مصطلح «محاربة الإرهاب» الذى تتاجر به الولاياتالمتحدة لاحتلال الدول لم يعد مصدقا.. استخدمته فى العراق بحجة الأسلحة الكيماوية والآن تسعى لاستخدامه فى سوريا لنفس السبب، وتناست تماما أنها هى نفسها استخدمت الأسلحة الكيماوية وقامت بالعديد من التجارب لأسلحة جديدة فى كل دولة احتلتها، وآخرها العراق، مما خلق جيلا جديدا مشوها بسبب تلك الأسلحة.. كتاب أمريكيون بارزون نددوا بما وصفوه نفاقا أمريكيا لأن الولاياتالمتحدة نفسها كثيرا ما استخدمت أسلحة كيماوية على نطاق واسع فى حروبها! من بين هؤلاء الكتاب «لورانس ديفيدسون» - بروفيسور التاريخ فى جامعة ويست شيستر - الذى كتب فى موقع كونسورتيوم نيوز مقالا قال فيه: إنه فى 31 أغسطس أعلن الرئيس أوباما أنه طلب من الكونجرس إجراء نقاش وتصويت حول مسألة توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وقد عبر عن نظرته للوضع بقوله: هذا الهجوم الكيماوى السورى هو اعتداء على الكرامة الإنسانية واستهزاء بالحظر العالمى على استخدام الأسلحة الكيماوية!
يقول الكاتب أيضا: دعونا لا ننسى أن الولاياتالمتحدة استخدمت فى فيتنام سلاحا كيماويا يسمى العامل البرتقالى ويستخدم أساسا لتعرية أشجار الغابات من أوراقها، وهذا العنصر الكيماوى قتل وشوه ما يقدر بنحو 400 ألف فيتنامى، يضاف إليهم ما يقدر بنحو نصف مليون إنسان ولدوا فيما بعد وهم يعانون من تشوهات خلقية، والعامل البرتقالى فتك أيضا بكثير من الجنود الأمريكيين.. وفى مرحلة لاحقة باعت الولاياتالمتحدة للرئيس العراقى صدام حسين موادا تستخدم فى صنع أسلحة كيماوية وجرثومية، ثم ساعدت جيشه على تصويب هذه الأسلحة بدقة نحو قوات إيرانية وصدام استخدم أيضا هذه الأسلحة ضد الأكراد.
وأضاف: هناك واقع أن صديقتنا المميزة جدا إسرائيل استخدمت قنابل فوسفورية وهى سلاح كيماوى محرم دوليا ضد مدنيين فى غزة، وفى الوقت الذى فعلت إسرائيل ذلك، كان باراك أوباما يشغل المكتب البيضاوى الرئاسى فى البيت الأبيض، وأنا لا أذكر أنه أرسل إلى شرق البحر المتوسط أى سفن حربية أمريكية مجهزة بصواريخ كروز مصوبة نحو قواعد إسرائيلية، الحقيقة هى أنه خلال كل تلك الوقائع، لم يعبر أى أحد فى الحكومة الأمريكية علانية على الأقل عن قلق تجاه ما تكشفه هذه الأعمال عمن نكون كدولة.
ويتساءل الكاتب: أى نوع من البلدان هى الولاياتالمتحدة فيما يتعلق باستخدام أسلحة كيماوية؟ وأجاب الكاتب الأمريكى على نفسه: إننا دولة نفاقية ملطخة بالدم!
وفى موقع «ذا ماجازين» تحدث الكاتب والناشط السلمى الأمريكى جون لافورج عن الولاياتالمتحدة باعتبارها أكثر من يستخدم عنف الأسلحة الكيماوية فى العالم وكتب يقول: ما من بلد على سطح الأرض مذنب باستخدام مواد كيماوية كأسلحة حرب أكثر من الولاياتالمتحدة حتى ضدشعبها.. ففى عام 1997 كشف المعهد الوطنى للسرطان وهو مؤسسة طبية تابعة لوزارة الصحة الأمريكية أن 90 تجربة نووية أجرتها الولاياتالمتحدة فى أراضيها بين 1952 و1957 نفثت فى الجو 150 مليون كورى - وحدة إشعاعية - ووجدت دراسات المعهد أن ما بين 25 و75 ألف حالة سرطان نجمت عن ذلك فى الولاياتالمتحدة كانت 10٪ منها قاتلة!
