ثلاثة أقنعة ترتديها جمعية الصعيد حسب الجهة التى تخاطبها، القناع الأول ترتديه عندما تخاطب وزارة التضامن، ولسان حالها يؤكد أنها جمعية لا تهدف للربح وجل اهتمامها التنمية والعمل الأهلي، أما القناع الثانى فترتديه أمام وزارة التربية والتعليم وتقدم نفسها بصفتها صاحبة مدارس خاصة تهدف للربح ومن ثم تأتى الحسابات الختامية لمدارسها خالية من أى تبرعات وتمويلات خارجية أو داخلية، ورغم اعتماد هذه الحسابات الختامية على الرسوم والمصروفات الدراسية فقط نجدها تحقق أرباحًا فى العديد من مدارسها، رغم خصم %15 من قيمة هذه الرسوم تحت بند نصيب المالك «الأرباح»، بالإضافة إلى قيم إيجارات المدارس التى تختلف من مدرسة إلى أخرى، فى حين ترتدى القناع الثالث أمام جهات التمويل الأجنبى رافعة شعار «أعطونا تبرعات». ثغرة التضامن والتربية الثغرة تكمن فى ازدواجية الجهات التابعة لها الجمعية، فهى من حيث كونها جمعية أهلية تتبع وزارة التضامن الاجتماعي، بينما مدارسها تخضع لوزارة التربية والتعليم، وفى الحالتين تطلب الحصول على التمويل الأجنبى من الجهات الأجنبية لتقدم خدمات تعليمية ومشروعات تنموية. وبمراجعة الحسابات الختامية لمدارسها نجدها لا تحقق أى خسائر بل على العكس تحقق أرباحًا ليست بالقليلة، وحتى فى حالات تحقيق خسائر أو عدم تحقيق أرباح نجد أن ذلك يعود إلى تحميل تلك الحسابات بمبالغ كبيرة تحت بند الإيجار الذى يصل إلى نحو النصف مليون جنيه فى بعض المدارس، مضافًا إليه %15 من إجمالى الرسوم الدراسية المحصلة قيمة أرباح الجمعية «نصيب المالك». وطبقًا للحسابات الختامية الموجودة لدى وزارة التربية، والمعتمدة رسميًا حتى العام الماضي، نجد أن مدارس الجمعية على سبيل المثال فى محافظة أسيوط، تتنوع بين مدارس تحقق أرباحًا مثل مدارس ديروط، القوصية، صدفا، بنى محمديات وغيرها، وفئة أخرى لا تحقق مكاسب أو خسائر، ومنها على سبيل المثال مدارس أبو حجر، زرابى أبوتيج، المنشأة الكبرى، الغنايم، والفئة الثالثة تحقق خسائر مثل: الواسطى، النخيلة، العزايزة، بويط، وهى خسائر نظرية، لأنه إذا لم يتم خصم قيمة إيجار المدرسة وأرباح الجمعية، فلن تكون هناك خسائر تذكر. وعلى سبيل المثال نجد أن فائض حسابات مدرسة النصر بالقوصية أسيوط خلال السنوات الست الماضية 3075159.69 جنيه (ثلاثة ملايين وخمسة وسبعون ألفًا ومائة وتسعة وخمسون جنيها وتسعة وستون قرشًا) تراوحت سنويًا بين مائتين وستة وثلاثين ألفًا فى أدنى حالاتها وستمائة وستين ألفًا فى أفضل حالاتها، وذلك بعد خصم 440 ألفًا سنويًا من دخل المدرسة من المصروفات تحت بند قيمة إيجار المدرسة المملوكة أصلًا للجمعية، فالجمعية تؤجر لنفسها مقرات المدارس وتأخذ من نفسها لنفسها قيمة الإيجار وتحمله لتكاليف العملية التعليمية، يضاف إلى ذلك ما يوازى %15 من هذه الرسوم الدراسية تحت بند الأرباح بصفتها مالك المدارس. هذه الكشوف الخاصة بالحسابات الختامية تقدم فقط لوزارة التربية ولا