لابد أن نفرد خريطة العالم جغرافيا. ونسترجع خريطة العالم تاريخيا. وندقق النظر فى مصر موقعها وتاريخها. نجدها دولة فريدة من نوعها من بين الأمم. هى والصين الدولتان الوحيدتان اللتان لم تتغير حدودهما منذ بداية البشرية. وعبر على الدولة المصرية كثير من الغزاة بمختلف هوياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية. ورحلوا. وبقيت مصر كما هى. راسخة شامخة. تعيش بهوية واحدة لا تتغير. وهى الهوية المصرية العتيقة التى حمتها من عنف وقسوة الغزاة. فى مصر طقوس مصرية لها وحدها. امتدت إلى الدين نفسه. جاءت كل الأديان إليها واختلطت بالهوية المصرية وخلقت (الدين المصرى). وهو ما يفسر استحالة وجود فتنة طائفية فى مصر على وجه الإطلاق إلا من الفتن المصطنعة. وهى دولة تقع وسط ثلاثة أقاليم. إقليم البحر المتوسط الأوروبى وإقليم عربى إسلامى وإقليم أفريقى. والثلاثة يندمجون تحت هوية واحدة وهى الهوية المصرية. فالهوية والانتماء للفرد أو الجماعة داخل الحدود الجغرافية المسماة (وطن) أو (دولة) ترتكز على القاسم المشترك والمميز لهذه الجماعة من خلال اللغة والدين والقومية والمصالح المشتركة، والبناء الحضارى لهذه الجماعة تتراكم عبر الزمان فى نفس المكان أو امتداداته وتندرج الهوية ضمن الإطار الوطنى ضمن ما يسمى دوائر الهوية الصغرى (الطائفية والقبلية والجهوية) وتندرج الهوية فى الدوائر الكبرى. - (الانتماء الوطنى والمحلى). - (الانتماء الثقافى). - (الانتماء الدينى أو العقائدى). - (الانتماء الإنسانى). والهوية والانتماء الوطنى جزء من وجود الإنسان الفرد وكذلك الجماعات بشرط ألا تتحول إلى تعصب عنصرى قاتل، يلغى الآخرين أو يتخذ موقف العداء أو الفوقية، مثلما طرحته جماعة الإخوان الإرهابية. أو كما هو الحال فى الصهيونية بزعم أن اليهود (شعب الله المختار). أو نظرية العنصر الآرى المتفوق كما طرحته النازية الألمانية (هتلر). أو كما طرح فى بداية ظهور الإسلام بين قرشى أو غير قرشى بين السيد والعبد. أو كما بدأ مع تمرد إبليس وعدم السجود لآدم. وجوابه (خلقتنى من نار وخلقته من طين). وإذا تم بناء الهوية على أسس قومية. فإنها تؤدى إلى حروب قومية مثلما حدث فى أوروبا بين ألمانيا وفرنسا وما شهدته الحرب العالمية الأولى. وبناء الهوية على أساس (دينى - مذهبى) سيؤدى إلى حروب مذهبية مثال ما حدث فى أوروبا أيضا، عندما أعلنت هويتها المسيحية كغطاء للتنافس السياسى والإمساك بالسلطة عبر النافذة الدينية - المذهبية وكانت سبب اندلاع الحروب بين البروستانت والكاثوليك والأرثوذكس. وتأسست المنظومة العقائدية للحروب الصليبية لتغزو القدس والمنطقة العربية. أو كما تشهد الهند من مناوشات بين الهندوس والسيخ والمسلمين، وما تبدو آثاره أيضا بعد الغزو الأمريكى للعراق وإثارة الفتنة - السنية - الشيعية. وإذا بنيت الهوية على أساس فكرى، فيتم تقسيم العالم كما حدث منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضى ما بين شرقى (الشيوعية) والغربى (الرأسمالية) أو بين النازية والفاشية (ألمانيا - بريطانيا) والشيوعية (الاتحاد السوفيتى) وما أنتجته من حرب عالمية ثانية. فإذا كانت الحرب العالمية الأولى نتاج الصراع القومى (الأوروبى) والحرب العالمية الثانية على أساس فكرى (النازية والفاشية مقابل الشيوعية والرأسمالية)، فهذا يعنى أن الحرب العالمية الثالثة ستكون على أساس دينى - مذهبى كصاعق تفجير للصراع بين المحور الأمريكى والمحور المضاد له لتأمين السيطرة والمصالح الاستراتيجية لكلا المحورين. كل ما سبق مر بمصر وابتلعته وتجاوزته منذ قديم الأزل. فهوية مصر راسخة نابعة من هوية ثقافية امتدت منذ الفراعنة. إنتاجها فنى. الأهرامات والمعابد والمسلات والرسوم على جدران المعابد. إنتاج فنى ضخم مبدع ومبتكر. هوية مصر خليط من محيطها العربى والأفريقى والأوروبى. وهى مسئولية كبرى تحملتها مصر للحفاظ على دورها الإقليمى النابع من ثبات هويتها المصرية الخالصة.