برحيل الفنان السورى الكبير صباح فخرى الذى وافته المنية الثلاثاء 2 نوفمبر 2021 عن عمر 88 عامًا فى مشفى الشامى بدمشق، والذى تربع على عرش الأغنية العربية مَا يَرْبُو عَلَى سبعة عقود من الزمان كأمير متوّج لا ينازعه على سدة الإمارَة منازع، ولا ينافسه فى نهر الإبداع المتدفق رافد، تكون الأغنية العربية قد فقدت أحد عمالقتها العظام، وفقدت مدرسة القدود الحلبية أباها الروحى. وقد كان لنا حوار صحفى قبل رحيل الفنان القدير صباح فخرى مع نجله الفنان أنس فخرى: ننفرد اليوم بنشره. تحدث نجل الفنان الراحل صباح فخرى، الفنان أنس فخرى عن اللحظات الأخيرة فى حياة والده خلال تواجده فى المستشفى، أن والده عانى قبل يومين من وفاته على إثر مشاكل فى الرئة أدت إلى الوفاة. مؤكداً «أن لحظاته الأخيرة كانت جداً هادئة، عاش عزيزاً ومات عزيزاً وكان بكامل وعيه لآخر لحظة وكان دائماً حاضراً وموجوداً كعادته».وأضاف أنس: «كان صباح فخرى وبقيّ صباح فخرى وسيبقى صباح فخرى. كان الأسطورة الحيّة القادرة على القيام بما لا يقدر البشر العاديين على القيام بها. والآن بات أسطورة حلب».ولفت إلى أنه لم يترك أى وصية خاصة له و«آخر ما قال لى الله يرضى عليك». لك أن تحدثنا عن علاقة الصداقة الراقية التى جمعت الوالد بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذى قال له ذات يوم : «أنت لو جيت مصر حتقعد المطربين فى البيت»، ولدرجة دفعته أن يرثيه عند رحيله، قائلاً: فقدت مصر أحد أهراماتها؟ - كانت علاقة احترام متبادل وبها الكثير من الأحداث، حيث كان سعادة اللواء الدكتور محمد عبدالوهاب يأتى ليصطاف فى سوريا فى بلودان وفى شتورا وبحمدون فى لبنان، حيث أتاح ذلك الفرصة للقاءات متكررة بين الهرمين كل صيف، وهناك كما ذكرت قصص كثيرة حصلت بينهما. صباح فخرى توّج الموال ووصل به إلى مكانة لم يصلها غيره وارتفع بمستوى الأغنية الشعبية فجاورت القصيدة، هل تعتقدون أنكم قادرون على استكمال هذه المسيرة الفنية بنجاح؟ - نحن نحاول، ندرس، نعمل، والوقت والقرار للجمهور الكريم، لكن هناك أسس ومبادئ لكل شىء أى فى المثل الشعبى: «المكتوب مبين من عنوانه» ونحن بشهادة كل أساتذتى ابتداءً من الأسطورة الحيّة قادر ونستطيع والوقت هو الحكم بيننا.
مع رفيقة عمره وابنه أنس
ماذا أضاف العملاق الأسطورة صباح فخرى لتكوينكم الفنى؟ - الكثير الكثير الكثير. هذّب ذائقتى الفنيّة وخياراتى. وساعدنى على الاطلاع على مراجع غنيّة وثريّة. كما أن واقع أنى ابنه أتاح لى التعرف على أعلام وأساطين الموسيقى العربيّة والعالميّة، وكذلك أهم المسارح والإذاعات والصحافة وكل ما يتعلق بالعمليّة الفنيّة ابتداءً من الدراسة وصولًا للأداء انتهاءً بالإنتاج. قد يتهمك البعض بأنك تفرض وصايا وقيودًا على الأسطورة صباح فخرى، لدرجة أنك قمت بحرمان أشقائك من رؤية والدهم؟ - اتهام باطل. الحجّة على من اتهم فليأتوا بدليل. تعرضت للانتقادات مؤخرًا ووجهت إليك تهم قاسية بسبب تعمدك إهانة بعض الفنانين خلال أحد البرامج التليفزيونية؟ - أنا أكبر من ذلك ومعروف عنّى أنى شخص مهذب وصاحب منطق والإهانات ليست أسلوبى لا المتعمد ولا غيره سواء مع الفنّانين أو غيرهم. ما حصل كان ردّة فعل على فعل ارتكبوه هم وأنا لم أجرّح، ولكن وصفت كل شخص بما فيه بعيدًا عن شخصنة الموضوع. وفى حال كان أى واحد لديه اعتراض فليذهب إلى المحكمة وأنا أعرف كيف أحصّل حقى هناك. ماذا عن مسيرتك الغنائية إذ نراك تبتعد لفترات عن الغناء؟ - أنا فنّان صاحب رسالة. شبّاك التذاكر لا يعنينى فى شىء. الشهرة والانتشار التجارى كذلك. أنا أعمل على مشروع طويل الأمد. خياراتى دقيقة جدًا وكونى أستعد لأكون خليفة صباح فخرى الحقيقى، فعلى أن أنشئ نمطًا خاصًّا بى من ضمن المدرسة الحلبيّة ومدرسة صباح فخرى، وهذا يحتاج لوقت وجهد وعمل دءوب وثقافة عالية. سبق أن صرحت فى وسائل الإعلام أن لبنان له الفضل على صباح فخرى فى ستينيات القرن الماضى، وفيه بدأ هو يعمل على مشروعه لأن هنا يتم تحضير الفنان ومظهره بشكل مرتب، لكن لا بد أن يمر بمكنة الإعلام المصرى التى يعتبرها الأقوى على الإطلاق، هل يمكن أن تحدثنا عن دور مصر ولبنان فى انطلاق مسيرة الأسطورة صباح فخرى؟ - الأسطورة الحيّة صباح فخرى طفرة وحالة خاصّة لم ولن ولا يتبع للقوانين التى تحكم باقى الفنّانين الآخرين سواء من سابقيه أو معاصريه أو من أتى بعده. لبنان بلد الأصالة كما حال تونس. بلد يقدّر ويعشق الفن الأصيل، لذلك صباح فخرى لديه رصيد عظيم فى هذا البلد المعطاء وغيره من البلاد العربيّة الحبيبية، لكن قرب لبنان من سوريا جعله خيارًا قريبًا ومتاحًا ليقدم صباح فخرى إبداعاته فيه، حيث إن هناك الكثير من الإخوة اللبنانيين فى بلاد المغترب وخصوصًا فى الأمريكتين هذا الأمر ساهم بتسريع دعوة الأسطورة الحيّة فى الستينيات والسبعينيات لتقديم الحفلات هناك، وبالتالى حقق له انتشارًا عالميًا لما لاقاه. من استحسان الجمهور الحبيب كالعادة. صباح فخرى لم يغن لشعراء الخليج باستثناء الوزير الدكتور عبدالعزيز خوجة، فماذا كان يفضل من الشعراء للعمل معه؟ - صباح فخرى غنى عيون الشعر العربى من كل العصور. لكل الشعراء. تفضيله الوحيد كان للكلمة التى تمسه من داخله لأنه هو المسئول عن تلحينها. هذا كان هو المقياس الوحيد لاتخاذه هذا القرار. ناهيك عن الترابط والجزالة وقوة الصياغة بالتأكيد. فغنى للعديد من الشعراء المعاصرين من كل الوطن العربى كما لشعراء كل الحقب الشعريّة كما أسلفنا الذكر.
مع ابنه ومجموعة من الأصدقاء
يصف صباح فخرى حفلاته فى القاهرة بقوله: «كل حفلة كانت أحلى من الثانية»، و«الشعب المصرى يعشق الفن ويقدره ويحبه، وكان يحضر خصيصًا لسماعى، ودائما يقولون ما يقدمه صباح فخرى هو الفن الحقيقى»، وحول استقباله الحافل من قبل الجمهور بمهرجان الموسيقى العربية يقول: «دائمًا القاهرة منورة بالمصريين وبفنها وبأهلها، وحب الجمهور ليس كمثله حب». فلماذا لم يستقر فى مصر؟ - أعتذر عن الإجابة على هذا السؤال. ماذا فعل أنس ابن الفنان الكبير صباح فخرى بوالده؟ سؤال طرحه كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعى، بعد انتشار فيديو للابن وهو يمسك بيد والده الذى كان يغنى فى إحدى الحفلات بصوت ضعيف، وجسم هزيل بالكاد يقوى على حمله؟ - أنس ترك حياته وشركته وعمله وزوجته وفنّه بكل سرور ليجلس تحت قدمى صباح فخرى وأم أنس ليحافظ على صحتهما وألقهما. وهنالك العديد من الدلائل من صور وفيديوهات وفواتير مشافى. من المعيب أن أتكلم ماذا فعلت لوالدى أولًا لأنه واجبى. ثانيًّا لأنى مسرور بما أفعل. وثالثًا لن أمنّ على أهلى بخدمتى لهما. ومن لديه رأى آخر فهو ظالم وأسأل الله أن يأخذ لى حقّى من كل هؤلاء الذين يتهموننى بالباطل.