ريشة الفنانة: هاجر إبراهيم هل تتخيل روعة النيل، شريان الحياة فى مصر مصدر الخير والرخاء فكانت مصر على ضفافه جنة خضراء ومطمعا للقوى الاستعمارية منذ القرن ال19، فمنذ آلاف السنين ووفقا لميل الأرض حفر النهر لنفسه مجرى ليولد ويهب الحياة على ضفافه الغناء فأطلق عليه المؤرخ اليونانى هيرودوت فى القرن الخامس «مصر هبة النيل» فالمصريون مستقرون على ضفافه منذ أكثر من 8000 سنة.
فهل تعلم.. أن نهر النيل نشأ قبل ملايين السنين بشمال شرق القارة الأفريقية من عدد من الأحواض المنفصلة فهو نهر مركب ليصبح أطول أنهار الأرض وأكثرها غزارة فيبلغ طوله 6695 كم ويغطى مساحة 3.4 مليون كم مربع وعرضه 500 ياردة (91.44 سم) وعمقه 20 قدما (30.48 سم).. ففى القِدَم حاول الإمبراطور الرومانى نيرون أن يكشف سر منابع النيل، فأمر ضابطين أن يسيرا مع النهر حتى يصلا إلى منابعه وتوالت المحاولات لمن بعده مستكشفين بحثوا عن منابعه فوجدوا أن هناك بحيرتين تغذيان نهر النيل وأن ثلوج جبال القمر تغذيه أيضا فبعد أن يترك النيل بحيرة فكتوريا العظمى بوسط أفريقيا فإنه يصب فى بحيرة ألبرت والتى لا تتغذى من مياه الأمطار فقط بل من الثلوج التى تذوب من سلسلة جبال رووينزورى (جبال القمر) ويبدأ فى مرحلة الشباب ويسير فى رحلته قاطعا آلاف الأميال حتى يصب فى البحر المتوسط له رافدان، الأبيض المنبع الرئيسى من منطقة البحيرات (فكتوريا) فيجرى من شمال تنزانيا إلى بحيرة فكتوريا فإلى أوغندا حتى يصل جنوب السودان، فى حين يبدأ الأزرق المنبع الثانوى من بحيرة تانا فى أثيوبيا ثم يجرى إلى السودان من الجنوب الشرقى إلى أن يجتمع النهران فى الخرطوم وهناك أيضا بحر الغزال وعطبرة الرافد الذى يغذى النيل قبل دخوله مصر فى مرحلة الشيخوخة حتى يصل إلى بحيرة ناصر فيتجه شمالا ويتفرع جزء منه (بحر يوسف) عند ديروط فى محافظة أسيوط عند فتحة اللاهون والذى تحول إلى ترعة صناعية تأخذ مياهها من ترعة الإبراهيمية منذ 1889 ويستمر حتى يصل إلى منخفض الفيوم، بينما يمتد النيل شمالا ويتفرع إلى مجار كثيرة العدد ويتخلى النهر عما يحمله من طمى وهو عبارة عن أتربة لصخور بركانية فتكونت بين فرعى دمياط ورشيد جزيرة كبيرة مثلثة الشكل أُطلق عليها (الدلتا)... فنظرا لارتفاع الأراضى الأثيوبية فضلا عن اقترابها من خط الاستواء فتتأثر المنطقة بالرياح الموسمية وتتسبب فى هطول الأمطار الغزيرة من يونيو حتى سبتمبر موسم فيضان النيل فيحمل النيل بين طياته حوالى 110 ملايين طن من الطمى سنويا، معظمها يأتى من هضبة الحبشة وهى تجدد خصوبة التربة حيث اعتمدت الحضارات التى قامت على ضفتى النيل على الزراعة وارتبط الفيضان بطقوس شبه مقدسة فى مصر الفرعونية حيث كانوا يقيمون احتفالات وفاء النيل ابتهاجا بالفيضان وسُجلت احتفالاتهم على جدران المعابد والمقابر والأهرامات ووصفه الفراعنة باسم (الإله حابى) وعُلق عليه معدل المحصول الناتج على نسبة فيضانه فى العام فعندما أخبر عمرو بن العاص الخليفة عمربن الخطاب أرسل بكتاب كُتب فيه «من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى نيل مصر فإذا كنت تجرى من عندك فلا تجر وإن كان الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأله أن يجريك»، وألقى عمرو بن العاص الرسالة به قبل الفيضان بيوم وكان يُدعى يوم الصليب، وأعد المصريون أنفسهم للرحيل خوفا من غضب النيل فأصبح النيل وهو يجرى 16 ذراعا ومن وقتها وقد اُوقفت هذه العادة التى تخالف الشريعة واهتم بعدها ولاة مصر بالفيضان فقاموا بتصميم مقياس النيل والذى لايزال قائما فى جزيرة الروضة وفى أواخر الثمانينيات شهدت دول حوض النيل جفافا لضعف الفيضان مما أدى إلى نقص وحدوث مجاعة فى السودان وإثيوبيا والتى أرجعوها إلى ظاهرة النينو المناخية والتى ترفع من درجة حرارة سطح المحيط الهادى بنسبة 0.5 درجة وتظهر التوقعات أن أفريقيا ستكون أكثر المناطق تأثرا.. فهل تخيلت يوما أن الأهرامات بُنيت فى القدم على ضفاف النيل فتراجع النهر حتى أصبحت بعيدة جدا ولهذا وجب علينا الحفاظ على شريان الحياة لتستمر وتنبض.. حفظ الله نيل مصر وحفظها.•