انتهت حرب أكتوبر منذ 42 عاما ومازال الجدل مستمراً إلى يومنا هذا بشأن تقييم نتائج المعركة فعلى الرغم من النجاح الذى حققته قوات الجيش المصرى من الناحية العسكرية، فإن ذلك النصر لم ينعكس بأى حال على رفاهية الشعب المصرى اجتماعيا أو اقتصاديا فلايزال المواطن المصرى يعانى أشد المعاناة ويشعر بأن حلمه قد سرق. أين ذهبت ثمار حرب أكتوبر التى كان يجب أن تعود إلى الشعب ليتحقق له الرخاء كما كان متوقعاً؟! الكاتب الكبير يسرى الجندى يؤكد أن انتصار أكتوبر لم يكن انتصار الجيش وحده، لكن الشعب أيضا كان له الموقف المؤثر والفاعل جداً وكان من أهم أسباب الانتصار فى هذه الحرب من خلال رفع معنويات القوات وعلى الرغم من رد الفعل السلبى بعد نكسة 67 فإن حرب الاستنزاف أيقظت مشاعر المصريين وشهدت مرحلة التحام الشعب مع جيشه من جديد وتجاوز المحنة، ومن ثم حدث الانتصار العظيم فى 6 أكتوبر 1973 ثم جاء ما أفسد هذا الانتصار بتقديم التنازلات بدون داعٍ - على حد قول الكاتب الكبير. وقال: تحت مبرر أن الولاياتالأمريكية من تتحكم فى مجريات اللعبة وتحرك الأحداث رغم أننا كنا قادرين على قلب الموازين من البداية إلا أن اتفاقية كامب ديفيد جاءت لصالح إسرائيل وكانت بداية الهزيمة المعنوية بفقدان الاعتداد بقدراتنا كشعب ليتدهور بعد ذلك الموقف العربى بالكامل ويحدث التراجع الذى نعانى منه حتى يومنا هذا. كان عقد التصالح مع هذا الكيان بمثابة الضربة القاتلة التى أدت بنا إلى حرب الخليج الأولى والثانية وجميع المخططات التى تم الإعداد لها من قبل قوى الاستعمار الجديد على ضوء تحييد مصر التى كانت تحتل الصدارة وتقود محيطها العربى فكان أسوأ ما حدث هو توقيع اتفاقية السلام. ويضيف الجندى: على الرغم من أن الحرب تقيم بنتائجها السياسية، وقد انتهى الأمر باستعادتنا لجزء من سيناء وإعادة سيطرتنا على قناة السويس، فنحن من خرجنا رابحين من الحرب وليس إسرائيل، نحن من أخذنا أرضنا منهم، إلا أن تحييد مصر جنباً أدى إلى محنة الشعوب العربية جميعا، وكان نتيجة المد الإرهابى بالإضافة إلى تدمير العراق ومن بعدها سوريا والبلدان العربية الأخرى تباعًا. وطالب بالاستفادة من هذا الدرس جيدا فإذا كان النصر قد تحقق لنا من الناحية العسكرية بالعبور وتحطيم خط بارليف وصد الهجوم الإسرائيلى وإلحاق خسائر ضخمة بالعدو فإن ما قدم من تضحيات وقتال وبطولات مصرية كثيرة لصد الهجوم الإسرائيلى يتطلب من مصر أن تصحح الاعوجاج الذى حدث فى مسيرة الحركة الوطنية القومية بالتكاتف العربى وتحقيق ديموقراطية حقيقية. وأضاف: للأسف هناك هجوم متواصل على المد القومي، وهذا خطأ يقع فيه الكثيرون فعلى الرغم من أننا لا ننكر أن الفكر الناصرى يتطلب إعادة النظر، لكن هناك ثوابت لابد من العودة إليها ومصر لن يرحمها التاريخ إذا لم تسترد مواقفها وسوف تفقد ومعها المنطقة بالكامل الكثير لأنها وحدها القادرة على إنقاذ سوريا من محنتها، وكذلك العراق وعلينا ألا ننسى أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو قامتا لنفس الأسباب التى قامت ثورة 23 يوليو لأجلها، ولذلك علينا الرجوع لهذه الأهداف وترجمتها إلى هدف سياسى واضح حتى لا نقول انتصر الجيش عسكريا فى الحرب وانهزمت الشعوب فى الواقع. ويرجع الكاتب عبدالله السناوى أسباب ذلك إلى أنه فى حرب أكتوبر 1973 كان هناك فرق كبير بين الجندى المصرى البطل الحقيقى فى الحرب وبين النتائج السياسية والاجتماعية التى ترتبت على إدارة الحرب من قبل السلطة السياسية فى ذلك الوقت. ولهذا تبددت البطولات الاستثنائية التى حققها الجندى المصرى طوال الست سنوات على خط القتال وما قدمه الجنود من أبناء الفلاحين وخريجى الجامعات من تضحيات سواء على الجبهة أو أثناء المواجهات فى قلب المعركة إلى أفواه القطط السمان - بحسب التعبير الشائع فى هذا الوقت - فهم من نالوا ثمرة هذه التضحيات فحققوا ثرواتهم من خلال مشروعات الاستيراد الخاص، أو العمل كمقاولين من الباطن لدى الحكومة، أو استبدال العملة، أو تمثيلهم لمصالح أمريكية. وتابع: لأن ثمار الحرب ذهبت لهؤلاء الذين كانوا فى الخطوط الخلفية، بينما سرقت جوائز النصر من الذين عادوا من الخطوط الأمامية للقتال، سجلت التجربة الوجدانية