كأن شيئا لم يقع، وكأن مدن القناة أصبحت بردا وسلاما، بعد أن كانت نارا وبركانا!.. فالدولة باتت (غائبة) و(مجلس الشورى) لا يصدر إلا تشريعات، أقل ما توصف به (أنها للمصالح الخاصة ذاهبة).. تشريعات تفصيل.. بالمازورة.. على مقاس أصحاب (الأمر والنهى).. لا تفرق بين العمل التشريعى وجلسات اللهو والرغى! فعندما نشاهد مجلس الشورى من الداخل نجد الأمور تبدو أقل من العادية!.. سقط فى بورسعيد وحدها 50 قتيلا وأكثر من 500 جريح وكل ما حدث أن أدان المجلس الموقر أعمال العنف.. ثم كان أن أتاه الوحى والإلهام، وقرر تشكيل لجنة تقصى حقائق لمعرفة المتسبب فى الأحداث من أعضاء لجنة الأمن القومى.. بينما سارعت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإقرار الطوارئ فى المدن الثلاث! وبعد يوم واحد فقط من موضوع الأحداث.. وبالتحديد يوم الأحد (27 يناير)، شهدت الجلسة العامة للمجلس برئاسة الدكتور أحمد فهمى تغييرا لجدول الأعمال.. الذى كان مقررا أن يبدأ بمناقشة قرار رئيس الجمهورية بتعيين هشام رامز رئيسا للبنك المركزى. ورغم أنه كان من المقرر مناقشة الأحداث مع وزير الداخلية.. فإن المفاجأة الكبرى أن وزير الداخلية لم يحضر، فضلا عن هشام رامز نفسه محافظ البنك المركزى الجديد! وفى حين أبدى بعض الأعضاء اعتذارا منهم عن غياب الوزراء والمسئولين لمناقشتهم فى الأحداث المتعلقة باختصاصاتهم، كان أن استمر المجلس فى أعماله كأنهم بين الجمع حاضرون!.. ووافق المجلس على تعيين هشام رامز محافظا للبنك المركزى إعمالا لنص المادة 202 من الدستور الجديد التى تقضى بأن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وبدلا من أن تستغرق أحداث بورسعيد المشهد.. كما هو مفترض فى أى مجلس تشريعى ويحترم أبناء بلده، ويحرص على حقن دمائهم، انشغل المجلس بمشروع قانون تنظيم المظاهرات! وعندما استعرض النواب (ممثلو الأحزاب) أحداث (مدن القناة) بورسعيد والإسماعيلية والسويس دون تقديم حلول تذكر، كان أن انتهت جميعها بإلقاء بيان وإحالة الموضوع إلى لجنة الدفاع والأمن القومى التى قررت تشكيل لجنة لزيارة المدن الثلاث يوم الأربعاء الماضى 30 يناير.. لكنها أجلت - بعد ذلك - الزيارة لعدم تمكنها من الدخول! واستمرت جلسات لجنة المجلس، فى الأيام التالية كما هى.. فعلى سبيل المثال ناقشت لجنة حقوق الإنسان يوم الأحد الماضى- وهى الوحيدة التى فعلت ذلك- تشكيل لجنة تقصى حقائق حول أحداث بورسعيد والسويس. أما لجنة الإسكان والمرافق برئاسة عبدالعظيم محمود.. فقد ألغت اجتماعها الذى كان مخصصا لمناقشة أزمة إخلاء عمارة بمنطقة الشيخ زايد بالإسماعيلية من سكانها وعدم وجود مأوى لهم لعدم حضور المحافظ الذى انشغل فى الأحداث! أما لجنة التعليم والبحث العلمى.. فقد ناقشت توظيف حملة الماجستير والدكتوراه فى الجهاز الإدارى للدولة واستمرت المناقشة لأكثر من ساعتين ونصف الساعة بشكل عادى جدا. كما ناقشت لجنة الزراعة والرى برئاسة سيد حزين عملية الإغراق التى تتعرض لها البلاد فى استيراد الدواجن المجمدة وطالبوا برفع الضريبة إلى 60٪ على السلع المستوردة التى لها بديل وافر.. فى حين أن لجنة الثقافة والإعلام والسياحة ناقشت قانون حرية تداول المعلومات.. وطالبت بضرورة تصنيف للمعلومات وفقا لسريتها.. وفى اليوم التالى (الاثنين) ناقش المجلس قرار رئيس الجمهورية رقم 45 لسنة 2013 الخاص بفرض حالة الطوارئ فى مدن القناة لمدة 30 يوما، بعد أن التزم المجلس بجدول الأعمال وناقش فيه موضوع الأمن الدوائى.. وأعلن الدكتور أحمد فهمى أنه تلقى بالأمس مشروع القانون المقدم من مجلس الوزراء بخصوص اشتراك القوات المسلحة فى مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية فى البلاد.. وأعلن فهمى أن اللجنة المشتركة من اللجنة التشريعية ولجنة الأمن القومى بدأت من الأمس فى مناقشة مشروع القانون وانتهت اللجنة بالموافقة عليه فى الوقت الذى ناقشت فيه لجنة التعليم والبحث العلمى رفض تشكيل المجلس الوطنى للبحث العلمى، الذى أصر وزير التعليم العالى الدكتور مصطفى مسعد والذى حضر جلسة لجنة التعليم على رفضه.. فيما استمرت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة فى مناقشة قانون حرية تداول المعلومات. ما دار فى مجلس الشورى خلال هذا الأسبوع وخطة الدكتور محمد محيى الدين عضو المجلس بالتعيين داخل جلسة المجلس العامة يوم الأحد الماضى عندما وقف مؤكدا أن مجلس الشورى فى واد وما يدور فى البلاد فى واد آخر.. ورفض محيى مناقشة المجلس تقرير لجنة الصحة عن أسعار الدواء.. بينما تحيط بالمجلس المظاهرات، مؤكدا، رغم أهمية الدواء للبلد، أن أمن مصر أهم بكثير.. فما كان من أعضاء المجلس التابعين ل (حزب الحرية والعدالة) الذراع السياسية للإخوان المسلمين، إلا أن استقبلوا حديث محمد محيى بالاعتراضات الشديدة! فقال محيى إنه كان يأمل أن يخصص مجلس الشورى كل جلسات هذا الأسبوع (العصيب) لمناقشة الأحداث التى تمر بها مصر وكيفية الخروج من هذا المأزق شديد الخطورة على البلاد.. فالمواطن المصرى البسيط أصبح لا يشعر بالأمن والأمان.. فعندما يستمع لمناقشات الشورى عن الدواء أو عن غيرها من المشكلات التى تناقش فى المجلس وهو يرى أن البلاد على حافة الهاوية.. فإنه يدرك تماما أن هذا المجلس فى واد والبلاد فى واد آخر ويزداد سخطه على مجلس الشورى. ناجى الشهابى عضو مجلس الشورى ورئيس حزب الجيل.. قال لنا: مجلس الشورى كان يستطيع أن يفعل الكثير وكان يستطيع أن يجعل جلسات هذا الأسبوع لمناقشة كل الأحداث الجارية فى البلاد وكيفية الخروج منها والمتسبب بها، خاصة أن الجميع كان يعلم أن هناك مشكلة كبيرة سوف تحدث حال صدور الحكم سواء بالإعدام أو البراءة، وكان يجب على المجلس أن يخصص كل جلساته لحل هذه الأزمة التى تتفاقم يوما بعد يوم، خاصة أنه المجلس الوحيد الآن بالبلاد.. لكن شيئا من هذا لم يحدث! ومع ذلك، كان لنواب (الحرية والعدالة) رأى آخر!.. إذ قال صبحى صالح عضو المجلس ولجنته التشريعية إن المجلس فور وقوع الأحداث غير من جدول أعماله.. وأصدر بيانا عاجلا، ووقف حداداً على أرواح الشهداء! واعتبر صالح أن مناقشة فرض الطوارئ لم تكن إلا انعكاسا لهذا الأمر، إذ كونه لجنة من أعضاء لجنة الأمن القومى للذهاب إلى المدن الثلاث وكتابة تقرير للمجلس عن الأحداث!.. وهى اللجنة التى قالت إنها لم تتمكن من دخول مدن القناة فيما بعد! وأكد صالح أن الأمور يجب أن تسير.. فلجان المجلس يجب أن تعمل وأن هناك مشكلات لجميع المواطنين، ويجب أن تحل، ويجب أن يناقشها المجلس ولا يقف عند مشكلة واحدة حتى تسير الأمور فى البلاد للحفاظ على حقوق الجميع، على حد وصفه! إذ ينتظر البسطاء حل مشكلاتهم هم الآخرون.. ورغم أن هذا المنطق يفتقد لآليات ترتيب الأولويات، فإن صالح رأى أن هناك من يحاول أن يتصيد الأخطاء للمجلس، لإظهاره على غير حقيقته!.