«26 مليار تكاليف الدروس الخصوصية سنويًا».. حسب ما أعلنه الدكتور حمدى عرفة، أستاذ الإدارة العامة والمحلية واستشارى تطوير العشوائيات، مؤكدًا أن مراكز الدروس الخصوصية تنتشر فى كل مكان، وهناك 6800 مركز دروس خصوصية فى المحافظات، ومتوسط دخل كل منها 30 مليون جنيه سنويا. وفى الوقت الذى يزداد الإقبال على الدروس الخصوصية، يتلاشى دور المدرسة، فلا تزال طرق التدريس «محلك سر» منذ عشرات السنوات، ولم يعد يتوقف الأمر عند ثمن الحصة، بل تعدى ذلك ليشمل إيجار السنتر والملازم، وكتب الشرح. صباح الخير تتبعت مافيا الدروس الخصوصية فى بعض مناطق بالقاهرة. الحصة ب70 جنيهًا فى أحد شوارع المطرية الضيقة ترى وسط الزحام والباعة الجائلين بيتًا متهالكًا تظنه للوهلة الأولى مهجورًا أو يعيش بداخله أسرة تحت خط الفقر، وإذا ساقتك قدميك لدخوله سترى بداخله مئات الطلاب الذين استسلمت جميع حواسهم لأستاذ الكيمياء الأشهر «ج. السنتريسى»، وعلى الرغم من ضيق المكان وتكدس الطلاب فى مكان واحد يستوعبون هذه المادة المعقدة من أستاذهم الذى فضلوه عن غيره من مدرسى المطرية. سعر الحصة الواحدة 70 جنيهًا فى قاعدة ممتلئة بمئات الطلاب الذين يجلسون على مقاعد خشبية دون شكوى من المسامير التى تقطع ملابسهم أو ضيق التنفس بسبب كثرة العدد فى مكان صغير. تنقسم السبعين جنيهًا إلى جزءين 50 جنيهًا للسنتريسى و20 جنيهًا لإدارة المركز التى توفر المكان والمقاعد والكهرباء، بالإضافة إلى مشرفين لتنظيم دخول وخروج الطلاب الدرس. لم ينته سعر الحصة عند دفع هذا المبلغ، فالملازم وأوراق الامتحانات هى الأخرى لها ميزانية خاصة، فلا يستطيع «السنتريسى» تقديمها بشكل مجانى للطلاب كى يحقق الربح. حضور كأس العالم وتتشابه منطقتا المطرية وحلمية الزيتون فى ازدحام الشوارع وبساطة السكان وأسعار الدروس أيضًا، لكن ما يميز مراكز الأخيرة هو استخدامها أسلوبًا دعائيًا جديدًا لجذب الطلاب، فبجانب كفاءة المدرس وقدرته على توصيل المادة الدراسية بسهولة أعدت إدارة أحد المراكز جوائز ومسابقات للطلاب المتفوقين تشجعهم على المذاكرة وحضور الدروس بشكل مستمر فى هذا المركز دون غيره من المراكز. «آيفون، لاب توب، رحلات لدريم بارك».. هدايا تم تقديمها بالفعل للطلاب بالتعاون بين إدارة المركز والمدرسين، أما الهدية الكبرى لأوائل الثانوية العامة عام 2018 فستكون إقامة كاملة فى روسيا لحضور بطولة كأس العالم وتشجيع المنتخب المصرى، وبهذه الطريقة استطاع مركز الجمهورية بحلمية الزيتون الاستحواذ على أكبر عدد من طلاب المنطقة. أما مراكز مصر الجديدة فهى الأغلى سعرًا سواء فى المرحلة الإعدادية أو الثانوية باعتبارها من أرقى مناطق القاهرة ومستوى دخل سكانها مرتفع بنسبة كبيرة عن غيرها من المناطق الشعبية، ففى مركز «الطبرى» بروكسى يصل سعر درس المرحلة الإعدادية إلى 120 جنيهًا للحصة الواحدة، أما فى المرحلة الثانوية فتتراوح الأسعار بين 150 و 180 جنيهًا حسب المادة الدراسية. وبعد عام دراسى طويل يأتى يوم المعركة الكبرى يوم «المراجعة النهائية»، فيصبح المدرس فى حيرة وتشتت بأى مجموعة يبدأ وبأى مجموعة ينتهى، إلا أن دور المناسبات فى المساجد أو قاعات المؤتمرات أصبحت الملجأ الوحيد لهؤلاء المدرسين لجمع جميع الطلاب فى مكان واحد. 1300 طالب هو عدد طلاب حصة المراجعة النهائية لأستاذ اللغة الإنجليزية الأشهر فى مدينة نصر أحمد ماهر، فبعد ازدياد أعداد الدروس الخصوصية وإقبال الكثير من الطلاب لحضور الحصص والمراجعات معه أصبحت هذه الطريقة الوحيدة التى يستطيع من خلالها إرضاء جميع الطلاب الطامعين فى علمه بأحد قاعات المناسبات. أولياء الأمور يعانون وفى الوقت الذى يكافح فيه الطلاب، فهناك كفاح من نوع آخر على كاهل الأهالى نفسيًا وماديًا، فعلى رب الأسرة تجهيز 2000 جنيه شهريًا بحد أدنى للدروس الخصوصية التى يحتاجها الطالب، وفى هذا الصدد يقول محمد مصطفى والد أحد طلاب الثانوية العامة فى الشعبة الأدبية: إن هذا العام من أصعب الأعوام الدراسية التى مرت عليه، فألفا جنيه كل شهر لابن واحد فقط تساوى راتبه طوال الشهر ما دفعه للبحث عن عمل إضافى ليستطيع توفير احتياجات باقى الأبناء الذين ما زالوا فى مراحل مختلفة من التعليم. أما صفية قدرى والدة طالبة شعبة العلمى علوم، فتؤكد أن المصاريف تزداد كلما مرت الشهور، ففى بداية الدروس فى أغسطس الماضى كانت تنفق 2000 جنيه بجانب مصروف ابنتها الشخصى، أما الآن فبدأ المدرسون اختراع حصص إضافية تحت اسم «المراجعة» التى تبدو فى ظاهرها كأنها مساعدة للطالب لمراجعة الأبواب السابقة، ولكنها فى الحقيقة حجج لكسب لاستنزاف أموال أخرى. وأشارت إلى أنها استعدت للثانوية العامة بجمعية مع أسرتها بمبلغ 25 ألفًا قبضتها فى يوليو الماضى لتبدأ رحلة دروس الثانوية العامة التى ستنتهى فى الشهر نفسه من العام المقبل، فالثانوية العامة لا تنتهى دروسها ومراجعتها إلا فى آخر يوم بجدول الامتحان. وأوضحت الدكتورة دينا أبوزيد، أستاذة علم النفس التربوى بكلية البنات، أن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تزدد بهذا الشكل الملحوظ فى مصر إلا فى الثلاثين عاما الأخيرة فكان يلجأ إليها سابقًا الطلاب ضعاف المستوى فقط، أما الآن فهى موضة يتبعها الجميع، ولفتت إلى أن التعليم حاجة أساسية من احتياجات المجتمع المصرى، حيث تسعى الأسر لتوفير أفضل مستوى تعليمى للارتقاء بمستوى الأبناء. •