحدة» و«النظام العالمى العادل» التى جرى إثارتها علنًا بحضور قيادات التنظيم الدولى للإخوان، فإن تقارير ومصادر مُختلفة منها أشخاص يتبعون الجماعة، تُشير إلى عدد من مخرجات الاجتماع «الخاص» الذى ضم وجوه الإخوان البارزة فى العالم العربى والموجودين فى أوروبا وأمريكا. ولعل أبرز هذه المخرجات، تجديد الثقة فى عدد من قيادات التنظيم الدولي، لقيادة المرحلة المقبلة لا سيما هؤلاء الموجودين فى أمريكا وأوروبا وعلى رأسهم محمود الأبياري، الأمين العام للتنظيم، وبمساعدة العراقى الموجود بلندن أنس التكريتي، وكذلك محيى الزايط، مشرف الأفرع. كما شدد الحضور على مسألة إخفاء الروابط التنظيمية، منعًا للملاحقة القانونية والجنائية فى ظل الخطوات التى اتخذتها ولاية تكساس الأمريكية بحظر الجماعة وحديث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن حظرها ووضعها على لائحة الإرهاب، وكذلك الرقابة المالية الأوروبية على أفرعها. أما تركيز العمل على ملفى «السودان» و«غزة» خلال الفترة المقبلة، فهو الأمر الذى أكد عليه عدد من البيانات الرسمية، لا سيما بيان جماعة الإخوان نفسه الصادر فى 24 نوفمبر الماضي، وقد شددوا على دعم الحركة الإسلامية فى السودان، مع التأكيد أيضًا على أن دعم «حماس» واجب تنظيمى وشرعى. وجرى التأكيد خلال الاجتماع على أهمية وجود «المشروع الإسلامى البديل» فى ظل سقوط المنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة والمؤسسات الغربية وضعفها فى مواجهة الهيمنة الأمريكية.