لم يعيروا أى انتباه ل«الغمز واللمز» من بعض الناس كلما رأوهم، وحوّلوا كلمات السُّخرية والتقليل منهم إلى درجات سلم يصعدون من خلالها لمعانقة السماء، حتى تمكنوا من تحقيق إنجازات رياضية يعجز عن إحرازها مَن يعتقدون أنهم وحدهم «الأسوياء». هم قصار القامة أو «الأقزام»، الذين لا يتركون فرصة لإثبات جدارتهم ومهارتهم وإصرارهم على التحدى إلّا وانتهزوها، حتى أصبح من بينهم أبطال إفريقيا والجمهورية فى رفع الأثقال، ومميزون فى الكاراتيه، وغيرها من الألعاب الرياضية. إيناس.. من «العصايا أطول منك» ل«صائدة ميداليات» «العصايا أطول منك»..هى الجملة التى علقت فى ذهن «إيناس الجبالى» لأيام طويلة، منذ قالتها لها بسُخرية مُدرستها فى المرحلة الابتدائية؛ خصوصًا أنها دخلت بسببها فى حالة اكتئاب، وجعلتها تودّع أحلامها وأمنياتها لأيام طويلة، مُفضّلة البقاء فى المنزل. لكن والدها نجح فى إخراجها من هذه الحالة، وأن يمحُ بكلماته آثار السهام المسمومة التى وجهتها «مُربية الأجيال» لابنته، بتأكيده لها بشكل دائم أنها الوحيدة القادرة على جعل كل الناس يفخرون بها، أو يسخرون منها. أخذت «إيناس» كلمات والدها بعين الاعتبار، وكمنهج أساسى تسير عليه، واضعة إياها نُصب عينيها، لتَقسِم بأن تثبت للعالم أجمع وليس لقريتها فقط، قدرتها على صُنع المستحيل، فعادت إلى مَدرستها مرّة أخرى، وتفوقت فى دراستها، حتى التحقت فيما بعد ب«المعهد الفنى التجارى»، فى العام 2015. وخلال فترة الدراسة، أعلن المعهد مشاركته فى فعاليات «أسبوع شباب الجامعات»، الذى عقد آنذاك فى محافظة المنيا، فساقها القدر للمشاركة فيه كلاعبة قُوَى، بل حصد المركز الأول والفوز بالميدالية الذهبية على مستوى الجامعات المصرية، لتلقَى إعجابًا كبيرًا من قِبَل لجنة التحكيم، الذين نصحوها بضرورة الاستمرار فى ممارسة الرياضة عامّة، ورفع الأثقال على وجه التحديد. لم تعتقد «إيناس» يومًا أنها ستحصل على هذا المركز، أو أن ذوى القدرات الخاصة لهم الحق فى الاشتراك بمثل هذه النشاطات؛ خصوصًا أن تلك المرّة هى الأولى التى تحصل فيها على بطولة تنافس فيها «الأسوياء». وبجانب تلك البطولة، شاركت «إيناس» فى بطولات رفع الأثقال على مستوى الجمهورية وحصلت فيها على المركز الثانى، وبعدها حصدت ذهبية ألعاب القوى فى «البطولة البارالمبية» بالجامعات عام 2016، وبعدها بعامَين حققت المركز الأول فى بطولة الجمهوية، وكذلك ذهبية الكأس. وخلال العام الجارى، تمكنت من حصد المركز الثانى ببطولة رفع الأثقال، وفى ديسمبر المقبل تخوض التحدى الأهم فى حياتها، وهو المنافسة فى بطولة الجمهورية التى ستؤهلها للعب على مستوى العالم، وهو الحلم الذى تسعى لتحقيقه منذ دخولها مجال رفع الأثقال. وتشكو «إيناس» من عدم وجود اتحاد لألعاب القوى لفئة الأقزام، وإن كان هناك اتحاد لايزال تحت التأسيس حتى الآن، وهو ما يجعلهم يواجهون منافسين من ذوى الإعاقات القدَمية، ما يجعل المنافسة غير متكافئة تمامًا؛ خصوصًا فيما يتعلق باللعب بأوزان لا تناسب طولها وقدراتها الجسمانية. محمد.. ترك «أكل عيشه» ليصبح «بطل إفريقيا» فى بطولة إفريقيا لرفع الأثقال (فئة ذوى القدرات الخاصة)، التى أقيمت فى الجزائر خلال أغسطس 2018، ظهر بطلنا المصرى محمد زهران، بأداء رائع أمام كل منافسيه تَوَّجَه بحصد المركز الأول والميدالية الذهبية، ليصبح بذلك أول «قزم» يُتَوّج بمثل هذه البطولة على مستوى الوزن الثقيل. يتذكر هذه الأيام فيقول: «بدأتُ الاستعداد للبطولة الإفريقية قبل انطلاقها بشهرين كاملين؛ خصوصًا أنها تمثل الهدف والحلم