عاجل.. الحكومة تقرر وقف تنفيذ خطة تخفيف الأحمال الكهربائية خلال هذه الأيام    «الخشت» يستعرض تقريرًا حول تطور ترتيب جامعة القاهرة في علوم الحياة والطب خلال 7 سنوات    وكيل «مطروح الأزهرية» يتفقد فعاليات البرنامج التدريبي للشؤون الوظيفية    مسجلا 2344 دولارا للأونصة.. 2% زيادة في أسعار الذهب عالميا خلال أسبوع    وزير الصناعة: 400 مليون جنيه حجم أعمال «بورسعيد ستار» لإنتاج الأسماك المدخنة    رئيس الوزراء يصل دمياط لمتابعة موقف عدد من المشروعات التنموية والخدمية    اعتبارًا من الغد.. بدء تطبيق خفض أسعار الخبز السياحي في الأسواق    بروتوكول تعاون لتشجيع الاستثمار المشترك بين الشركات المصرية والصينية    أسعار سيارات فورد فوكاس موديل 2023 بعد التخفيضات الأخيرة.. تعرف عليها    وزير الخارجية التركي: الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أحد أهم أسباب زعزعة الاستقرار في المنطقة    وزير الخارجية: جهود مكثفة من مصر لدعم غزة منذ اندلاع الحرب    تصريحات نارية من تشافي قبل مواجهة ريال مدريد    عقبة أمام تعاقد ليفربول مع خليفة كلوب    تشكيل مازيمبي أمام الأهلي في دوري أبطال إفريقيا    "متبقي 4 مباريات".. هل يكسر مرموش رقم زيدان بالدوري الألماني؟    اتحاد الكرة: تواصلنا مع فيتوريا لسداد الشرط الجزائي.. ومحمد صلاح سينضم بالمعسكر المقبل    تأجيل محاكمة متهم بهتك عرض فتاة وسرقتها بقصر النيل    «الداخلية»: ضبط شخصين لقيامهما بأعمال الحفر والتنقيب بالقاهرة    بالأسماء: أصابة 16 شخصا فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    «أزهرية كفر الشيخ»: غرفة عمليات لمتابعة امتحانات النقل الابتدائي والإعدادي    ضربة أمنية لسقوط 5 لصوص بجرائم سرقات متنوعة بالقاهرة    ضبط عنصر إجرامى لإدارته ورشة تصنيع أسلحة بالأقصر    في حوار سابق.. صلاح السعدني يكشف كيف أنقذه عادل إمام من الاعتقال (فيديو)    شم النسيم 2024.. اعرف الموعد وسبب الاحتفال وقصة ارتباطه بعيد القيامة    "قومية الإسكندرية" تقدم "سجن النسا" على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    بعد حفل ال50 مدرسة.. تامر حسني يُعلن تقديم مهرجان سنوي خاص ل طلاب المدارس    الدفاع الروسية: قصف منشأة لتخزين وقود الطائرات التابعة للقوات الأوكرانية    محافظ الغربية يتفقد 12 مشروعا لحياة كريمة ورصف القرى بزفتى    واشنطن توافق على طلب النيجر بسحب قواتها من أراضيها    مخاطرة بحرب إقليمية.. هآرتس تنتقد الهجوم الإسرائيلي على إيران    مفتي الجمهورية: الاكتفاء بالاجتهاد الفردي أصبح أمرًا صعبًا مهما اتَّسع عِلم العلماء.. والواقع المتسارع يُملي علينا ضرورة التعاون لتوحيد الرؤى والأفكار    داعية يحذر "محدش يدعي على نفسه بالموت"    مشوفتش عشيقة المدير نهائيًا.. أقوال شاهدة في قضية رشوة أسوان الكبرى.. فيديو    تونس تؤكد دعمها للشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه    دخول 250 شاحنة مساعدات لغزة واستقبال أعداد من الجرحى والحالات الإنسانية    القابضة للمياه: تحديث المخطط العام حتى 2052 لمواكبة الاحتياجات المستقبلية    «يد الأهلي» يواجه أمل سكيكدة الجزائري بكأس الكؤوس    الحكومة: وقف تنفيذ قطع الكهرباء عن الكنائس