الكاريكاتير ده محدش عارف قيمته وتأثيره . ده بيسقط انظمة ويقتل فاسدين ويصنع تاريخاً . كنت مندهشاً وأنا أسمع هذا الكلام . وأكمل . شفت صلاح جاهين كان بيعمل إيه . شوف دلوقتى مصطفى حسين بيعمل إيه فى الأخبار . كنا فى منتصف التسعينيات والأستاذ أحمد طوغان يقول لى هذا الكلام . ويجلس بجانبى صديق العمر ابنه وليد طوغان الكاتب الفذ فى صباح الخير الآن . كان وليد على ما يبدو معتادا على هذا الكلام . يسمعه كل وقت . وكنت مندهشا لأنى أجلس أمام هذا الرجل الفذ. الخجول الطيب الموهوب موهبة فطرية . والعميق سياسيا . الأستاذ طوغان كان فنانا وسياسيا وثوريا من طراز فريد . فقد شد رحاله وسافر ليشترك فى ثورة الجزائر . وعاد لمصر . وكان صديقا حميما للرئيس أنور السادات . ومن يصادق داهية سياسية كالسادات تعرف أنه لا يقل دهاء عنه . هكذا كان السادات فى اختيار اصدقائه . وكنت أراه يجلس بجانب عمنا الكبير محمود السعدنى كأنه الأخ الأصغر . وقال الأستاذ طوغان لى فى حضرة الولد الشقى . طالما محمود موجود فأنا أشعر بالأمان . ولى ظهر . الاستاذ محمود السعدنى كان ظهر لنا جميعا ولكل الموهوبين . وغمز لى الاستاذ السعدنى وقال شفت يا واد . قلت شفت . وعاد بصرى للاستاذ طوغان . اتأمله . رجل طويل القامة وبملامح مصرية طيبة . بعيون مخلوقة حزينة . وبها بريق . تلتقط عينيه كل صغيرة وكبيرة . حاضر الذهن ومتلق ومستمع وكلامه قليل . وعندما يتحدث فحديثه مرتب ومنظم ومكثف ودقيق . فى بيته فى وسط البلد حيث كنت كثير التواجد مع وليد . كنت أراقبه وهو يرسم . كأنه فى محراب . كانه يصلى . تشعر كانه يقدس عمله ورسمه . يحتضن الفرشاة بين أصابعه بحنان وينحنى على اللوحة البيضاء . ويبدأ يرسم . وقبل أن يبدأ تراه حيراناً قلقا كأنه مقبل على عمل عظيم . طلبت منه ذات يوم لوحة كاريكاتورية عظيمة وعبقرية . لممثلى الحكومة وأمامهم المواطن فى الشارع . وممثلى الحكومة يقسمون ملابسه والممثل الأخير يقول يعنى انا اللى هاخد .... وكان المواطن يرتدى ملابسه الداخلية السفلى فقط . كاريكاتير عبقرى وعميق . ووعدنى ان يهدينى أصل الرسمة . وشعرت أنه سيعطينى قطعة من جسده أو أحد ابنائه . فقد كان يعطى للوحة . كل لوحة قطعة من جسده . ومن روحه ومن خبرته ومن آلامه . فى كل رسمة من رسومات الأستاذ طوغان . كان همه متاعب المواطن المصرى المطحون البائس . وفى كل تعليق على الرسمة هناك مغزى سياسى عميق نابع من تجربة وثقافة وقراءة . ونابع من صدق ووطنية . كانت وصيته الدائمة . العمل المستمر والدؤب هما طريق النجاح . اشتغل . اشتغل كتير . وستصل لما تريد .•