اللواْ أ.ح عبد المنعم سعيد محافظ جنوبسيناء الأسبق وأحد قادة حرب أكتوبر: في حرب أكتوبر امتزجت دماء المسلمين والمسيحيين معاً
روح أكتوبر هي السبب الحقيٍقي وراء النصر.. هذا ما أجمع عليه أبطال أكتوبر، ومنهم اللواء أ.ح عبدالمنعم سعيد- محافظ جنوبسيناء الأسبق، وأحد قادة التخطيط لحرب أكتوبر. تقابلنا معه ليحكي لنا أهم صفات روح أكتوبر.. وليروي لنا ماذا حدث في غرفة العمليات يوم 6 أكتوبر 73. صف لنا مناخ غرفة العمليات الحربية يوم 6 أكتوبر؟ في البداية أخطرتنا القيادة بضرورة الاجتماع يوم 3 أكتوبر وبعدها مكثنا أسبوعًا بأكمله لا ندخل ولا نخرج، وقمنا بتسريب معلومات توضح أننا قائمون علي مشروع حتي تكتمل خطة الخداع. وبالفعل أظهرنا أوراق هذا المشروع، لكن بمجرد أن انتشرت المعلومات سحبنا هذا الورق الوهمي ووضعنا أوراق الحرب. بعد ذلك اجتمعنا مع وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل، ورئيس الأركان الفريق الشاذلي، ورئيس هيئة العمليات الفريق الجمسي، وبقينا علي هذا الحال حتي وصل الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر 73 قبل الحرب بساعة. سألنا: أنتم صايمين؟ فقلنا نعم، فاستكمل كلامه: هناك فتوي بالإفطار إذا أراد أحد أن يفطر، لكننا صممنا جميعاً علي الصيام. بعد ذلك قال الجمسي: لقد سبق السيف العزل. وما إن جاءت الساعة الثانية بالضبط، حتي كانت القوات الجوية تضرب العدو في العمق. أعقبتها المدفعيات التي ضربت جميع النقاط القوية واستمرت 53 دقيقة ثم بدأت بعدها قوات المشاة في العبور. وفي نفس الوقت عبر الجيش ليفك الساتر، في حين أن الدفاع الجوي كان يؤدي دوره. وكل هذه الأسلحة كانت تعمل وفق خطة متكاملة، فحرب أكتوبر عبارة عن سيمفونية عزفتها القوات المسلحة بأفرعها المختلفة هدفها أولاً تدمير خط برليف والاستيلاء علي نقطه القوية حتي يسهل للمشاة العبور. وظل الأمر علي هذا الحال حتي يوم 14 أكتوبر حيث بدأت عمليات التطوير والتي حصلنا فيها علي رءوس كباري، وكسبنا المعركة وانتصرنا بفضل الله. في رأيك .. ما سر نجاحنا في أكتوبر؟ سر نجاحنا في أكتوبر هو تمسكنا بروح أكتوبر.. وقد يسأل سائل: وهل لأكتوبر كشهر عظيم روح؟ فأجيب: نعم، إنها تلك الروح التي جمعت وألفت كل أرواح الشعب المصري إنها الروح التي انبعثت في نفس كل مصر إنها الروح التي عبرت عن النزعة الوطنية لدي شعب مصر البطل. ولروح أكتوبر صفات، عندما اتصفنا بها جميعاً سواء قوات مسلحة أو شعب، انتصرنا وكسبنا المعركة، وأهم هذه الصفات: أولاً: الإيمان العميق بالله: ويشهد علي ذلك أن كل جندي في قواتنا المسلحة آمن إيماناً عميقاً بأنه لابد من اللجوء إلي الله سبحانه وتعالي حتي يتحقق النصر، وقد اهتمت الوحدات العسكرية بإقامة الشعائر الدينية وعقد اللقاءات الدينية للضباط والجنود سواء إن كانت شعائر إسلامية أو مسيحية. ولا ننسي أنه مع بدء الحرب علت كلمة «الله أكبر» بين صفوف المقاتلين دون توجيه أو اتفاق سابق، فاهتز لها خط بارليف بما فيه من تحصينات وتقويات، فكانت أقوي وأشد من تأثير القنابل والصواريخ. أما الصفة الثانية فهي حب الوطن والولاء له: فقد ظهرت وبرزت النزعة الوطنية بين الجميع واستشعروا أن