خلال احتفالات العيد    إياد نصار: بحب الناس بتناديني في الشارع ب «رشيد الطيار»    مفاجأة.. سبب عدم مشاركة صلاح السعدني في مسرحية مدرسة المشاغبين    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحقق مفاجأة في دور العرض.. تفاصيل    وفاة سيدة وإصابة طفلة في حريق منزل ببني سويف    عبد الغفار يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين أمانة الصحة النفسية و«أوتيزم سبيكس» العالمية    نجاح إعادة كف مبتورة لشاب عشريني في مستشفيات جامعة المنوفية    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يهنئان أسقف السمائيين بشرم الشيخ بالعودة من رحلة علاجية    حصار لليوم الثالث على التوالي.. آخر مستجدات الأوضاع بمخيم "نور شمس" بالضفة الغربية    فضل الذكر: قوة الاستماع والتفكير في ذكر الله    منها زيادة الوزن.. خبراء يحذرون من أضرار الحليب المجفف    بروتوكول تعاون بين جامعة طيبة وجهاز المدينة الجديدة لتبادل الخبرات    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    مدير كلية الدفاع الوطني التنزاني يشكر مصر على ما تقدمه من دعم لدولته    يُغسل ولا يُصلى عليه.. حكم الشرع تجاه العضو المبتور من جسد الإنسان    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مسافر ليل».. المسافة بين الفكرة والفعل
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 12 - 01 - 2019

تبقى الأعمال الخالدة صالحة للعرض رغم مرور الزمن وصلاح عبدالصبور الشاعر المصرى المجدد والرائد فى الشعر العربى الحر لا يزال حاضرًا معنا برائعته الدرامية ذات الفصل الواحد «مسافر ليل»، والتى تجاوزت ليالى عرضها المائة بعشرين ليلة فى علامة جديدة تؤكد صحة الاعتقاد بقدرة متذوقى الفنون الجميلة على الحضور الحى لدعم المسرح بمعناه الجمالى.
وصلاح عبدالصبور يعبر من القرن العشرين للحادى والعشرين وسيعبر للمستقبل بأعماله المسرحية، لأنه يحرص على مناقشة المشترك الإنسانى التاريخى عبر أزمته الروحية العميقة وموضوعه الإبداعى الأثير ألا وهو المسافة الشاسعة بين الفكرة والفعل، بين الرؤية والقدرة، بين الكلمة والسيف، وهى أزمة الكاتب فى كل العصور. هذا ولا توجد كتابة ولا إبداع حقيقى ولا تقدم مجتمعى إلا بوجود مثل هذه الأرواح الاستثنائية والعقول المختلفة، التى ترى ما يجب أن يكون لها وللناس وتتشبث بما هو مستحيل لتحقيق أقرب قدر من المتاح والممكن من الحق والخير والجمال.
ولعل الراوى الذى يحكى عن بطل روايتنا الذى هو رجل يدعى.. يدعى ما يدعى ماذا يعنى الاسم؟ فيه من روح وسمات المثقف المعاصر الكثير، إنه محايد يروى ويحكى ويشرح ولكنه لا يملك القدرة على الفعل، فالسيد (عبده) راكب القطار الليلى البارد الذى يقتله محصل التذاكر بالخنجر، حيث القتل ملامسة حميمية أبعد من القتل بالسم أو بالرصاص أو بالشنق لا يملك الراوى التدخل لإنقاذه، ولكن المتفرجين المشاركين فى عربة القطار بدور ركاب العربة كما أراد المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد، حيث يدور الحدث فى العربة ليصبح المتفرج إما شاهدًا أو ضحية، حيث عربة القطار المتحركة فى جوف ليل بارد، وبينما الراكب المستسلم لعامل التذاكر يعيش ذعرًا رهيبًا، إذ يلتهم العامل تذكرته الخضراء، ثم يستدعى له معظم طغاة التاريخ ليتقمصهم طاغية تلو الآخر، الإسكندر، تيمورلنك، هتلر.. وغيرهم، وبصحبته أدوات القتل المشنقة والغدارة والحبل، ويكشف عن اسمه فهو عشرى السترة، الذى له سترات عشر، وهو فقط صاحب الأوراق البيضاء التى تعنى التاريخ الناصع والذى أقام نفسه على الناس قيمًا باسم الله، كما صدمنا صلاح عبدالصبور فى استعارته الشعرية الشهيرة (من قتل الله وسرق بطاقته الشخصية؟)