منذ ستين عامًا بالضبط، تعرضت «روزاليوسف» لأغرب مؤامرة فى تاريخها، عندما تم تزويرها وتزييفها من الغلاف إلى الغلاف لتباع فى أسواق بيروت والعالم العربى بل وأمريكا على أنها «روزاليوسف» الحقيقية!!.. وكان قراء روزاليوسف المزيفة لا يصدقون المقالات المنشورة فيها تهاجم الدين الإسلامى، وتهاجم جمال عبدالناصر وتتهمه بمعاداة الإسلام!! نجح إحسان عبدالقدوس عن طريق أحد أصدقائه فى الحصول على «روزاليوسف» المزورة وكتب مؤكدًا يفضح المؤامرة بقوله «السفارة الأمريكية تصدر روزاليوسف» مزورة!! ووسط دهشة القراء والأوساط السياسية والصحفية فوجئ الجميع بالرئيس جمال عبدالناصر عندما كان يلقى خطابه فى الإسكندرية مساء يوم 26 يوليو سنة 1957، وكان يتحدث عن حرب الكراهية ضد مصر بكل وسائلها من إذاعات ومنشورات حتى فاجأ الجميع بقوله: «مجلة روزاليوسف المصرية عملوا مجلة شبه روزاليوسف ثم توزع فى كل أنحاء العالم العربى وتوزع فى نيويورك أيضًا على الوفود العربية فيها معلومات كاذبة مزورة ضد مصر». وبعد ستين عامًا نعيد فتح الملف من جديد!! بداية الجريمة والفضيحة كشف عنها الأستاذ إحسان عبدالقدوس رئيس تحرير مجلة روزاليوسف فى مقاله «سلاح جديد: سرقة الشعارات الشعبية»، وعنوان رئيسى يقول: «المنشورات التى صدرت فى بيروت باسم «روزاليوسف»، وروى إحسان تفاصيل المعركة النفسية التى تحاك ضد مصر وتقودها الولاياتالمتحدة ومعها الأحزاب والهيئات الرجعية وكتب يقول: «فى الأسبوع الماضى سرقت بعض الهيئات الرجعية اسم «روزاليوسف»، واسم «روزاليوسف» هو شعار يعبر عن سياسة عربية واضحة نرسمها بأقلامنا، وقد سُرق هذا الاسم وصدرت به منشورات توزع اليوم فى بيروت ولعل السارق هو مكاتب الدعاية الأمريكية أو مكتب من مكاتب حلف بغداد!!» وحمل إليَّ صديق أحد هذه المنشورات، إنه منشور أنيق مطبوع طبعًا فاخرًا عبارة عن ورقة مطوية صفحتها الأولى بريئة تحمل صورة فوتوغرافية للرئيس «جمال عبدالناصر»، وقد كتب عليها كلمة «أمل العرب» ثم تفتح الورقة فتجد السم، تجد عدة صور كاريكاتورية سبق أن ظهرت على أغلفة «روزاليوسف» وقد امتدت يد الكذب فحورتها وأضافت عليها خطوطًا جديدة قلبت معناها ولكنها لاتزال تبدو كأحد أغلفة المجلة، ولاتزال تحمل اسم «روزاليوسف» باللونين الأحمر والأسود!». ومطلوب من الناس الذين تقع فى أيديهم أن يعتقدوا أن «روزاليوسف» هى التى أصدرتها، وأن هذه الصور الكاريكاتورية سبق أن نشرت فعلاً فى «روزاليوسف». كان ما نشره «إحسان عبدالقدوس» حديث الأوساط السياسية والصحفية ليس فى مصر وحدها بل فى كل أنحاء العالم العربى حيث كانت تباع وتوزع المجلة!! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عاد إحسان للكتابة فى نفس الموضوع لكن بأسرار وتفاصيل جديدة مذهلة، حيث كتب مقاله «بلاغ إلى النائب العام فى لبنان: السفارة الأمريكية تصدر روزاليوسف مزيفة»!! كتب «إحسان» يقول: فى الأسبوع الماضى تلقيت من بيروت عددًا من أعداد «روزاليوسف» معادًا إليَّ وهو بالذات العدد 1491 الصادر بتاريخ 7 يناير الماضى وغلاف العدد هو نفس غلاف «روزاليوسف».. بلا أدنى تغيير، ويحمل رسما كاريكاتوريا وطنيا يمثل حصانا ثائرا ينفض عن ظهره إيدن ومولييه (زعماء إنجلترا وفرنسا) مرسوما بريشة «صلاح جاهين»، وظهر الغلاف يحمل إعلانا عن شركة «سباهى» نفس الإعلان الذى سبق أن نشرته روزاليوسف.. ثم كلمة «طبع بمطابع روزاليوسف»!! والفرق الوحيد بين هذا