يعانى سكان فيصل والهرم من ضيق وسيلة مواصلاتهم الأكثر توافرًا لهم وهو الميكروباص الذى يتحمل عمليًا ستة أفراد فقط إلا أن الواقع الذى يفرضه سائقو هذه الميكروباصات ركوب ثمانية أفراد، وهو الأمر الذى يحدث معه تحرش بالفتيات والسيدات من مختلف الأعمار. والغريب لا أحد من أفراد الأسر يتحدث عما يحدث بداخل هذه الميكروباصات وهو الأمر الذى جعلنا نسأل راكبيه خاصة من السيدات والبنات خاصة أنه لا يوجد مثل هذا الميكروباص فى باقى محافظات الجمهورية. فأكد لنا عدد من الفتيات تعرضهن للتحرش الجسدى أكثر من مرة داخل الميكروباص، وبعضهن أبلغن أهلهن الذين ألقوا باللوم عليهن، وأكد معظم الفتيات أنهن لم يفعلن شيئا يستفز المتحرش لهذا الفعل، لأن المجتمع يرفض أن يعترف بأن الفتاة التى تتعرض للتحرش ضحية فهى غالبًا «بنت مش محترمة إزاى تسمح له يعمل فيها كده». تروى مى ابنة العشرين حكايتها بداخل أحد ميكروباصات «فلوكس الهرم فيصل»، والتى اعتادت ركوبه للوصول إلى منزلها بالهرم، قائلة: فى أحد الأيام تعرضت للتحرش، حيث قام شاب كان يجلس بجانبى، بوضع يده خلف ظهرى حاولت أن أتجنبه، ولكن استمر فى التطاول ولم يبعد يده، رغم إظهارى بالضيق مما يفعل، مما دفعنى للنزول من الميكروباص قبل أن أصل البيت الذى كنت أحتاج الوصول إليه حفاظاً على نفسى، عملت على تجنب الجلوس بجوار رجل مرة أخرى حتى نسيت الأمر، فى مرة أخرى جلس بجانبى رجل فى سن الأربعين، وحاول الالتصاق بى حاولت الابتعاد حتى تجنب الاستمرار فى ذلك الأمر، وفى الحالتين لم أخبر أهلى بما حدث، لأن عيب البنت تتكلم فى ذلك الأمر، لم أنس وأنا فى الصف الابتدائى، وكنت مع والدتى داخل الأتوبيس وضع رجل يده على بطنى، لم أستوعب الموقف لأنى طفلة فكنت لا أعلم أن هذا تحرش، وحينما أخبرت أمى بعد النزول من الأتوبيس طلبت منى ألا أذكر لأحد ما حدث، منذ تلك اللحظة لاأخبر والدتى أو أى أحد من أفراد عائلتى بما يحدث معى بالشارع، وأنا أرى أن المجتمع المصرى والأسرة المصرية لا يقفون بجوار الفتاة التى تتعرض للتحرش، حيث تتحول الفتاة التى تتعرض للتحرش لمتهمة بدلاً من كونها مجنيًا عليها، نتيجة نظرة المجتمع لها. ذكرت هبة محمد: كنت فى عربية فيصل فى الساعة التاسعة صباحا فى اتجاه عملى، كنت راكبة ميكروباص الهرم، فى الكنبة الأخيرة وجنبى اثنين رجالة الأول نزل وتبقى الآخر لاقيته قرب وبدأ فى الحديث معى، وكان حديثًا عامًا هو كبير فى السن لم أتوقع أنه يكون شخصًا غير محترم، مع الاقتراب من محطة مترو فيصل، فلم يتبق داخل الميكروباص كله غيرى وهو وواحدة ست تجلس فى الكنبة الأمامية. وكان يحمل معاه شنطة فيها ورق وإيده بتتحرك تحتها، بدأت أشك لأنه كل ما أنهى الكلام يفتحه مرة أخرى، ويبدأ هو الحديث مرة أخرى، لحد ما حرك إيده تحت الشنطة وفتح سوستة