لهذا الجيل الذى قاتل ولم يحصل على جوائز قتاله فى أعمال أدبية وفنية كثيرة جسدت فيها هموم هؤلاء الذين كسبوا المعارك بشرف فى جبهات القتال، بينما خسروا معارك الحياة عندما عادوا من المعركة مع استمرار السياسات الاقتصادية المتبعة فى تعميق الانقسامات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى كانت - اتفاقية كامب ديفيد - كنتاج لسوء الإدارة السياسية للحرب والترتيبات الأمنية للاتفاقية التى جعلت مصر أسيرة لبنودها ولم تشتمل السيادة المصرية على سيناء تلك المنطقة الحيوية من البلاد، مما أدى إلى تمركز الجماعات الإرهابية داخلها وتمددها. وبالتالى كانت الاتفاقية نتيجة لا تليق بشعب حقق انتصارًا وخرجت مصر منه وانكمشت على داخلها وبدلا من أن تحقق طموح شعبها باللحاق بالغرب والعالم المتقدم تراجعت إلى اللحاق بركب حلفائها من دول العالم الثالث والنامى وبقينا على هذه الحالة لسنوات طويلة. د. طارق فهمى أستاذ السياسة العامة والخبير فى الشئون السياسية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط يؤكد أن حرب أكتوبر كانت ملحمة عظيمة شارك فيها الجنود المصريون، وذلك دورهم الطبيعى لكن للأسف الذين حققوا انتصارات لم يحصلوا على شيء، بينما استغل أصحاب المصالح الضيقة الحصول على مصالح سياسية ومادية بعد الانفتاح الاقتصادى الذى حدث بعد الحرب. أما الأبطال الحقيقيون فلم يحصلوا على التكريم الأمثل بعد الانتصار، بل كان هناك تعمد فى عدم ظهورهم فى وسائل الإعلام والتعتيم على بطولاتهم وتم اختصار المعركة فى أشخاص وتجاهل معاناة الأبطال الحقيقيين وتضحياتهم. فى المقابل كما يكشف د. مختار الشريف الخبير الاقتصادى عن الملامح الرئيسية للأوضاع الاقتصادية فى مصر قبل الحرب، حيث تحمل الشعب الإجراءات القاسية لتحويل الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد حرب واستنزف ذلك ما يقارب نصف ميزانية الدولة التى خصصت من أجل إعادة بناء القوات المسلحة خلال سنوات المواجهة مع إسرائيل. بعد انتهاء الحرب التى كان من المتوقع أن يجنى الشعب بعدها ثمار سنوات الصمود والحرمان جاءت مجموعة من القرارات الاقتصادية منها القانون 118 لسنة 1975 للاستيراد والتصدير، وقانون النقد الأجنبى رقم 97 لسنة 1976، والقانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته بشأن فتح باب الاقتصاد المصرى لرأس المال العربى والأجنبى فى شكل استثمار مباشر فى كل المجالات، بالإضافة إلى نظام الاستيراد دون تحويل عملة وإنهاء العمل باتفاقات التجارة والدفع، مما أدى إلى الانتقال لممارسة التجارة الخارجية على أساس المعاملات الحرة، وأصبح بذلك تخطيط التجارة الخارجية مستحيلًا، وجعل تجارة مصر الخارجية عرضة لقوى السوق وتقلباتها الحادة. وأدت تلك السياسات إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعى للمواطن المصري، وزعزعة سيطرة القطاع العام على القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد القومى وإضعافه وتجزئة الاقتصاد، وظهور مراكز قوى اقتصادية جديدة ونمو وهمى فى الاقتصاد لأنه خدمى بالدرجة الأولى لم تكن الأولوية فيه للقطاعات السلعية كالزراعة والصناعة، وإنما لغير السلعية؛ كالتجارة والتوزيع والمال والإسكان الفاخر والنقل الخاص وسياحة الأغنياء. وأشار إلى أن الاختلالات الهيكلية التى أصابت الاقتصاد المصرى فى أثناء عقود متعاقبة لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة السياسات الاقتصادية التى رسمتها الحكومات السابقة ولهذه الأسباب ظل الاقتصاد المصرى يواجه أزمات متلاحقة حتى قبل اندلاع ثورة 25 يناير وبعدها بفعل عوامل جديدة أثرت سلبياً على الأداء الاقتصادى بجميع قطاعات الدولة. فكان مردود تلك السياسات والإجراءات، تراجع أحوال المواطن المصرى اقتصاديا واجتماعيا وبعدما كان المواطن العادى يحلم بالرخاء الاقتصادى الذى وعد به أنور السادات بعد حرب 73 وتحوله من الاشتراكية للرأسمالية والرهان على دول الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أنه فوجئ أنه بالكاد يحصل على قوت يومه فى أجواء اقتصادية تتضاعف قسوتها يوما بعد يوم ليشعر بأن الحلم صار سراباً وأنه أصبح متخلفًا عن ركب الشعوب.