الأكبر لى منذ التحاقى بعالم رفع الأثقال، فطالما تمنيت الفوز والتتويج بها لتغيير النظرة الدونية تجاه الأقزام ورفع شأنهم». ويضيف: «تدربتُ جيدًا وبكل حماس، وقررتُ أن يكون الفوز طريقى الوحيد فى البطولة، حتى إنى تركتُ عملى داخل إحدى ورش تصليح السيارات بدمياط للتفرغ للتدريبات داخل جمعية الرياضيين فى المحافظة، وبداخلى صراع من الرغبة فى تحقيق هدفى، والخوف من الفشل وضياعى حلمى وحلم أقرانى من الأقزام». تحدَّى هذا الخوف الكبير بداخله على أمل الوصول لحلمه البسيط، الذى تعزّز لديه يومًا تلو الآخر، حتى حققه على أرض الواقع بالنجاح فى رفع 110 كجم حصل من خلالها على المركز الأول، وذلك بأقل الإمكانيات المتاحة أمامه. ولم تكن هذه البطولة هى الأولى لبطل مصر «زهران»، فقد حقق 4 ميداليات فى بطولة الجمهورية، بواقع 3 ذهبية وفضية واحدة، ليمتلك سِجلّا وقائمة إنجازات مشرفة جعلته يفكر فى حلمه الأكبر التالى، وهو بطولة العالم، التى يسعى للمشاركة فيها وحصد ميدالية خلال منافساتها. وعن هدفه من وراء المشاركة يقول: «أريد تأكيد الدور الكبير للأقزام فى المجتمع، وحقهم فى الحصول على معاملة آدمية طبيعية»، مطالبًا بإنشاء «كيان مستقل» يتحدث عنهم، وتتوافر له الإمكانيات الممكنة لتحقيق هدفه فى الوصول للبطولة العالمية. ومن ضمن الأزمات التى واجهت «زهران»، وأقرانه من الأقزام، أزمة الملابس، فملابس الأشخاص العاديين الموجودة فى المجتمع لا تتناسب مع بنية تلك الفئة، لذا فكر وسعى ونجح بالفعل فى إقامة أول مصنع فى مصر والشرق الأوسط لإنتاج للملابس الجاهزة المخصصة للأقزام. يوضح: «أقمنا المصنع بمجهود ذاتى، وبمعدات وطاولات تناسب الأقزام، وكان يعمل به العشرات منهم، ويفتح لهم بيوتهم جميعًا، لكن قبل نحو 8 أشهُر توقف نهائيّا بسبب تعثره المالى»، مطالبًا وزارة التضامن الاجتماعى بتمويل المصنع وإعادة تشغيله. بسملة.. ابنة القليوبية تواجه التنمر ب«الكاراتيه» قرر أيمن العطار إلحاق ابنته «بسملة» بعالم الكاراتيه، فأصبحت بطلة اللعبة فى محافظة القليوبية، ما دفعه للتفكير فى حلم آخر، هو أن تصبح «بسملة» بطلة عالمية يومًا ما، لكن وقف أمام الحلم عدم وجود اللعبة ضمن ألعاب «الاتحاد المصرى للألعاب البارالمبية». بدأت «بسملة» تدريباتها فى اللعبة منذ سنتين فقط، حصلت خلالهما على جميع «الأحزمة» وصولًا إلى« الحزام البُنى»، وتنتظر الآن أن تتم عامها الرابع عشر كى تستطيع التقدم فى اختبارات «الأسود». وبسرعة كبيرة ومهارة فائقة ودقة عالية، استطاعت بطلة القليوبية أن تتميز فى لعبة الكاراتيه، وأن تنافس لاعبين من غير ذوى الاحتياجات الخاصة. ووفقًا لوالدها، فإن قراره بتعلّم «بسملة» ل«الكاراتيه» جاء بعد أن رأى تعرضها لمضايقات كثيرة كلما خرجت من المنزل، فسعى إلى إكسابها الثقة فى نفسها، وفى قدرتها على أن تصبح بطلة، فضلًا عن كون الكاراتيه هو اللعبة الوحيدة المتاحة لها فى نادى «الخصوص». ومن بين الصعاب التى واجهوها، ما تعرضت له جراء انخفاض نسبة الكالسيوم ولين العظام، وهو ما جعلها تمُر بحالة مرضية زادت سوءًا مع ارتطامها بالحائط وكسر مفصل يدها، فاستمر علاجها شهورًا بحثًا عن طبيب يفهم حالتها وطبيعة البناء الجسمى لقصار القامة. وبحسب والدها، يتميز قصار القامة ببنية خاصة للأجهزة العضوية والعظمية فى أجسادهم، وجرعات الدواء المخصصة لهم تختلف عن سواهم، ما شكّل عائقًا فى علاج ابنته حتى استطاع الوصول لطبيب مميز، بعدما تواصل معه أصدقاؤه من جمعيات قصار القامة، وأرشدوه للذهاب إلى «المعهد القومى للجهاز الحركى والعصبى».