وفى عام 1991 قصفت القوات الأمريكية جيش صدام حسين فى العراق والكويت بأكثر من 400 طن من اليورانيوم المنضب وهو مادة إشعاعية سمية، وفيما بعد خلال قصف واحتلال العراق عام 2003 استخدمت الولاياتالمتحدة 170 طنا من اليورانيوم المنضب، وقد وجدت دراسة لمنظمة الصحة العالمية زيادات هائلة فى معدلات التشوهات الخلفية لدى المواليد فى جنوب العراق، حيث استخدم اليورانيوم المنضب بكثافة.
وفيما يتعلق بحرب البوسنة اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بأنها أطلقت حوالى ثلاثة أطنان من اليورانيوم المنضب خلال عام 1994 و 1995وخلال حرب كوسوفو عام 1999 أطلقت أيضا حوالى 10 أطنان، واليورانيوم المنضب الأمريكى لوث أيضا قواعد وميادين رماية أمريكية فى أوكيناوا فى اليابان وبنما وبورتو ريكو وكوريا الجنوبية.
إن ذكرى مئات آلاف المدنيين الذين قتلوا أو تسمموا نتيجة لأفعال الولاياتالمتحدة فى العراق وأفغانستان والكويت والبوسنة وكوسوفو والصومال واليمن يجب أن تجعل المولعين بالحرب اليوم يعيدون النظر فى موقفهم.
لم يتوقف إرهاب أمريكا عند شعوب الخارج فقط، بل أصبحت تمارس إرهابها داخليا على أراضيها وضد شعبها، فمنذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 أصبحت السلطة التنفيذية فى الولاياتالمتحدة تجمع سلطات وتدفع لسن قوانين تجيز لها التصرف حسبما تراه مناسبا من أجل التصدى لخطر الإرهاب، ويرى كثيرون من الكتاب والمعلقين والمواطنين الأمريكيين أن هذه الممارسات تنتهك الدستور الأمريكى وتحول الولاياتالمتحدة إلى نظام استبدادى فعلى.
ففى مقال آخر كتبه «جوناثان تورلى» - بروفيسور القانون فى جامعة جورج واشنطن - وعرض فيه عشرة أسباب قال إنها تبين أن الولاياتالمتحدة لم تعد أرض الأحرار كما تحب أن تسمى نفسها والمقال نشر فى موقع «إنفروميشن كليرينج هاوس» وقال فيه إن كل سلطة أمن قومى جمعتها حكومة الولاياتالمتحدة كانت قد أثارت جدلا عندما حصلت عليها بواسطة تشريع، وفى معظم الحالات تطرح هذه السلطات على النقاش بصورة منعزلة، إلا أنها لا تطبق بصورة منعزلة، بل هى تشكل منظومة متكاملة يصبح من الممكن معها جزئيا على الأقل اعتبار الحكم فى بلدنا استبداديا.
ودائما ما يعلن الأمريكيون للعالم كله أن بلدنا رمز للحرية، وهم يؤكدون أن دولا مثل كوبا والصين ليست حرة إطلاقا، ولكن موضوعيا نحن يمكن فقط أن نكون نصف محقين، صحيح أن تلك البلدان تفتقر لحريات فردية أساسية مثل مبدأ المحاكمة وفقا للأصول القانونية، ما يضعها خارج أى تحديد معقول للحرية إلا أن الولاياتالمتحدة تجمعها الآن مع مثل هذه الأنظمة قواسم مشتركة أكثر بكثير مما قد يريد أحد الإقرار به، وقائمة السلطات التى جمعتها حكومة الولاياتالمتحدة منذ اعتداءات سبتمبر 2001 إنما تضعها ضمن مجموعة الدول المثيرة للقلق.
1- اغتيال مواطنين أمريكيين
ادعى الرئيس باراك أوباما مثلما فعل من قبله الرئيس جورج بوش أنه مخول سلطة إصدار أمر بقتل أى مواطن يعتبر إرهابيا أو محرضا على الإرهاب، وفى العام الماضى صدق على قتل المواطن الأمريكى أنور العولقى ومواطن آخر استنادا إلى هذا الادعاء، وفى يوليو الماضى أكد مسئولون فى الإدارة هذه السلطة، وأعلنوا أن الرئيس مخول إصدار أمر باغتيال أى مواطن يعتبره متحالفا مع الإرهابيين.
2- الاعتقال إلى أجل غير مسمى
بموجب قانون وقعه الرئيس أوباما فى يوليو الماضى أصبح الجيش الأمريكى مخولا باعتقال أشخاص يشتبه بضلوعهم فى الإرهاب والرئيس أيضا لديه سلطة اعتقال مواطنين متهمين بالإرهاب إلى أجل غير مسمى، وبينما تدعى الإدارة أن هذا النص لم يفعل سوى تقنين قاعدة موجودة أصلا، إلا أن الخبراء يطعنون على نطاق واسع فى صحة هذا الرأى، ومع ذلك لجأت الإدارة إلى المحاكم الاتحادية لنقض مثل هذه الاعتراضات على سلطاتها والحكومة تواصل الادعاء بأن لها الحق فى حرمان مواطنين من الحمايات القانونية استنادا فقط إلى تقديرها.
3- إقامة العدل اعتباطيا
أوباما أصبح يقرر الآن ما إذا كان شخص سيحاكم أمام المحاكم المدنية الاتحادية أو أمام محكمة عسكرية، وهذا نظام تعرض للاستهزاء فى العالم لخلوه من الحمايات الأساسية لأصول المحاكمات، وقد ادعى بوش فى عام 2001 أنه يملك هذه السلطة، ثم واصل أوباما هذه الممارسة، وهناك دول مثل الصين تعرضت لتنديد أمريكى لأنها أنشأت نظاما قضائيا عسكريا منفصلا من أجل محاكمة متهمين معينين، بمن فيهم مدنيون.
4- تفتيش بدون مذكرات قضائية
بإمكان الرئيس الآن أن يأمر بعمليات مراقبة بدون مذكرات قضائية، بما فى ذلك إمكان إرغام الشركات والمؤسسات على تسليم معلومات تتعلق بمالية مواطنين واتصالاتهم وشراكاتهم، وقد حصل بوش على هذه السلطة المطلقة بموجب قانون الوطنية الأمريكى عام 2001فى حين أن أوباما مدد فى عام 2011 العمل بهذه السلطة، بما فى ذلك تفتيش كل شىء من الوثائق التجارية وحتى سجلات المكتبات، كما يجوز للحكومة استخدام أوامر بداعى الأمن القومى لكى تطلب وبدون إبداء الأسباب من الشركات والمؤسسات تسليم معلومات حول مواطنين وأن تأمرها بعدم اطلاع الطرف المعنى على الأمر، وفى الوقت نفسه تنتقد الولاياتالمتحدة دولا مثل باكستان لديها قوانين تفوض حكوماتها بالقيام بأعمال مراقبة على نطاق واسع استنادا فقط إلى تقديرها واستنسابها.
5- أدلة سرية
الحكومة تستخدم الآن بانتظام أدلة سرية من أجل اعتقال أفراد، كما تستخدم أدلة سرية فى المحاكم الاتحادية والعسكرية، وهى تفرض أيضا دعاوى مرفوعة ضدها، من خلال تقديمها مذكرة تقول إن هذه الدعاوى ستجعل الحكومة تكشف عن معلومات مصنفة سرية، مما يلحق ضررا بالأمن القومى، وهذا ادعاء استخدمته الحكومة الأمريكية لمواجهة دعاوى متعددة رفعها أفراد ومؤسسات، وقد قبله قضاة اتحاديون فى معظم الحالات بدون نقاش، وحتى الآراء القانونية، التى استخدمت كأساس للإجراءات الحكومية خلال إدارتى بوش وأوباما، صنفت سرية وهذا يجيز للحكومة أن تتذرع بحجج قانونية سرية من أجل دعم إجراءات سرية تستند إلى أدلة سرية! علاوة على ذلك، بعض الدعاوى المرفوعة ضد الحكومة لا تصل أبدا إلى محكمة.