تقدم إلى وزارة التضامن أو جهات التمويل الأجنبى شيئًا. وبحسبة بسيطة فإنه إذا تم حساب متوسط القيمة الإيجارية والأرباح ب 500 ألف جنيه فقط، فإن الإجمالى سيصبح حاصل ضرب هذا المبلغ فى 35 مدرسة أى 17.5 مليون جنيه سنويًا، وإن كان واقع الأمر يشير إلى أن الجمعية تحصل على ما هو أكثر من ذلك، قيمة بندى الإيجار والأرباح سنويًا مثلها مثل أى مدرسة خاصة استثمارية وليست مدارس تابعة لجمعية أهلية لا تهدف للربح، خصوصًا أن بند الصيانة والإصلاحات لمختلف المدارس مدرج ضمن كشف الحساب الختامى بعيدًا عما تحصل عليه الجمعية، فهذا الحساب يتضمن جميع المصروفات كافة بما فيها المرتبات ومختلف الاحتياجات. والسؤال هنا: إذا كانت الرسوم تغطى مصاريف العملية التعليمية فلماذا تحصل الجمعية على تمويلات أجنبية مليونية من الجهات الخارجية؟ ناهينا عن التبرعات الداخلية، ويكفى أن جهة تمويل واحدة، من بين جهات تمويل أجنبية عدة، هى «بارتاج» الفرنسية تتحمل تكاليف العملية التعليمية فى 12 مدرسة، بالإضافة لسبع مدارس أخرى من التعليم الموازي، ولهذا النوع من التعليم قصة أخرى سنتناولها لاحقًا فى السطور التالية. أيضًا لماذا لا تدرج الجمعية فى حساباتها المقدمة إلى وزارة التربية قيمة التبرعات الخارجية محدد أمامها قيمة التمويل والجهة المانحة وجهة صرف هذه التبرعات بشكل تفصيلي؟ ولماذا لا تتضمن الحسابات المقدمة لوزارة التضامن قيمة المصروفات الدراسية المحصلة من أولياء الأمور مع قيم التبرعات الخارجية وأوجه صرف تلك الرسوم وأوجه صرف ما يخصم منها تحت بند الإيجار والأرباح؟ وهل تتضمن التقارير المقدمة من الجمعية للجهات المانحة داخليًا وخارجيًا تلك الرسوم المحصلة من أولياء الأمور أم لا؟ المدارس الموازية وفقًا لسجلات وزارة التربية والتعليم قطاع التعليم المجتمعي، فإن الوزارة تتحمل على سبيل المثال قيمة الكتب كاملة ومرتبات 50 % من معلمى هذه المدارس (مدرسة الفصل الواحد) فى محافظة أسيوط، وتتحمل قيمة الكتب ومرتبات المعلمين كاملة فى هذا النوع من المدارس التابعة للجمعية فى سوهاج، بينما نجد أن «بارتاج» تتحمل عبء 7 مدارس من هذا النوع، فهل يمكن للجمعية أن تقدم شرحًا لكيفية تخصيص هذه الأموال لهذه المدارس؟ وهل «بارتاج» تعلم بمساهمة وزارة التربية فى هذا المشروع بالشكل السابق ذكره؟ تكاليف سفر داخلي فى ظل اعتماد الجمعية على التبرعات، وكون هدفها الخدمة المجتمعية والعمل الأهلي، يصبح من غير المعقول أن نصدق ما يتردد بين بعض العاملين فى الجمعية والمستفيدين منها عن بند تنقلات مسئولى الجمعية من خلال الطيران الداخلى وحجز فنادق فاخرة لمتابعة عمل المدارس وغيرها من أنشطة الجمعية فى الصعيد، وإن صح ذلك فإن التبرعات تكون قد ذهبت للتنقلات لا الخدمات. الجمعية العمومية فى مقالنا الأول سألنا عن عضوية الجمعية العمومية، وما إذا كانت هناك عضويات عائلية من زوجات وأبناء وأنسباء وأقارب بدرجات مختلفة، وتجاهلت الجمعية الرد على هذا السؤال ولا نزال ننتظر الإجابة وتقديم كشف بأسماء أعضاء الجمعية العمومية وهل هناك أيضًا صلة قرابة بينهم وبين رئيس وأعضاء مجلس الإدارة؟ أرض البياضية فى ردها الذى تم نشره كاملًا ذكرت الجمعية أن عرض أرض البياضية للبيع لأنها غير لازمة لنشاطها، والسؤال هنا: إذا كانت الجمعية ذكرت أنها لا تعانى أزمة مالية، فلماذا تلجأ للبيع طالما أنها غير مضطرة لذلك، فقرار البيع يناقض تأكيد الجمعية عدم حاجتها لهذه الأموال، ولماذا لاتترك هذه الأصول العقارية للأجيال القادمة؟
... إلى وزيرة التضامن بإجماع كل من تعامل مع وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة مايا مرسي، فإنها لا تتهاون مع أى مخالفات ولا تقبل بأى تجاوزات. وسبق أن تواصلنا مع أكثر من مسئول بوزارة التضامن الاجتماعى للإجابة عن التساؤلات التى طرحناها على مسئولى الوزارة من خلال التحقيق الصحفى بعنوان «جمعية الصعيد أحكام قضائية فى تمويلات أجنبية تمت بالمخالفة للقانون»، وذلك فى العدد رقم 5065 من مجلة روزاليوسف بتاريخ 12 يوليو الجاري، وكذلك المقال المنشور على بوابة روزاليوسف بعنوان «جمعية الصعيد إلى أين؟» بتاريخ 14 يونيو الماضي، لمعرفة أسباب عدم تنفيذ الحكم والإجراءات المتخذة تجاه الجمعية. لكن جاء الرد مستندًا إلى قضية لا تزال متداولة فى المحاكم تخص أمين صندوق جمعية الصعيد بدلًا من الحكم البات الصادر من محكمة النقض الدائرة 13 بتاريخ 14 نوفمبر 2023، بحق رئيس مجلس الإدارة وهو ملزم واجب النفاذ بل وإن عدم تنفيذه منذ عام 2023 حتى الآن يجعله عرضة للسقوط بتقادم المدة بعد بضعة أشهر من الآن.
وإذا كان مسئولو وزارة التضامن لا يستطيعون التفريق بين قضية رئيس مجلس إدارة الجمعية التى استنفدت درجات التقاضى الثلاث من الابتدائى مرورًا بالاستئناف ونهاية بحكم النقض الملزم والواجب التنفيذ، وقضية أمين الصندوق فى ذات الشأن، أو إذا كانوا لا يعلمون شيئًا عن حكم النقض وأسباب تأخير تنفيذه كل هذه المدة فهذا أمر يدعو للتساؤل، خصوصًا أنه يتعلق بملايين الجنيهات مستحق دفعها من المتهمين لصالح صندوق إعانة الجمعيات. الأمر الآخر أن الهيئات الأجنبية المانحة للتمويلات للجمعية معظمها هيئات كاثوليكية تابعة للفاتيكان، ووفقًا لما نما إلينا من معلومات فإن العديد من تلك الهيئات بدأت تراجع مواقفها من تقديم التمويلات نظرًا لغياب الشفافية وعدم تنفيذ الأحكام القضائية، ناهينا عن أن هناك بدايات لتحركات داخل أروقة الفاتيكان لفحص هذا الملف، وكل هذا قد يسيء لصورة مصر أمام هذه الهيئات. كلنا ثقة فى وزيرة التضامن الدكتورة مايا مرسي، وفى حرصها الشديد على إحقاق الحق وتنفيذ الأحكام القضائية، وكذلك فحص جميع التمويلات الصادرة خلال السنوات الماضية للتأكد من مدى مطابقتها للقانون والإجراءات المتبعة فى هذا الصدد، خصوصًا أن تقرير خبراء وزارة العدل الذى اعتمد عليه القضاء فى مراحله الثلاث نوه إلى أهمية فحص هذه السجلات. 2 3 4