منذ توليته لمهامه الأسقفية، قرر الأنبا تادرس مطران بورسعيد، والمنسق العام لرحلات البابا فى الخارج، والسكرتير العام المساعد للمجمع المقدس، الابتعاد عن الإعلام ودوائر الضوء، مفضلا أن يعمل فى صمت، ويكرس جهوده ومنصبه الدينى لما يفيد الناس ويخفف آلامهم، إلا أن حادثة تفجير الكنيسة البطرسية، فرضت عليه أن يكسر هذا الصمت والابتعاد عن الإعلام لتهدئة أبنائه فى الداخل والخارج وتعزيتهم وتقويتهم باللحمة الوطنية، كذلك لنفيه أن تكون الحادثة عملاً طائفيًا، لكنها على حد وصفه، عمل إرهابى يستهدف أمن الوطن. الأنبا تادرس فى أول حديث صحفى له يكشف ل«روزاليوسف» الكثير من الأحداث التى تبعت حادثة تفجير الكنيسة البطرسية، وإلى نص الحوار: لماذا قررت أخيراً الظهور الإعلامي، ولماذا فى هذا التوقيت؟ - الظهور الإعلامى ليس شيئاً مكروهاً ولكن له رجاله ومتخصصوه. ولكننا فى بعض الأحيان لا نستطيع أن نتهرب من مسئوليتنا الوطنية والرعوية داخل الوطن والكنيسة، وحادثة تفجير الكنيسة البطرسية سببت احتقانًا فى الكثير من نفوس الأقباط وكان لابد لنا أن نعمل على تخفيف هذا الاحتقان حتى لا يتنامى ويصبح غضباً غير مشروع. هل هناك غضب مشروع وغضب غير مشروع؟ - نعم وهذا الأمر محسوم فى الكتاب المقدس الذى جاء فيه (اغضبوا ولا تخطئوا)، فالغضب شعور إنسانى يفاجئ الإنسان نتيجة التعرض لموقف سلبي، ولكن علينا ألا نترك هذا الغضب يتنامى فى داخلنا بل يجب تحجيمه حتى لا يكون سببا فى ارتكاب الإنسان لما لا تحمد عقباه، كما أن استمرار الإنسان فى حالة الغضب هو أمر ترفضه المسيحية (لا تغرب الشمس على غضبكم) فمن حق الإنسان أن يغضب ولكن ليس من حقه أن يخطئ أو يعيش فى غضبه. هل رصدتم حالة من الغضب بين جموع الأقباط؟ - نعم، فالغضب كان كبيراً ليس بين الأقباط فقط، ولكن بين كل المصريين فلقد تلقيت سيلاً من الاتصالات الغاضبة والحقيقة فإن هناك من يعمل على رصد الأحداث على غير حقيقتها ولا يخفى على أحد أن هناك جماعات إرهابية لها أذرع طويلة فى الخارج تتصيد أى أحداث داخل مصر لتوصيفها على غير حقيقتها وهو ما يؤدى إلى الإثارة. كيف تعاملتم مع حالة الغضب تلك؟ - أوضحنا للجميع أن مصر كلها فى حالة غضب من هذا الحادث من رئيس الجمهورية حتى المواطن العادى وأن الجميع يتعقب الجناة ويطالب بالقصاص منهم، وأن الدولة لا تقصر فى حماية الأقباط وكنائسهم وكل أجهزة الدولة ومؤسساتها والقوى الشعبية والتنفيذية تضامنت مع الكنيسة القبطية وقدم الجميع لنا يد العون والمواساة ورفضنا اتهام جهات بعينها بالتقصير فى توفير الأمن للأقباط. ما هى تلك الجهات التى تم اتهامها بالتقصير فى توفير الأمن؟ - بالتأكيد المؤسسات الأمنية وعلى رأسها وزارة الداخلية وهو ما رفضناه جملة وتفصيلاً، وأوضحنا للجميع أن الداخلية هى أكثر جهة تحملت وقوع شهداء من بين أبنائها وقبل حادث البطرسية استشهد بعض أفراد الداخلية فى الهجوم الإرهابى على كمين بالهرم فمن غير المعقول أن نتهم الداخلية بالتقصير فى الحماية الأمنية لأفرادها ضباطاً وجنوداً ولكن شاءت الأقدار أن يعانى الوطن بكل فئاته من هجمات إرهابية لا تميز بين مسلم أو مسيحى أو ضابط جيش وآخر من الداخلية، فالإرهاب يستهدف تدمير هذا الوطن وهو ما يجب أن نفهمه جيداً ولا ننقاد إلى دعوات تخريبية تخدم هذا الإرهاب دون أن ندري، وقد قمنا بتوجيه العديد من الآباء الكهنة فى الخارج بتوضيح حقيقة الأمور لرعاياهم وطلبنا منهم دعم الدولة والنظام بقوة فى مثل تلك التوقيتات الحرجة. ما تعليقك على المظاهرات التى اندلعت خارج الكنيسة البطرسية فى يوم الحادث؟ - تلك المظاهرات كانت تعبيراً عن حزن كبير تحول إلى غضب ولا نستطيع أن نخون من شاركوا فيها لأنها حشدت بشكل عشوائى دون سابق تنظيم ولكن هى حمية الشباب، وأظن أن الحقيقة سوف تتكشف لهم عندما يهدأ الغضب وشبابنا شباب وطنى يحب وطنه وكنيسته ولا يوجد بيننا مندس. هل ترى أن هناك من اندس وسط الشباب لإحباطهم وإثارتهم؟ - لا أعلم، فلم أكن على مقربة من تلك التظاهرات وتحديد وجود مندسين من عدمه منوط به الجهات الأمنية ويعرفون جيداً كيفية التعامل مع هؤلاء المندسين إذا وجدوا، أما عن الإحباط فتركيبة الإنسان المصرى صلبة لا تنكسر. متى تنتهى مثل تلك الأحداث الطائفية وهل هناك سبيل لمعالجتها؟ - حادث البطرسية ليس طائفياً ولكنه يدخل ضمن «الغارات» التى يشنها الإرهاب فى حربه على الوطن وكانت تلك الغارة من نصيب الكنيسة البطرسية مثلما سبقتها أخرى على ضباط كمين الهرم. نحن فى حرب ضد عدو لا يرحم أو يميز فهو يدمر كل ما تطاله يده. لماذا أقمتم عزاءً منفرداً لشهداء الكنيسة البطرسية فى مطرانية بورسعيد؟ - المطرانية لم تقم هذا العزاء على الرغم من أنه كان فى مقرها. كيف؟ - عقب الحادث انهالت علينا الاتصالات التليفونية من جميع طوائف الشعب فى بورسعيد من قيادات تنفيذية وأمنية وشعبية وحزبية وسياسية للعزاء فى شهدائنا وطلب الجميع الحضور لمشاركتنا المصاب الأليم خاصة أن محافظ بورسعيد قد حضر إلينا للتعزية فى لفتة كريمة منه فما كان منا إلا أن فتحنا أبوابنا لإخواننا وشركائنا فى أرض وسماء هذا الوطن لجلسة محبة فتحولت تلك الجلسة إلى عزاء وتأبين للشهداء لم نسع إليه ولكنه كان فيض محبة من إخواننا فى بورسعيد. حضرت جنازة الشهداء وترأستم مع قداسة البابا الصلاة عليهم كيف كانت الأجواء؟ - بالتأكيد سيطر الحزن على الجميع، ولكن للحق أحس كل آباء الكنيسة والمجمع المقدس أن هناك دولة بكامل هيئتها ومؤسساتها هى التى تتصدر مشهد التجنيز والعزاء لأبنائها فكانت مساندة الدولة بقوتها هى العزاء الحقيقى للكنيسة وأهالى الشهداء. وماذا عن قداسة البابا؟ - لم أر البابا فى حياتى مثلما رأيته فى جنازة الشهداء كان حزيناً مهموماً وبدا الحزن على ملامحه، البابا موجوع لفراق هؤلاء الشهداء ولكن عزاؤنا جميعاً أنهم الآن فى السماء ولن تنكسر الكنيسة ورأسها البابا تواضروس فهو السند والعون لنا جميعاً. هل كان لحضور الرئيس السيسى وقع طيب فى النفوس؟ - الرئيس السيسى هو كبير العائلة وأب الجميع الذى شعرنا أنه جاء ليتلقى العزاء فى أبنائه ولم نشعر للحظة أنه جاء ليقدم واجباً وكانت لكلماته الأثر الكبير فى النفوس خاصة أنه كشف فى الجنازة عن الفاعل الحقيقى للحادث بعكس كل التوقعات والتكهنات وكأنه رفض أن يتلقى العزاء فى أبنائه قبل الثأر لهم ليرد الإرهاب على أعقابه ويؤكد للعالم كله أن تلك الأحداث لن تفرقنا عن بعضنا ولكنها تزيدنا تماسكاً ووحدة، فالشعب المصرى هو الجبل الشاهق الذى لن تستطيع أى قوة إرهابية أن تنال منه. كيف تتوقع أن تكون أجواء عيد الميلاد الذى يحل بعد أيام فى ظل تلك الأحداث؟ - ستكون مثل كل الأعياد ولن يخيفنا شيء وستمتلئ الكنائس كعادتها كل عام فى صلوات قداس العيد وسنطلب من الله أن يرفع الغمة عن بلدنا الحبية ونطلب منه نياحاً لشهدائنا ونفرح بأنهم سبقونا إلى الملكوت ونطلب شفاعتهم أمام الله وسيشاركنا أحباؤنا من المصريين عيدنا ولن يفصلنا عن محبة الوطن ضيقة أو تعب أو إرهاب فنحن كمصريين اكتسبنا عبر تاريخنا الطويل الصلابة والقوة فى المواجهة فلقد مرت علينا تحديات أكبر من التى نعانى منها بكثير وطوى التاريخ تلك التحديات وبقى الشعب المصرى قوياً أبياً خالداً وظلت مصر تتمتع ببركة الله (مبارك شعبى مصر).