شهد القرن الخامس عشر الميلادى بداية الحركات والمدارس الفنية، فى كل مجالات الفن التشكيلية، ووصلت ذروتها فى عصر النهضة، الذى فتح باب التطور للفن الحديث، وأصبح لزامًا على الفنان أن يواكب هذا التطور فى خاماته وأدواته، التى تطورت هى الأخرى بشكل لافت. ومع دخولنا القرن العشرين وتحديدًا تسعينياته، وانتشار استخدام الكمبيوتر، الذى ساهم بشكل أو بآخر فى تطور الفن التشكيلى، أصبحت البرامج الخاصة بأعمال الجرافيك والتصميم متطورة جدًا، حيث تستطيع تقديم ورسم وتصميم ما ترغبه من أعمال فنية، وأيضًا سينمائية، دون الحاجة لفنان لرسم لوحة أو عمل فنى ذي إحساس عالٍ.. لوحة تستطيع معها الشعور باللون والفرشاة، وبمشاعر ورؤية، تدفعك للتأمل والتفكير، لفك شفرة اللوحة.. لتجد نفسك متوحدًا مع مشاعر الرسام..تلك التجربة الحسية الخاصة، وهذه العلاقة القوية المباشرة، تحدث فقط بهذا التفاعل القوى بين الفنان ولوحته وفرشاته، وهو ما لايمكن أن يعوض عنه الكمبيوتر، بكل ما فيه من تكنولوجيا وتطبيقات وما يحمله من فلاتر أو جرافيك. العلاقة بين الفنان ولوحته وألوانه وأدواته وأوراقه، حالة من العشق، بات على كل فنان أن يدافع عنها، ولا يستسلم إلى سهولة استخدام الكمبيوتر فى أعماله الفنية، ولا يتخلى عن تلك التجربة الشاقة، التى طالما استمتعنا بها، منذ أن كنا طلابًا بالجامعة، وكانت بدايتها داخل البيت، حين بدأنا نرسم اللوحات التعليمية، أنا وأختى وأخى الأصغر ورأيت كيف يكون ذلك الشعور، أثناء رسمها أمامهم وتلوينها «بالفلوماستر» أو «الألوان الرصاص» وتسابقهما على المساعدة فى جلب«أستيكة» أو إعطاء لون للتلوين، ومع انتهاء رسم اللوحة، كنت أشعر بسعادة فائقة وأنا أرى هذا السرور وتلك البهجة قد بدأت على وجهيهما. متعة شراء الريشة والفرشاة ولا أنسى أيام الجامعة وتحديدًا موعد تسليم «المشروعات» والتحكيم، ومشاعر التسابق للانتهاء من رسم اللوحات المحددة فى مواعيدها، فكنا نشترى الأدوات سواء «ألوان» أو «فرش» وكذلك «ريشات» بمواصفات معينة، ونجهز للعمل، كل فى تخصصه، سواء «تصوير» أو«جرافيك» أو «نحت»، لتبدأ العمليات الكيميائية بين الفنان ولوحته أو عمله الفنى، روح العمل الفنى التى لا غنى عنها، تجربة ستبقى دائمًا الأقوى والأهم لتلك المشاعر بين الفنان ولوحته وجمهوره. نعم التكنولوجيا مهمة ولا غنى عنها الآن، لكن دون أن تطغى على الروح والقلب، فروح الفنان فرشاته.. وقلبه لوحته، وبدونها تصبح اللوحة بلا روح وقلب وستبقى الفرشاة والبالتية دائما مصدرًا للإحساس والمشاعر، ويبقى السؤال هل تنهى التكنولوجيا العملاقة التى تنتشر وتزداد يومًا بعد يوم، أيام الريشة فى المستقبل القريب؟!