حاسبات عين شمس تحصد المركز الأول عربيًا وأفريقيًا في المسابقة العالمية للبرمجيات    تعيين مصباح العريفي رئيسا للإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء الأزهرية    شهدها البابا تواضروس، تفاصيل وثيقة الكنيسة للتوعية بمخاطر زواج الأقارب    بتكلفة 9.5 مليون جنيه.. افتتاح الجامع الشرقي بقرية العامرة بمنوف    ننشر تفاصيل نجاح "مشروع رأس المال الدائم" في مدارس التعليم الفني بمصر    بزيادة تصل ل 6 جنيهات، ارتفاع أسعار اللحوم في الأسواق    وزير الري: إعداد جيل جديد من المهندسين قادر على إدارة وصيانة محطات معالجة المياه    ضبط أسمدة ومبيدات مغشوشة في 3 منشآت زراعية بالإسماعيلية    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    الكهرباء: تأمين متطلبات المواطنين خلال فصل الصيف    5.7 تريليون جنيه حجم توظيفات الحكومة فى الأوراق المالية    الإسكان: تنفيذ 889 حملة على وحدات الإسكان الاجتماعى منذ بداية 2023 وحتى الآن    بروتوكول تعاون لبناء قدرات الشباب في العمل البيئي.. صور    الأزهر يحذر من التطهير العرقي في الضفة الغربية والتخطيط لبناء بؤر استيطانية جديدة    عائلات الأسرى المحتجزين في غزة يطالبون بإقالة بن غفير لهذا السبب    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    ريال مدريد يتلقى صدمة قبل مواجهة الكلاسيكو ضد برشلونة    مواعيد مباريات الجمعة 19 أبريل.. مواجهة ل الأهلي في إفريقيا لكرة السلة ومباراة في الدوري ومرموش    رسميًا.. تجديد عقد ناجلسمان مع منتخب ألمانيا حتى مونديال 2026    موعد مباراة بلدية المحلة والمقاولون في الدوري    موعد المؤتمر الصحفي لجوزيه جوميز استعدادًا لمباراة دريمز الغاني    كاسيميرو: سعيد بفوز ريال مدريد على مانشستر سيتي    مارتينيز: حصلت على بطاقة صفراء ثانية بسبب سمعتي السيئة.. ولا أفهم القواعد    ضبط 3 عناصر إجرامية بحوزتهم حشيش وأسلحة نارية ب 2.2 مليون جنيه    الأرصاد الجوية تنصح بارتداء الملابس الصيفية نهارا    فك لغز العثور على جثة سيدة داخل منزلها بالغربية    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال وقوف ونش بمحور اللوحات الكهربائية بشارع التسعين بالقاهرة    السبت.. انطلاق امتحانات النقل الابتدائية والإعدادية بمعاهد الشرقية الأزهرية    ضبط عاطل وراء سرقة مبلغ مالي من إحدى الصيدليات بالقليوبية    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    محمود البزاوي ينعي صلاح السعدني بكلمات مؤثرة: أثر في من أول يوم دخلت بيت آل السعدني    وداعًا العُمْدَة سليمان غانم وداعًا حسن أرابيسك.. ورَحلَ صلاح السعدني "بروفايل"    موعد ومكان عزاء الفنان صلاح السعدني    رئيس الوزراء يستعرض تقريرا حول خطة الثقافة لتفعيل مخرجات الحوار الوطني    إيرادات السينما أمس.. شقو في المقدمة وأسود ملون يتذيل القائمة    إبراهيم السمان: تحمست لدور محسن فى مسلسل حق عرب بسبب السيناريو    خطيب الأوقاف يؤكد: الصدق صفة المتقين وطريق الفائزين.. والأيمانات الكاذبة للباعة لترويج السلعة تمحق البركة.. فيديو    لماذا خلق الله الخلق؟.. خطيب المسجد الحرام: ليس ليتعزز بهم من ذلة    فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة.. أفصل الصيغ لها    محافظ الدقهلية يكلف بتغيير مراوح سقف غرف مرضى مستشفى دكرنس    بولندا تعلن إقلاع مقاتلات لتأمين مجالها الجوى خلال هجوم روسى على أوكرانيا    أعراض التهاب الجيوب الأنفية على العيون.. تعرف عليها    غداء اليوم.. طريقة تحضير كفتة الدجاج المشوية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    تبدأ غدا السبت.. جدول امتحانات صفوف النقل بالمعاهد الأزهرية في نهاية العام    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    فيتو أمريكي يُفسد قرارًا بمنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أديب مناسبات.. محافظ.. وموالِ للسلطة؟!