الغلاف وغلاف «روزاليوسف» إنه مطبوع على ورق مصقول «كوشيه» لا تستطيع دار روزاليوسف أن تدفع ثمنه، وهو فرق قد لا ينتبه له القارئ العادي، وتقلب الغلاف فتفاجأ بمجموعة صفحات تحمل مقالات لا يمكن أن تكون قد كتبت بأقلام «روزاليوسف» أو نشرتها «روزاليوسف»!! الصفحة الأولى تحمل بروازا كتب فيه بالبنط الأسود «أيها المسلمون» إليكم رأى أصدقاء «جمال عبدالناصر» فى جوهر ديننا!! «ثم بعد ذلك صفحات متشابهة تحمل مقالات كلها طعن فى الأديان، وفى الدين الإسلامى على الأخص منسوبة إلى كتاب «روس» ومستشرقين سوفييت!! ويضيف الأستاذ «إحسان» قائلا: «إنه منشور استعمارى يوزع فى غلاف مزيف من أغلفة «روزاليوسف»!! ماذا أفعل؟! هل أكتفى بفضح هذه المنشورات؟! قد لا يكون هذا كافيا!! وقررت أن أرسل بلاغا إلى النائب العام اللبنانى وإلى وزير الداخلية فى حكومة لبنان، بلاغا أطالب فيه بحماية اسم «روزاليوسف» من التزييف والاختلاس والسرقة، ولابد أن فى لبنان قانونا يحمى حقوق الناس، ولا أقصد الحقوق السياسية أو الوطنية - فإنى لست سليم النية إلى هذا الحد - بل فقط قصدت حماية حقوقى التجارية المتعلقة باستغلال اسم «روزاليوسف»! وفى هذا البلاغ قررت أن أتهم بعض الجهات صراحة بجريمة تزييف اسم «روزاليوسف» واستغلاله فى أغراض سياسية، وهذه الجهات هي: مكاتب الدعاية التابعة للسفارة الأمريكية فى بيروت، مكاتب الدعاية التابعة لدول حلف بغداد، أما لماذا أتهم هذه الجهات بالذات، فلأن ما قرأته فى المنشور لا يمكن أن يستفيد منه أحد إلا هذه الجهات». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشار الرئيس «جمال عبدالناصر» إلى قصة تزوير روزاليوسف عندما كان يخطب فى الإسكندرية بمناسبة مرور عام على تأميم قناة السويس وهزيمة العدوان الثلاثى وأشاد بروزاليوسف. وبطبيعة الحال فقد كانت أسرة «روزاليوسف» هى أسعد الناس بهذه الإشادة!! وبعد يومين من خطاب «جمال عبدالناصر» تصدر مجلة روزاليوسف وهى تحمل تفاصيل وأسرارًا مثيرة حول تلك الجريمة، كشفها «إحسان عبدالقدوس» فى مقال بعنوان «برقية لأنور السادات» تكشف جريمة تزييف روزاليوسف ثم ثلاثة عناوين فرعية هي: روزاليوسف المزيفة توزع فى نيويوركوواشنطن، و«من هو جوهرى» الصحفى المصرى الذى يحمل جوازا لبنانيا؟! و«الوفود العربية فى الأممالمتحدة تتهم إدارة الاستعلامات الأمريكية». يقول إحسان: «أشار الرئيس «جمال عبدالناصر» فى خطابه الذى ألقاه فى الإسكندرية إلى تزييف مجلة «روزاليوسف» واستعمال الأعداد المزيفة كسلاح للدعاية ضد مصر». ثم يضيف: «حملت النسخة المزيفة التى حصلت عليها وذهبت إلى الأستاذ «حمادة الناحل» المحامى وطالبته أن يبحث الجريمة من ناحيتها القانونية، توطئة لتقديم بلاغ إلى النائب العام اللبنانى ليتولى التحقيق فى جريمة التزييف، ويحمى اسم «روزاليوسف» ويحمى حقوقنا فى هذا الاسم!! وبحث «حمادة الناحل» ثم هز رأسه فى يأس فإننا لا نملك دليلا واضحا على أن ما مكاتب الدعاية الأمريكية هى التى قامت بالتزييف، بل لا نملك دليلا على أن هذه الأعداد قد زيفت فى لبنان بالذات، فإذا قدمنا بلاغا إلى السلطات اللبنانية فلن يكون مصيره إلا الحفظ مع ابتسامة رثاء!! وقررت أن أنتظر حتى أجمع مزيدا من المعلومات عن جريمة التزييف، ومنذ أسابيع علمت أن «روزاليوسف» تزيف فى «طنجة» وأن الأعداد المزيفة توزع فى مراكش وتونس!! واتسعت رقعة الجريمة أمام عينى وأحسست بالعجز.. كيف أستطيع أن