وطنهم في محنة وواجبهم هو بذل الروح والدم فداء له، فرددنا جميعاً شعار: مصر دائماً وأولاً، ولقد تعاظمت الوحدة الوطنية في أسمي معانيها وامتزج دم المسلم والمسيحي علي أرض المعركة، فالوطن غال علينا جميعاً. والصفة الثالثة: التفاني في أداء الواجب: وهذا حدث عندما تكاتف الجميع في تحقيق النصر، وأدي كل فرد دوره علي أكمل وجه وتشهد معارك أكتوبر أن العديد من المقاتلين كانوا يتمسكون باستمرار تنفيذهم للمهام المكلفين بها بالرغم من إصابتهم ويفضلون علاجهم في نفس موقع إصابتهم عن الذهاب إلي المستشفيات لعلاجهم. والصفة الرابعة: هي التفاف الشعب حول القوات المسلحة وتدعيمهم لها وهذا حدث منذ 67، فقد قامت جماهير الشعب بوعي عال، ومرتفع بتقديم مشاركتها في مواقع الإنتاج والعمل، ووقف الجميع وقفة رجل واحد يدعمون العمل العسكري حتي تحقق النصر، ومن الحقائق المثيرة أن سجلات وزارة الداخلية تؤكد أن شهر أكتوبر عام 73 لم يشهد حادثًا واحدًا في أي بقعة من أرض مصر، وهذا يدل علي أنه حتي أصحاب السوابق والإجرام كان تصرفهم إيجابياً في هذا الشهر. والصفة الخامسة دقة الإعداد والتخطيط للعمليات الحربية، فقد تم إعداد الدولة وشكلت لجان بكل وزارة تتولي تنفيذ دورها ومسئولياتها تجاه الحرب، كما قامت القوات المسلحة بإعداد قواتها وتدريبها والتخطيط للحرب في ضوء الإمكانيات والقدرات المتاحة، فقد أصبح الجميع علي أهبة الاستعداد - وكل ذلك تم في سرية تامة حتي يمكن تحقيق المفاجأة الاستراتيجية والتي تحققت بالفعل. أما الصفة الأخيرة هي قدوة القيادات فمن الملامح البارزة في حرب أكتوبر ضرب القادة القدوة والمثل لمرءوسيهم فكانوا يتقدمون علي جنودهم، ويقاتلون معهم في الصفوف الأمامية ويستشهدون بينهم، والدليل علي ذلك هو أن نسبة الخسائر بين صفوف القادة كانت أعلي من المعدل. وبهذه الصفات استعدنا الأرض، وقهرنا الجيش الذي أشاع عن نفسه أنه لا يقهر. ما رأيك في معاهدة كامب ديفيد؟ معاهدة كامب ديفيد شيء جميل، والأجمل أننا قمنا بها ونحن منتصرون، وكانت فكرة السادات من البداية. فعندما أعلنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، قام بإعداد القوات المسلحة لاسترداد سيناء، لكن الأسلحة كانت أقل من أسلحة العدو. وقد سار الرئيس الراحل أنور السادات علي نفس المقولة، لكنه فسر القوة بطريقة مختلفة، فالدولة لها عدة قوي، قوة عسكرية وقد استخدمها في الحرب، وقوة دبلوماسية واستخدمها بتأييد الرأي العام لنا، وقوة اقتصادية، واستخدمها في سلاح البترول ومنعه عن الأعداء، وقوة شعبية وكانت تكمن في التفاف الشعب حول القيادات. بقيت قوة واحد هي التي لم تكن قد استخدمت وهي القوة السياسية، والتي استخدمت عن طريق معاهدة كامب ديفيد واسترددنا باقي الأرض، فقد تم تحرير سيناء بالحرب والسياسة والتحكيم. كلمة تهديها لنفسك، ولأبطال أكتوبر في أعياد انتصارات أكتوبر؟ - أقول: إننا عندما نتحدث عن أكتوبر العظيم، فإننا نعبر بها مجازا عن كفاح أبطال هذا الشهر، وعن الصفات التي تحلوا بها والمهام العظيمة التي قاموا بها، واستعدوا لها. فأنتم أيها الأبطال: «جيل أكتوبر العظيم».. أنتم الجيل الذي شارك وساهم وحارب وحقق نصر أكتوبر 73.