منذ تعرفت على عالم القراءة والأدب كان اسم إحسان عبدالقدوس، ولم يزل، بالنسبة لى، ملتبسا، مزدوجا، ومثيرا لنوع من الإعجاب المشوب بالحذر، لا أستطيع أن أحدد موقفا أو شعورا محددا منه. لو فكرت فى رسم صورة تقريبية لهذا التناقض، يمكن أن أقول إنها مزيج من الثائر الاجتماعى الرائد قاسم أمين على نجم الأدب الشعبى (Pop Literature) الحالى أحمد مراد.
امتلك إحسان عبدالقدوس حسا متمردا يليق بطفل ولد عام ثورة 1919، وابن ل«روزا اليوسف»، إحدى أقوى وأبرز النساء العربيات فى النصف الأول من القرن العشرين، وشاب وطنى مثقف فى عصر شجاع، شاب، شاعت فيه أفكار النهضة والتنوير والتحرر على كل المستويات.
هو ابن الحداثة العربية التى صعدت فى فترة ما بين القرنين واستمرت حتى منتصف القرن العشرين، قبل أن تنتكس عقب الاستقلال على أيدى الثوار أنفسهم الذين تحولوا إلى ديكتاتوريين رجعيين يحكمون مجتمعات جبانة تخشى التغيير.
هو أيضا ابن الطبقة المتوسطة المحافظة، والوسطية، بطبعها، التى تقف دائما على منتصف السلم، مرتعشة، عيناها على التجديد، وقدماها مشدودة بالتقاليد.
فى طفولتى كنت أسمع اسم إحسان عبدالقدوس مقرونا بالإعجاب بين نساء العائلة والجيران، بعضهن كن يقرأن قصصه ورواياته المسلسلة فى «روزاليوسف» و«صباح الخير». ربما انحفر اسمى المجلتين فى عقلى منذ هذا الحين، لأننى عندما كبرت وفكرت فى أن أصبح صحفيا، لم يخطر ببالى سوى أننى سأعمل فى هاتين المجلتين!
لكن إحسان عبدالقدوس لم يستهونى كأديب.. كنت أراه خفيفا وشعبويا أكثر من اللازم، مثله مثل أنيس منصور، بالرغم من إعجابى الشديد بلغتيهما السهلة، السلسة، المتدفقة مثل نبع من الماء.
لم أحب تركيزه على قصص الحب، ومشاكل المراهقات والنساء، وعالم الطبقة المرفهة، والسطحية التى يكتب بها أبعاد شخصياته وحبكات حكاياته.
كانت سمعة قصص وأفلام إحسان عبدالقدوس، ولم تزل، خاصة وسط المتطرفين والمتشددين دينيا، الذين دأبوا على مهاجمة وسب الفنانين والأدباء والمفكرين، بأنها قصص «جنسية»، «إباحية»، تحض على الانحلال، وغالبا ما يستشهدون على ذلك بأعمال مثل «النظارة السوداء» و«أنا حرة» و«الخيط الرفيع»، وبغض النظر عن أنهم ينطلقون من موقف رجعى، معاد للحرية، فهو ينم أيضا عن جهل بكيفية قراءة الأعمال الأدبية والتمثيلية، لأن القراءة التحليلية يمكن أن تكشف لنا أن جوهر أعمال إحسان عبدالقدوس تقليدى، محافظ، بل رجعى أحيانا، لا يكاد يرى الحرية إلا بين الفخذين كما يفعل المتطرفون، ويقرنها دوما بالزنى أو الجنس غير الشرعى، ولا يكاد يعترف بأهميتها، إلا لو كانت مرحلة مؤقتة على سبيل الوصول إلى الطريق الصحيح فى النهاية، الذى هو البيت التقليدى أو الحرية السياسية للوطن.
هل لاحظت، مثلا، أنه فى الوقت الذى تنتصر فيه الكثير من الأفلام المصرية «التقليدية» للحب الأول، فإن «الوسادة الخالية» ينتصر للزواج بدون حب.. أو أن بطلتى «أنا حرة» و«النظارة السوداء» تعلنان توبتهما فى الصفحات الأخيرة بعد أن تعتنق بطلة «أنا حرة» النضال السياسى، وتسجن فى سبيل الوطن وتتزوج من أحد الوطنيين (لا نعلم ما إذا كان أعطاها حريتها أم فرض عليها البقاء فى البيت والانفراد وحده بثمار الانتصار والاستقلال، كما حدث للنساء وللقوى الشعبية عموما فى مصر والجزائر وباقى البلاد العربية؟)، وهو نفس ما تفعله ماجى بطلة «النظارة السوداء» التى تتخلى عن حريتها وطبقتها لتنضم إلى صفوف الطبقة العاملة والمقاتلين ضد العدوان الأجنبى.