أقاوم كل هذا، كيف أستطيع أن أحمى حقوقى واسمى ووطنيتي؟! وحتى لو ملكت الدليل فإن قوانين العالم مجتمعة لن تستطيع أن تحمينى من أقلام الدعاية التابعة لحكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية»!! وفجأة حدث ما لم يكن يتوقعه الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» فقد تلقى «أنور السادات» برقية خاصة من مراسل جريدة الجمهورية فى نيويورك الأستاذ «سليم مالك» تكشف عن أسرار جريمة تزييف «روزاليوسف» وعلى الفور قام «إحسان» بنشر نص هذه البرقية فى روزاليوسف والتى تبدأ بعبارة «انتبه السادات»! فى هذه البرقية يحكى مراسل الجمهورية كيف أن جميع الوفود والسفارات الإسلامية والعربية فى الأممالمتحدة وفى واشنطن تلقت طبعة مزيفة من مجلة «روزاليوسف» ثم يروى بعدها قائلا: «حققت فى هذا الأمر فظهر لى أن هذه المجلة موزعة من مكتب البريد المركزى فى نيويورك ولهذا لابد أن تكون آتية من دوائر أمريكية معينة، ويعتقد بعض الدبلوماسيين العرب أنها صادرة من إدارة الاستعلامات الأمريكية بمعونة بعض الصحفيين العرب الموالين للغرب». وهناك شيء تجدر ملاحظته وهو أن صحفيا مصريا يحمل جواز سفر لبنانيًا وصل إلى نيويورك منذ ثلاثة أشهر قادما من بيروت ومعه أوراق اعتماد من جريدة الهدف ثم بدأ عقب وصوله حملة شديدة ضد الحكومة المصرية، وكانت بعض الدوائر الأمريكية تسنده، ومن الغريب أنه كان يتصل ببعض رجال الوفد المصرى فى الأممالمتحدة مدعيا أنه يريد مقابلة بعض كبار الرسميين فى الوفد! وكان فى الوقت نفسه يواصل حملته ضد الحكومة المصرية بين مندوبى الصحف الأجنبية، وقد حذر «فردويك روب» أحد أصدقاء مصر وعضو فى الوفد الأمريكى لدى الأممالمتحدة زملاءه من نشاط «جوهري» وقال لهم إنه - أى جوهرى - يصيب مصر بضرر بالغ. انتهى أبرز ما فى برقية مراسل الجمهورية والتى أكدت كل ظنون الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» السابقة الذى يتساءل بعد ذلك: «هل أستطيع أن أفعل شيئا بعد هذا؟! هل هناك محكمة أو جهة اختصاص أستطيع أن ألجأ إليها؟! لا أظن! والجريمة أصلا ليست موجهة إلى «روزاليوسف» إنما هى موجهة إلى مصر وإلى سياسة مصر، إنها سلاح حقير من أسلحة الحرب الباردة التى تشنها الولاياتالمتحدة علينا وعلى الرئيس جمال عبدالناصر وعلى القومية العربية. ولم يبق لى إلا أن أكرر ما سبق أن قلته: إن هذه الجريمة تعنى أن أقلام الدعاية الأمريكية لا تستطيع أن تواجه الشعب العربي، ولو كانت تستطيع مواجهته لما احتاجت إلى الاختباء وراء الأسماء الوطنية، ولما احتاجت إلى أن تلف سمومها فى غلاف مزيف من أغلفة روزاليوسف ولكن الدعاية الأمريكية تعلم أنها لو طبعت منشوراتها فى كتب تحمل اسم السفارة الأمريكية، أو اسم أية هيئة من الهيئات الرجعية، لما أقبل الشعب على قراءتها، ولما امتدت يد إليها، ولما اقتنع أحد بما يكتب فيها. إنها دعاية لنا وليست علينا، وكلمة أخرى للسادة خبراء الدعاية الأمريكية، إن اسم «روزاليوسف» أقوى من أن يزيف، إنه ليس مجرد عنوان يوضع تحته أى كلام إنه شعار راسخ فى أذهان الناس، واكتسب قوته خلال أربعة وثلاثين عاما، وضحت فيها لهذا الشعار دعوة معينة، واتجاه ثابت لا يمكن تحويله ولا يمكن لأحد أن يضل فيه!! والذين وقعت فى أيديهم هذه النسخ المزيفة لن يصدقوا أن هذه هى «روزاليوسف» لأنهم يعلمون أن هذه لا يمكن أن تكون روزاليوسف»!! روزاليوسف كانت وستظل دائما صوتا لكل الأحرار!!