6- جرائم حرب
خلال عهد إدارة بوش ضج العالم بالمطالب لمحاكمة أولئك المسئولين عن إخضاع مشتبه بتورطهم فىالإرهاب للتعذيب بالإيهام بالغرق، لكن إدارة أوباما أعلنت عام 2009 أنها لن تسمح بفتح تحقيقات مع موظفى وكالة الاستخبارات المركزية «سى آى إيه» أو إحالتهم إلى المحاكمة من خلال هذا العمل، وشكل ذلك انتهاكا لالتزامات الولاياتالمتحدة بموجب معاهدات دولية، ولمبادئ محكمة نورمبيرج المتضمنة فى القانون الدولى، وعندما تحركت المحاكم فى دول مثل إسبانيا للتحقيق مع مسئولين فى إدارة بوش حول جرائم حرب، أخذت إدارة أوباما تضغط على مسئولين أجانب لكى يوقفوا سير هذه الدعاوى، برغم واقع أن الولاياتالمتحدة ادعت لنفسها منذ زمن طويل السلطة ذاتها من أجل محاكمة مجرمى حرب مفترضين اتهموا بارتكاب جرائم حرب فى دول أخرى.
7- محكمة سرية
أصبحت الحكومة الأمريكية تلجأ أكثر فأكثر إلى محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية، التى وسعت نطاق أوامر القبض السرية التى تصدرها بحيث تشمل أفرادا تعتبر أنهم يساعدونأو يتواطأون مع حكومات أو منظمات أجنبية معادية، وفى عام 2011 مدد أوباما العمل بهذه السلطات، التى تشمل التفتيش السرى لأفراد ليسوا أعضاء فى مجموعة إرهابية قابلة للتحديد، وأعلنت الإدارة أن لها الحق فى تجاهل القيود التى فرضها الكونجرس على عمليات المراقبة هذه. 8- حصانة من المراجعة القضائية
على غرار إدارة بوش، دفعت إدارة أوباما بنجاح لضمان الحصانة للشركات التى تساعد الحكومة فى مراقبة مواطنين بدون أوامر قضائية، مما أعاق قدرة المواطنين على الاعتراض على انتهاك الخصوصية.
9- مراقبة دائما للمواطنين
دافعت إدارة أوباما بنجاح عن ادعائها بأنها تملك سلطة استخدام أجهزة نظام تحديد المواقع العالمى من أجل رصد كل حركة يقوم بها المواطنون المستهدفون بالمراقبة، بدون مراجعة قضائية أو الحصول على أى أمر قضائى.
10- تسليم استثنائى
بإمكان الحكومة الأمريكية الآن نقل مواطنين وغير مواطنين على السواء إلى بلد آخر بموجب نظام يعرف باسم التسليم الاستثنائى، وهذا النظام يتعرض للإدانة على نطاق عالمى واسع لكونه يستخدم دولا أخرى من أجل إخضاع مشتبه بهم للتعذيب، وتقول إدارة أوباما إنها لا تواصل هذه الممارسة التى تعود إلى أيام إدارة بوش، ولكنها تصر على أن لديها حقا غير مقيد فى إصدار أوامر بنقل مثل هؤلاء الأفراد بمن فيهم أمريكيون إلى دول أخرى.
هذه القوانين الجديدة تزامنت مع ضخ أموال فى نظام أمنى متضخم على مستوى الدولة الاتحادية والولايات، بما فى ذلك وضع مزيد من الكاميرات لمراقبة الناس، وتوظيف عشرات الآلاف فى وظائف أمنية، وتوسيع ضخم لبيروقراطية مختصة بتعقب الإرهابيين.
وبعض السياسيين لا يبالون بذلك، ويقولون إن توسيع سلطات الحكومة ليس سوى رد على الظروف التى نواجهها فى هذا الزمن، وهكذا سمعنا السيناتور ليندسى جراهام يقول خلال مقابلة الربيع الماضى بدون أن يعترض عليه أحد: حرية التعبير فكرة عظيمة، ولكننا الآن نخوض حربا وبالطبع الإرهاب لن يستسلم أبدا ولن يوقف هذه الحرب.
وهناك سياسيون آخرون يبررون ما يجرى، ويقولون إن المسألة الجوهرية هى فقط الطريقة التى تمارس بها هذه السلطات الموسعة، وقد تبنى الليبراليون هذا الموقف، وامتنعوا عن إدانة أوباما مثلما أدانوا بوش، وعلى سبيل المثال شدد السيناتور كارل ليفين على أن الكونجرس ليس بصدد اتخاذ أى قرار بشأن الاعتقال إلى أجل غير مسمى، وقال: هذا قرار نتركه حيث يجب أن يكون، بين أيدى السلطة التنفيذية.