ثلاثة أيام لإنقاذ شاب من البرد

يعيش فى الشارع منذ ما يزيد على 7 أعوام حسب تقديره، ينتقل من محافظة إلى أخرى، يعرف القراءة والكتابة جيدا ويعرف الإنجليزية ويجيدها.
يعرف جيدًا أن شكله غير لائق لذلك لا يتوجه لشراء الطعام بنفسه أو يدخل ليطلب دواء من الصيدلية، يلجأ الى أحد المارة ويطلب منه أن يشترى له الدواء، وينطق اسم الدواء بإنجليزية صحيحة، وأحيانا يكتبه فى ورقة ويطلب من أحد المارة أن يحضره له من الصيدلية.
تفاصيل كثيرة كانت وراء الشاب الثلاثينى الذى يفترش أحد شوارع المنيب، والذى ظهر منذ أكثر من عام فى المنطقة يحمل «كرتونة» كبيرة وبطانية شديدة الاتساخ.
ذلك الشاب الثلاثينى لا يتسول ولا يطلب من أحد طعامًا أو شرابًا أو ملبسًا، فهو شديد الذكاء يتحدث مع من يتبرعون له بالطعام والشراب فى الحى دون أن ينظر لهم مباشرة، يتعمد ألا تأتى نظراته فى وجه من يتحدث معه، ولا يعطى أى انطباع، سواء بالرضا أو الانزعاج أثناء حديثه مع أحد.
جميعها انطباعات جمعها أهالى المنطقة عن ذلك الشاب الذى يسكن أو يفترش الرصيف فى أشد أيام الشتاء بردًا.
«عمر محسن» أحد سكان المنطقة يحضر بعض الطعام للشاب، ويحاول التواصل معه كل فترة، حاول التحدث معه أكثر من مرة وعرف أنه كان يعمل فى وظيفة حكومية منذ تخرجه، وأنه من إحدى قرى محافظة المنيا.
يقول محسن عندما أعلنت الدولة عن حملة إنقاذ المشردين من برد الشتاء، تواصل مع الخط الساخن لشكاوى الحكومة، «أبلغتهم موقع الشاب الذى كان يفترش الشارع، وتواصل معى أحد أعضاء فريق التدخل السريع بمحافظة الجيزة، أخبرته بالمعلومات القليلة التى عرفناها عنه وعن مكان تواجده، وطلب الفريق إرسال موقع الشاب عن طريق «جى بى اس» وإرساله على أحد أرقام فريق الإنقاذ السريع».
لكن بعد عودة محسن إلى الشاب ليخبره أن هناك من سيأتى ليأخذه لإحدى دور الرعاية ليعيش فى مكان أفضل من الشارع، فوجئ باختفائه من الشارع قبل وصول الفريق بدقائق.
بعد وصول الفريق إلى مكان الشاب واكتشاف رحيله قبل وصولهم، عرف الفريق الشاب من أوصاف سكان المنطقة والذين كانوا يحاولون مساعدته، ليخبرهم فريق الإنقاذ السريع أن الشاب من محافظة بنى سويف وليس من المنيا وأنه كان هناك محضر بتغيبه من أخيه الأكبر وأنه سبق وتعامل معه الفريق قبل أشهر قليلة وتم التعرف عليه عندما تم نشر صوره عبر صفحة الفريق على الفيس بوك، وأن أخاه الأكبر تواصل مع الفريق واستلمه بالفعل.
لكن يبدو أن الشاب يعانى من صدمة شديدة بسبب استيلاء الأخ الأكبر على ميراثه وممتلكاته عقب وفاة والده ووالدته، وكانت وفاتهما فى وقت قريب من إتمام زواجه، فترك عمله وخرج من المنزل هائما الى أن استقر به الحال متسولا فى شوارع القاهرة.
هذه الصدمة التى لا يزال يعيشها كانت دافعا وراء خروجه مرة أخرى من منزل أبيه الذى استولى عليه أخوه ليعود الى الشارع مرة أخرى.
من المنيب للمنيل
وبعد مرور ساعات من اختفائه من منطقة المنيب عثر عليه فريق الإنقاذ السريع قرب منطقة المنيل، فلم يكن قد قطع مسافة كبيرة، فعثر عليه الفريق بالصدفة أثناء استكمال عملهم فى البحث عن المشردين.
لكن هذه المرة استطاع فريق الإنقاذ السريع أن يقدم له طعامًا ساخنًا وغطاءً نظيفًا، لثلاثة أيام متواصلة، ينتقل من شارع الى آخر ويبحث عنه الفريق، حاول الفريق فى هذه الأيام الثلاثة اكتساب ثقته مرة أخرى، فالفريق بالكامل مؤهل للتعامل مع الحالات التى تعانى حالات صدمة نفسية أو عصبية، فلديهم القدرة على إعادة بناء الثقة معهم ليتمكنوا من التعامل معه ونقل إلى مكان أفضل.
فى اليوم الثالث استطاع فريق الإنقاذ السريع أن يقنعه بالانتقال إلى إحدى دور الرعاية تحت إشراف وزارة التضامن وتعمل ضمن الحملة بمنطقة حلوان.
فى الأيام الخمسة الأولى للحملة الرئاسية لإنقاذ المشردين من برد الشتاء، استطاعت فرق الإنقاذ السريع وأطفال بلا مأوى من نقل ما يزيد على 1000 من المشردين سواء أطفالا أو كبار سن ممن يفترشون الشارع، الفرق تضاعفت أعدادها منذ انطلاق الحملة الرئاسية، بحسب «حازم الملاح» المتحدث باسم برنامج أطفال بلا مأوى.
ويوضح الملاح أن البرنامج يتكون من 17 فريقا متنقلا يجوب الشوارع طبقا لخريطة معدة مسبقا لمناطق تجمع الأطفال والمشردين، وبحسب بيانات إحصائية ترصد المحافظات التى تنتشر بها هذه الظاهرة، وأن الحملة التى تحمل شعار «إحنا معاك» تتم بالتنسيق المشترك بين فرق أطفال بلا مأوى المتخصصة فى التعامل مع الأطفال وفرق التدخل السريع المعنية بالتعامل مع الأعمار التى تزيد على 18عاما.
يعمل برنامج أطفال الشوارع تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى لتنفيذ برنامج متكامل لحماية الأطفال بلا مأوى، بالتعاون مع صندوق تحيا مصر من خلال 17 وحدة متنقلة، تعمل فى 10 محافظات، للحد من ظاهرة أطفال الشوارع، بتمويل يصل إلى 164 مليون جنيه، تتحمل الوزارة منه 50 مليون جنيه، بينما يتم توفير باقى التمويل بالشراكة مع صندوق «تحيا مصر».
ويتلقى الفريق البلاغات عن حالات المواطنين والأطفال بلا مأوى والمشردين على رقم الخط الساخن 16439 و16528 وكذلك على رقم 01095368111 أو من خلال ما يتم رصده عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى.