اقتحم أستاذنا الدكتور عبدالمنعم سعيد ما جرى فوق أرض مصر منذ عام 1978 تحت عنوان رسالة العمران، فى محاولة جادة لإقناع القراء بأن هذه الوثبة العمرانية أفضل بكثير من ترك الأرض بائرة! وهذا أمر رائع وجدير بالاهتمام والاحترام والتقدير. ولكن ما فات أستاذنا فى رؤيته الشاملة أنها اقتصرت على العمران العقارى سواء كان للفقراء أو الأغنياء أو متوسطى ومحدودى الدخل، وفاته أن الأصل فى رسالة العمران هو ما جرى فى مصر عبر التاريخ. وحتى نستطيع أن نتفق حول رسالة العمران علينا أن نعود إلى الوراء آلاف السنين فنجد أن العمران العقارى كان يحتل شريطا أو حيزا ضئيلا فى مدخل القرية، وتمتد الحقول الزراعية على مدى الشوف أو البصر بعد ذلك. وأيضا عندما خاض البناءون العظام فى العصور الفرعونية بناء المعابد والبيوت والمقابر لم يهملوا الأرض الزراعية ولم يلوثوا النهر! هل تذكر يا دكتور عبدالمنعم سعيد هذا التوجه العمرانى على مر العصور والتنمية الزراعية أولا ثم العقارية! لكى يجد الفلاح المصرى مسكنا له وللثروة الحيوانية التى تخدمه. وقصة سيدنا يوسف التى وردت فى التوراة وفى القرآن الكريم تحدثت عن التنمية الزراعية وبناء المخازن والمنازل والبيوت الصغيرة والمقابر باهتمام يعطى الأولوية للتنمية الزراعية أى للإنتاج يا دكتور عبدالمنعم سعيد وليس للاستهلاك والترفيه وأحيانا الاستغلال!! لا يا أستاذنا الفاضل إننا لا نريدها بائرة ولكننا نريدها منتجة لتسد الفجوة التى حدثت فى مجتمعنا نتيجة زيادة السكان. التنمية العقارية يا سيدى الفاضل التى جرت على سواحل وشواطئ مصر، والتى جرت فوق الأرض الصحراوية غربا وشرقا وفى سيناء ليست عمرانا، ولكنها رسالة ناقصة للعمران، فالعمران فى الأساس هو الإنتاج وزيادة الإنتاج وليس بناء الشاليهات والفيللات، والفنادق والمنتجعات والقرى السياحية! إنما استثمار الأرض فى الزراعة أولا ثم إقامة الصناعات المكملة للإنتاج الزراعى، وإقامة عمران يوفر للعاملين المسكن والملجأ، وأيضا الحوش والزريبة للحيوانات المنتجة والتى تكمل رسالة العمران. والمعلومات التى ذكرتها فى مقال رسالة العمران، والتعقيب الذى كتبته فيما بعد حول ردود الأفعال رغم أهميتها ناقصة، ذلك أن الذين حصلوا على الأرض يا سيدى الفاضل تقدموا بطلبات يؤكدون فيها عزمهم على التنمية الزراعية والإنتاج وليس الاستثمار العقارى فقط!! وعندما حصلوا على الأرض استثمروها عقاريا وأهملوا الاستثمار الزراعى والإنتاجى الذى باسمه حصلوا على آلاف الأفدنة وملايين الأمتار، واهتموا بالشاليهات والفيللات وأهملوا الزراعة والتنمية الزراعية. ومن هذا المنطلق نشأت المشكلة. يا أستاذنا الفاضل أسألك البحث والتحرى وقراءة المذكرات التى على أساسها تم تخصيص الأرض وراجع ملف القرى الأربعة آلاف التى أعلن الرئيس مبارك عن إنشائها فى الظهير الصحراوى الشرقى والغربى! راجع يا أستاذنا التخطيط العمرانى الذى وضعته اللجنة العليا للتخطيط العمرانى والتى يرأسها عالم من علماء التخطيط العمرانى وهو الأستاذ الدكتور أبوزيد راجح، ومن أعضاء هذه اللجنة العليا المهندس المعمارى المعروف صلاح حجاب وسوف تكتشف يا أستاذنا الفاضل أن الاهتمام بالتنمية الزراعية ورقة تسهل الحصول على الأرض لاستثمارها عقاريا وهذا ليس من العمران فى شىء بل إنه عبء على الاقتصاد المصرى جعلنا ننصرف إلى الاستيراد والحصول على عمولات لشراء السيارات الفارهة والفيللات الفاخرة وبناء القصور الشامخة وإهمال التنمية! لعلك سمعت يا أستاذنا عن رؤية الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى أراد إعطاء الأرض فى جنوبسيناء للجنود الفلاحين الذين خاضوا حرب أكتوبر وانتصروا وعبروا، وكان يريد زراعة الأرض فى سيناء وبناء مجتمع سكانى يعمر ويزرع ويقيم التنمية العمرانية على أساس اقتصادى سليم، ولكن ضاع هذا الفكر وحل مكانه فكر المنتجعات والقرى السياحية. ولعلك أيضا عرفت أن الرئيس السادات اتجه إلى بناء المدن الجديدة بناء على خطة واضحة وهى التنمية الإنتاجية وليس العمرانية فقط. راجع التخطيط العمرانى لهذه المدن وراجع التخطيط العمرانى للقرى فى الظهير الصحراوى وراجع المشروع الذى فكر فيه عالمنا الكبير الدكتور فاروق الباز واسمه «ممر التنمية» ثم بعد ذلك أرجوك يا أستاذنا أن تراجع المحافظات ووزارة الزراعة وأسألها لمن خصصت الأرض فى الظهير الصحراوى؟! وفى أى الأغراض تجرى الآن المخططات للعمران؟ للاستثمار العقارى أم للاستثمار الزراعى والإنتاجى كما دعانا الرئيس مبارك؟! يا أستاذنا الفاضل أرجوك راجع ما كتبته حول رسالة العمران على أرض الواقع وحاول اكتشاف من المسئول عن عدم تنفيذ التنمية والاستثمار الزراعى، وقم بزيارة مركز البحوث الزراعية وحاول أن تفتش فى وزارة الزراعة عن الذى أوقف الإرشاد الزراعى واسأل فى وزارة الإسكان عن الذى يشجع ارتفاع سعر الأرض بحجة الحصول على الأموال من الأغنياء لصرفها على مساكن الفقراء!! إن الأغنياء يحصلون على الأرض ويستثمرون فى العمران العقارى فقط، ويهملون الاستثمار فى التنمية الزراعية، وهى التى سوف توفر ما نحتاج إليه بدلا من استيراده. راجع المعلومات يا أستاذنا ستكتشف الجريمة!!