بنطلونه، كان رد فعلى اتخضيت قمت فورا من جانبه والميكروباص بيتحرك وجلست فى الكنبة الأمامية، أنا مش فى حاجة لذكر الأمر لأهلى لأنى لم أصمت أمام هؤلاء المتحرشين حتى لو تحرش لفظى، ولكن هنا كنت مصدومة لأنه رجل كبير فى السن، ومن واقع تجربتى اكتشفت أن المجتمع مريض نفسى لأنه يدافع عن المتحرش فكان لا يجب علينا أن نستغرب من إعلان الشواذ عن أنفسهم ومطالبتهم فى ظل انحراف المجتمع. وأضافت هبة محمود: مرة أخرى كنت راجعة من شغلى فى ميكروباص فلوكس فيصل، وكنت أجلس على الكنبة الأولى، وكان معى صاحبتى وكان يجلس بجوارى شاب فجأة وضع إيده على جنبى، لم أستوعب الموقف وقتها فأول ما فهمت اللى بيحصل نظرت له فقالت له «شيل إيدك»، كنت فى حالة صمت طوال الطريق أجلس وألتفت، لغاية ما وصلت للبيت، فى كل مرة ألتزم الصمت خوفا من فضائح لأن الذنب فى مجتمعنا يقع على البنت دايما مش المتحرش، وهو نفس الأمر بنسبة لأهلى لو قلت لهم ما حدث معى، أنا فى نظرهم اللى غلطانة، رغم أنى أرتدى ملابس واسعة، أكون مستغربة إيه اللى بشوفه فيا المتحرش يجعله يعمل كده، ولكن استمريت لفترة مرعوبة وكارهة نفسى وخائفة من كل الناس وتجنب الركوب فى مواصلات. وتابعت: فى مرة أخرى حدث لى موقف آخر فى نفس الميكروباص فلوكس كنت أجلس بجوار الشباك بالميكروباص جانبى راجل فى عمر 60 عامًا، فجأة لقيت يد من الجنب تحاول أن تمسك صدرى، لم أفعل شيئًا سوى أن أنظر له بقرف، غيرت مكانى مع الشاب الذى كان يجلس بجوار الراجل المتحرش، للأسف كان يشاهد ما يحدث فى ذلك المتحرش والتزم الصمت. فى السياق نفسه قالت شهد حسين: ميكروباص فلوكس الهرم فيصل أكثر وسيلة مواصلات تساعد المتحرش، فكان يجلس جانبى شخص كبير فى السن، فى ذلك التوقيت كان لدى شعور أنه سيفعل شيئًا، انتظرت طوال الطريق، خاصة أن الطريق كان طويلاً، وأنا نظرت إلى الشباك ونسيت الأمر، وهو ادعى أنه نام ثم وضع الجاكيت على رجله وعدى إيده من تحته وحطها على رجلى من فوق، أول ما شفته ضربته على إيده كذا مرة وزعقت عمل نفسه صاحى مخضوض، المشكلة بقا الست اللى خلفى فضلت تقولى: «بتتبلى على الراجل دا ابوكي» و«الراجل كان نايم» وفضلت تكرر نفس الأمر حتى نزلت من الميكروباص، لم أخبر أهلى ما حدث لأنهم يرون دائما أن البنت هى اللى غلطانة حتى لو البنت دى بنتهم بمجرد أنى جلست فى الميكروباص بجوار رجل، التعرض للتحرش أصبح أمرًا طبيعيًا، قائلة: «البنت بتسكت عشان لو اتكلمت هى اللى هتتبهدل، والولد بيتعاملوا معاه بمنطق عيل وغلط»، أو عيب دا رجل كبير، مشيرة إلى أن الفتاة التى تصر على الحصول على حقها يتهمها البعض بأنها «وقحة» ولا يمكن أن تتحدث عن هذه التجربة وتشرح ماذا فعل لها الشاب، وينظر لها الجميع باستهزاء، وبعد ذلك قررت عدم الركوب مرة أخرى فى ميكروباص فلوكس.■