فى أحد مشاهد فيلم «إسكندرية ليه؟» - إخراج يوسف شاهين - يجلس البطل (يحيى - محسن محيى الدين) مستاءً لأن بدلته أصبحت بالية ولا تصلح أن يذهب بها إلى إحدى الحفلات، فتجلس الأم (محسنة توفيق) بجواره وتقول «كان لازم نشترى فستان جديد لأختك».. وتتابع مداعبة ابنها، مستغلة عشقه الأكبر للسينما، والبوابة الأسرع لقلبه «بقت شبه هيدى لامار»، تتحول مشاعر الابن من الغضب إلى الحب، فيمسك بيد أخته ويراقصها وهو يقول «قمر يا بت، شبه هيدى لامار بالظبط». وفى مشهد ثانٍ فى الفيلم الأمريكى «جى إدجار» - إخراج كلينت إيستوود - يشكو (إدجار- ليوناردو دى كابريو) لأمه (جودى دنيش) أن الطفل الذى اختطف، والذى كان هو المسئول عن التحقيق فى قضية اختطافه، قد قُتل، فترد الأم «دماؤه تملأ يديك فأنت لم تؤدّ واجبك ولم تقم بعملك». وفى مشهد أخير من مسلسل «أرابيسك» - إخراج جمال عبدالحميد- يشكو (حسنى - هشام سليم) لأمه (هدى سلطان) أنه أصبح غير قادر على الحياة فى الحى نفسه الذى تعيش فيه خطيبته السابقة، لأنه لا يريد أن يراها.. فتنهره الأم قائلة «ما تغنى أحسن زى فريد الأطرش وتقول نجوم الليل بتبكى على خيبتى القوية ولا ما أنا عارفة بيقول إيه». هذه المشاهد الثلاثة تلخص جزءًا من دور الأم فى حياة أبنائها، ولكن بشكل خارج عن المألوف، ومعاكس للتيار، فهى هنا تحرص على غرس القوة والشجاعة وتحمُّل المسئولية.. بعيدًا عن الكلمات البلهاء من قبيل «معلش يا حبيبى، ده كان غصب عنك، أنت عملت اللى عليك».. الأم هى الأصل، هى صاحبة الحب غير المشروط، الذى يجعلها الأقدر والأحق على فعل وقول أى شىء تختاره.. وقد اختارت فى المشاهد السابقة، الطريق الصعب ولكنه - بالتأكيد - الأكثر إفادة فى صناعة رجل، محب، قوى وناضج، الأم هنا وضعت فى طريق ابنها حجرًا، لا ليتعثر فيه، ولكن ليقف عليه فيعلو ويسمو ويصبح أكثر قدرة على رؤية الأشياء واستيعابها.. وإن كانت الدكتورة «نوال السعداوى» قد قررت فى كتابها الشهير أن «الأنثى هى الأصل»، فبالنسبة لأبناء آدم، الشجعان، الأشداء، العاقلين، بمعنى أشمل الرجال بحق.. فالأم هى الأصل.
