المشير حسين طنطاوي عادت بي الظروف خلال الفترة الماضية إلي سنوات عشتها في الجيش.. بين ذكريات مع الراحل الفريق سعد الشاذلي الذي كان «وكيل أنباشي أو عريف» في السرية الأولي بالكلية الحربية عام 1940 عندما كنت طالبا مستجدا.. وبين واقع نعيشه الآن ويتحمل فيه المجلس الأعلي للقوات المسلحة مسئولية بناء النظام الجديد بعد تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن المسئولية. وتشاء الأقدار أن ينتقل الفريق سعد الشاذلي إلي رحاب الله يوم 10 فبراير 2011 في نفس اليوم الذي كانت تحقق فيه ثورة الشباب التي انطلقت يوم 25 يناير 2011 انتصارات كبيرة.. وأن يترك في نفوس الشباب صورة رائعة عن الأدوار التي أداها في حياته خدمة لوطنه وشعبه.. عندما كان قائدا للمظلات.. ورئيسا لأركان القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر .1973 ثم سفيرا لمصر في لندن والبرتغال.. وعندما ذهب إلي الجزائر واستضافته حكومتها عندما أخذ موقف الرفض لبعض خطوات أنور السادات بعد حرب أكتوبر التي وقع فيها اتفاقيات كامب ديفيد. -- كان هذا دليلا علي أن السياسة قد نسجت مع العسكرية في تفكير الفريق سعد الشاذلي الذي كنت أسعد خلال شهور الصيف بالاستماع إلي أفكاره وآرائه ونحن متجاوران في كبائن شاطئ كليوباترا في المنتزه قبل أن يلحق به المرض في العام الماضي. السياسة لم تكن منعزلة عن أفكار القوات المسلحة التي تنهض مسئوليتها الأولي علي أساس استقلال الوطن وحمايته من التدخلات الخارجية. وإذا كانت القوات المسلحة قد لعبت دورا بارزا في حياة مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي قام بها مجموعة من الضباط الأحرار.. الذين ثاروا علي النظام الملكي الذي كان خاضعا للاستعمار البريطاني.. وأرسوا مبادئ مازال الشعب يعتز بها ويحرص علي تنفيذها لما تقدمه للجماهير من قيم وعدالة اجتماعية.. فإن دورة الزمن تعيد القوات المسلحة من جديد إلي موقع المسئولية الوطنية عندما أصبح المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو المسئول عن التخطيط لإقرار النظام الجديد.. وأخذ المجلس الأعلي للقوات المسلحة فترة انتقال قدرها ستة شهور يدير فيها البلاد من يوم توليه المسئولية وتشكل فيها لجنة لإجراء تعديلات دستورية وتشريعية وبعد ثورة 23 يوليو 1952 عادت الأمور إلي السلطة المدنية وإعلان دستور 1957 بعد فترة انتقال امتدت ثلاث سنوات تحقق فيها إنجازات إيجابية في مقدمتها توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954 وجلاء جميع القوات البريطانية في يونيو 1956 لأول مرة بعد احتلال دام أكثر من سبعين عاما.. وإصدار قوانين ومشروعات حققت العدالة الاجتماعية التي أصبحت من دعائم ثورة 23 يوليو.. والتي تغيرت مع الأسف خلال السنوات الأخيرة عندما سيطر رجال الأعمال والرأسمالية علي السلطة.. وهو الأمر الذي تصدر الثورة الشبابية البيضاء علي تغييره. بالتحقيق والمحاكمة ومنع السفر لكل من تصدق عليه تهمة الفساد. وكانت الخطوات الأولي للمجلس الأعلي للقوات المسلحة مبشرة بتحقيق آمال الشعب التي عبر عنها شبابه في ثورته البيضاء يوم 25 يناير.. فقد أظهرت البيانات التي صدرت حتي الآن تعهده بقيام سلطة مدنية لا ينفرد فيها العسكريون بالحكم.. وأن يكون الانتقال لهذه السلطة المدنية سلميا، مع المحافظة علي المعاهدات الدولية التي التزمت بها مصر في العهد السابق. -- وكانت هذه الخطوات موضع تقدير من الشباب الذين قادوا ثورة 25 يناير.. لأنهم وجدوا في مواقف وتصرفات رجال القوات المسلحة تأييدا صريحا لهم، وإعزازا لدورهم، وحرصا علي تحقيق مطالبهم.. وهو أمر يقترن بطبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به القوات المسلحة وهو العمل علي استقلال الوطن وحماية الشعب والبعد عن أي نوع من أنواع القهر أو معاداة الديمقراطية. ولاشك أن التعهد بقيام سلطة مدنية هو أمر يبعث علي التفاؤل واليقين بأن السلطة لن تكون عسكرية مطلقة.. وإنما سوف تكون مدنية دستورية.. وهو الأمر الذي تجمع عليه فئات الشعب من مختلف الأعمار والمستويات.