هذا المسلسل الذى أعتذر عن استعارة عنوانه.. والذى ابتدأ عرضه بعد 10 سنوات من قصتى مع فاطمة، مثلما أحب هذا الحديث مع التقدم فى السن ومع كثرة الهزائم عامة. لكن ما الحب؟ هل هو احتياج جنسى، هل تتشابه فيه النساء؟ بمعنى أى ست تسد هذه الحاجة.. هل يقل الشعور بالحب مع الوقت؟ فى الحقيقة لا أعرف إجابة ولا أظن بأن أحدًا يعرف، لكننى متأكد أنه قابل للصناعة، قابل للتعلم بمعنى أنه قابل للنمو بشرط الصراحة بين الطرفين، لكن تظل للحب الأول حلاوة الحديث عنه، عن تلك التى لم تتزوجها أو تعيش مع رجل آخر، حتى ولو سبقها حب آخر بمجرد بلوغ الإنسان – غالبًا تكون بنت الجيران- هذه العطية من السماء لإنسان الأرض.. بالمناسبة طلبت زوجتى السابقة التعرف إلى فاطمة فما كان منى إلا أن عرفتهما ببعضيهما ولم تصبحا صديقتين أبدًا.. إنما ظلتا فى هذا اللقاء تنظران وتتفحصان بعضيهما بالعين لدقائق. مرة أخرى.. ما الحب؟ ذلك الذى تتدخل فى صنعه عوامل اقتصادية كثيرة: أهو ذلك الذى أقسم الفتى على أنه مش هيدخل الامتحان إلا لما «يخطبوله فلانة»، هذا تعبير مرضى يجد طريقه عبر الامتحان، حتى إن زميلًا قال لى، كنت أحب فلانة.. ولكننى بعد سنوات وجدتها وقد تزوجت صاحب محل فراخ جالسة فى المحل تذبح وتنظف الدجاج، فحمدت الله أننى لم أتزوجها، قلت له على سبيل استفزازه لمزيد من الكلام، يمكن لو كنت تزوجتها كان حالها تغير.. وحالك أيضًا.. قال:لا أعتقد. يلى ذلك حب المراهقة ثم حب الجامعة، ثم حب ما بعد الجامعة حتى ليقسم الإنسان فى كل مرة أنه أحب. حدث أن انضممت إلى أحد التنظيمات السرية فى سنين الجامعة.. ولما وصلت أحد الاجتماعات الحزبية متأخرًا سألنى المسئول عنى.. «هه، تأخرت بسبب فاطمة؟.. فقلت له أيوه، فحرمنى من اجتماعين تنظيميين. قلت له: المرة الجاية هتوقفنى وارفع إيدى ع الحيطة.. فقال.. أيوه.. من ساعتها عرفت أن هذا البناء الحزبى فيه حاجة غلط.». فهمت أن الأخلاق السائدة هى من صنع الوهابية، الخمر حرام.. النساء حرام.. لحم الخزير حرام.. وأن الضمير الإنسانى مصنوع من أخلاقيات دينية، الأمر الذى نسفه نسفًا الجيل الحالى، جيل لا يعرف أبدًا ما الحب.. جيل لا يصبر على اشتهاء، جيل ضائع فعلًا، لأنه من صنع وسائل التواصل الحديثة، جيل النت، الجيل الذى يستعير هموم وشواغل مواطنى أوروبا وأمريكا بدلًا مما يعانيه هو.. وما يعانيه هو كيفية التعبير عن مشاعره.. كيفية أن يكون نفسه.. ياااه، كم اغتربنا حين أصبحنا جزءًا من العالم الكبير. ثم يجيىء الغزو فكريًا.. الوهابية الصحراوية تغزو أفكارنا ومشاعرنا بأن تجعل للإنسان شخصيتين يواجه بالقناع العالم أو المجتمع.. وليفعل فى بيته أو فى السر ما يشاء. حكت لى صديقة أقامت فى هذا المجتمع لمدة ربع قرن – أن النساء يفعلن كل شىء.. يقمن العلاقات ويلبسن تحت الخيمة ما شئن.. وهكذا، شرط أن يواجهن المجتمع الرجالى بما يريده منهن.. والمعنى أن يلبس الإنسان وشين لهذا الغرض، مما دعانى إلى اختراع نظرية أن الوهابية لم تكن إلا استمرارًا للفكر القديم فقط. حتى قبل ظهور محمد بن عبدالوهاب بزمن.. ومن نظرية كل شىء حرام.. الدنيا بحالها حرام. ربما لنفس السبب انتعشت فى مصر.. بينما تذبل فى مواطن اختراعها. وبغض النظر عن تصريح الفيصل – وكان وزيرًا للخارجية – بأن بلاده أنفقت على وهبنة المجتمع المصرى بين سنة 90 – 2000 ما يزيد على 21 مليارًا من الدولارات.. وبغض النظر عن تصريح محمد بن سلمان بأن بلاده نشرت الوهابية بناء على طلب الغرب (أوربا وأمريكا).. الوهابية مساند جيد للرأسمالية.. هذا الفكر الذى يزوى بدوره بعد أن جعل جمع المال بأى طريقة هو الدين الجديد، وهذه مناسبة لأن أذكر أن هذا هو فكر الأجيال الجديدة، المال قادر على حل (جميع) المشاكل رغم ضياع هذا الجيل الذى اختصره إلى جنس. عود إلى فاطمة.. ما هربت من الجيش ليوم وأنا ضابط الاحتياط بسبب موعدى للقائها. أعتقد اليوم أنها كانت تمثل الأنثى وفتنة الأنثى، من تزوجت حتى اليوم ثلاث مرات – جعلنى هذا أعتقد أننا نحب من تمثل لنا الأنوثة فى أول حياتنا. ثم يجيىء الزواج.. فنحن نتزوج من يطابق تاريخها تاريخنا – أجدنى مجبرًا أن أقول عبارة الروائى اليابانى الحاصل على جائزة نوبل، ياسونارى كاوا باتا – من أن تفضيلات الأنثى، تظل هى دومًا تفضيلات العشيق الأول.. هل يعنى هذا أن الزمن توقف؟ ممكن جدًا خاصة أننا نتزوج المتاح من النساء فى عالم تصنعه قوانين قاسية. ساعين دائمًا لأن نبحث عن الحب، عمن نصنع معه تاريخًا مشتركًا. ألم أقل أننا نتعلم الحب فنصنعه، نراكمه فى حياة نسعى فيها إليه لينمو معنا؟ هو الزمن، التاريخ.. هل هذا هو الحب؟ ربما. لكن اختصار الإنسان إلى جنس يجعل من المرأة رحمًا ومن الرجل عضوًا جنسيًا.. فيما يشبه التشيؤ.. هذا الجنس الاغترابى الذى إبتلتنا به الرأسمالية والوهابية معًا والذى يجعل من البشر أشياء.. لا أكثر. أتحدث عن الجنس الإنسانى الذى ينمو فيه تاريخان وحياتان ليصبحا شيئًا واحدًا. ما هذا؟ ياااااه.. كم اغتربنا واغترب إنسان القرن الواحد والعشرين بفعل الرأسمالية والوهابية الذين يوجهان سلوكه.. ومشاعره طبعًا، حتى فرغا الحب من حقيقته.. فما هى حقيقته؟