، ليوحى فى واحدة من تأويلاته المهمة بمسألة السلطة الدينية المطلقة التى تتحدث وتتصرف باسم الله فى الأرض ,كما يوحى أيضًا بمزيج من التاريخ السلطوى الذى ينفى شرع الله فى حرية البشر وإرادتهم المستقلة مشيرًا لكل تاريخ البشر الاستبدادى،إلا أن رؤية المخرج تضع علامة الشرطى الأمريكى الشهيرة على ملابس عامل التذاكر فى إشارة واضحة لشرطى العالم الجديد، ثم عندما يتخلص من ستراته المتعددة ليخرج لنا الأوراق البيضاء التى يحملها. إنه ذلك الشخص الذى قتل الحرية الإنسانية وإرادة الحياة، وسترته الأخيرة تحمل علامات النازية والفاشية وغيرهما، ولكنها تتجاهل أهم علامات القهر المعاصرة الصهيونية الاستبدادية والتسلط باسم الله... النص يفرض حضوره اللغوى والدرامى على العرض ويمنح علاء قوقة قدرة واضحة على الاعتناء بالتفاصيل، حيث يمزج بين المبالغة الكاريكاتيرية وعبثية السلوك المستبد ويتيح لجهاد أبوالعينين فى دور الراوى المثقف فرصة القيام بتفاصيل توحى بذلك الحياد المرعب مع ألم الإدراك والوعى، واستطاع جهاد أن يصل بعمق قدراته التمثيلية إلى تلك المنطقة الخفية فى دور الراوى وهو ألم المثقف إزاء عجزه عن الخروج من منطقة الوعى بالفكرة لمنطقة القدرة على الفعل، أما مصطفى حمزة فقد كان واعيًا بحالة الاستسلام اللانهائية للراكب المغلوب على أمره، وظل أداؤه قادرًا على صناعة السخرية أكثر من العطف، لأن هذه الدرجة من السلبية الإنسانية لا يمكن معها حدوث التعاطف الكامل، ولذلك فمقاربته التمثيلية لشخصية تقترب أيضًا من المبالغة الضاحكة التى تدعمها التعليقات الموسيقية الساخرة، حيث أخذ المخرج عرضه فى هذا الاتجاه مما منحه حيوية خاصة، «مسافر ليل» تستعيد لنا عالم صلاح عبدالصبور، حيث المسرح بمعناه المعرفى والجمالى.
كما يمكن فهم العرض فى إطار قدرته على جعل لغة صلاح عبدالصبور الشعرية الفصحى سلسلة فى الأداء التمثيلى،ممكنة الفهم، ونجح فريق العمل فى الخروج بالإيقاع الشعرى المنتظم الحر إلى ما يشبه الحوار العادى حيث المقدرة الواضحة على إدراك مأزق الغنائية الرتيبة التى تحدث فى المسرح الشعرى والإفلات منه ببراعة، بل استخدام الموسيقى وتكرار بعض الجمل البسيطة للاقتراب بالفصحى الشعرية من إيحاءات ما يقابلها من مفردات عامية طازجة وجديدة، مما منح الفصحى الشعرية حضورًا خاصًا بمذاق اللحظة الآنية.
واقترب بها مما أراده صلاح عبدالصبور وهو طابع الكوميديا السوداء، كما منح الرؤية الإخراجية ظلالًا موحية بمأساة الفرد إزاء الحضور القوى للمجتمع الذى يضغط عليه لدرجة الاستلاب الذى يدفع الفرد العربى لشعور عميق بالاغتراب تجاه تعدد السلطات الضاغطة وعلى رأسها سلطة المجتمع ذاته، مما يمكن معه فهم العرض فى إطار ما يحدث من نزاعات مسلحة حادة فى عالمنا العربى الجريح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.