لقد لجأ إحسان عبدالقدوس، مثل كثير من المفكرين المصريين، إلى الحلول الوسطية السهلة، التى تزعم التصالح بين الماضى والحاضر، الأصالة والمعاصرة، الموروث والجديد، الدين وحرية التفكير، حرية المرأة وبقائها ظلا للرجل. لقد قرأت مقالا لإحسان عبدالقدوس عن حرية المرأة من أسوأ ما قرأت فى حياتى فيما يتعلق بهذا الموضوع لأن ظاهره التقدمية وإنصاف النساء وباطنه الامتثال بل تبرير القهر والرجعية.
شخصيا قضيت سنوات أعتقد أن أعمال إحسان عبدالقدوس ليبرالية وسنوات أخرى أعتقد أنها رجعية، والسبب فى الحالتين هو الفهم الخاطئ لوظيفة الفن والطريقة التى يعمل بها، فليس المهم رأى المبدع أو الحل الذى يطرحه العمل وإنما قدرته على طرح المشكلة وإثارة تفكير ووجدان المتلقى.
والحقيقة أن قيمة أعمال إحسان عبدالقدوس لا تكمن فى موقفه ورأيه الشخصى من موضوعاته وأبطاله، بل فى شجاعتها وقدرتها على طرح الأسئلة الشائكة التى يتهرب منها الآخرون. وبالفعل يمكننا أن نلاحظ أن أعماله تمتلئ بالأسئلة وعلامات الاستفهام والمونولوجات الحائرة لشخصياته.
على عكس نجيب محفوظ مثلا، كتب إحسان عددا كبيرا من «أدب المناسبات»، مثل بعض القصص التى كتبها عقب ثورة يوليو تمجيدا فيها وفى عبدالناصر.. ومثل سيناريو الفيلم الوحيد الذى كتبه «الله معنا»، أو قصة «قلبى فى دمشق» التى كتبها زمن الوحدة مع سوريا، وكذلك بعض القصص التى كتبها فى عهد السادات، مثل «الهزيمة كان اسمها فاطمة» و«رصاصة واحدة فى جيبي».
لقد جنت الصحافة على إحسان الأديب، خاصة أنه كان دائما صحفيا مقربا من السلطة وصديقا شخصيا للمسئولين.. مع أنه صحيح أن الصحافة ساعدت إحسان على الانتشار، والأكثر من ذلك أنها ساهمت فى تقريب الأدب من الناس العاديين، وخلقت ما يعرف بالأديب النجم، الذى يكتب أدبا شعبيا على حلقات، وكان لإحسان آلاف المعجبات والمعجبين، مثل نجوم السينما، بل ساهمت أيضا فى تقريب الفجوة بين الأدب والسينما، حيث كان لأعمال إحسان المنقولة إلى السينما نصيب الأسد، وكان المخرجون والنجمات يتهافتن ويتنافسن على شراء قصصه لتحويلها لأفلام.
ولكن من ناحية ثانية جعلته يكتب وعينه على القارئ، بل على شرائح معينة من القراء، كما أن الكتابة على حلقات أدت لخروج كثير من رواياته بشكل متسرع، مفكك، لا مجال فيها للمراجعة والتنقيح. والأسوأ من ذلك أنها دفعته أحيانا إلى اقتباس أعمال أجنبية، مثل «لا أنام» و«الطريق المسدود» المأخوذتين عن روايتين فرنسيتين شهيرتين.
على أية حال لم يكن إحسان وحده الذى اقتبس بعض أعماله من أعمال أجنبية، فالقائمة تضم معظم أدباءنا وفنانينا، مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس والمازنى، والعبرة بقدرة الفنان على صبغ الموضوع المقتبس بوجهة نظره ومعالجته الخاصة.. وإحسان لديه عالم يخصه وأسلوب أدبى ولغة لا يمكن إنكارها.
إن الوجه الآخر لأى إنسان لا ينفى الوجه الأول، بل يكمله ويؤكده فى بعض الأحيان، خاصة إذا كان صاحبه فنانا، ففى الالتباس والتناقض والشك، ينمو الفن ويزدهر، وليس فى الصوت الواحد الزاعق الممتلئ باليقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.