للإمبراطورية الأمريكية مصالح. ووجهات نظر فيمن يحقق لها تلك المصالح بأقل مجهود وأقل تكلفة. فقديما كانت الدول المستعمرة تستخدم الجيوش للغزو، ثم يأتى خلفها مجموعة المصالح من الشركات ورجال الأعمال لجنى ثمار الاستعمار من خلف غبار معدات الجيوش وأفرادها. لكن الإمبراطورية الأمريكية كعادتها اخترعت عرفا جديدا. الشركات ورجال الأعمال يشيرون إلى الجيوش، حيث مصالحهم لتتحرك معدات الجيش لتغزو. كما حدث فى احتلال العراق. ومنذ الألفية الثانية وتحت إدارة بوش الابن الثانية ابتكروا عرفا جديدا وهو احتلال البلاد بالقوة الناعمة التى تحدث انقلابات من الداخل لإزاحة أنظمة ويصبح الطريق ممهدا لدخول الشركات ورجال الأعمال. وهو ما عرف باسم الفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط.. ويعد مايكل ليدين العضو البارز فى معهد «أمريكا انتربرايز» أول من صاغ مفهوم «الفوضى الخلاقة» أو «الفوضى البناءة» أو «التدمير البناء» فى معناه السياسى الحالى. وهو ما عبر عنه فى مشروع «التغيير الكامل فى الشرق الأوسط» الذى أعد عام 2003 حيث ارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لكل دول المنطقة وفقًا لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم. ثم إعادة البناء، وقد ذهب «مايكل ليدين» إلى تسويغ مذهب القوة اللامتناهية حتى ولو أدى الأمر بالولايات المتحدة إلى أن تقوم كل عشر سنوات باختيار بلد صغير وتدمره. وطور «توماس بارينت» (أحد أهم المحاضرين فى وزارة الدفاع الأمريكية فى عهد بوش الابن) نظرية «الفوضى الخلاقة» فقسم العالم إلى من هم فى القلب أو المركز «أمريكا وحلفاؤها»، وصنف دول العالم الأخرى تحت مسمى دول الفجوة أو الثقب. حيث شبهها بثقب الأوزون الذى لم يكن ظاهرا قبل أحداث سبتمبر. مراحل تنفيذ عملية الفوضى الخلاقة: المرحلة الأولى: تستهدف خلخلة حالة الجمود والتصلب غير المرغوب فى النظام المستهدف المرحلة الثانية: تسعى إلى الوصول لحالة من الحراك والفوضى المربكة والمقلقة لذلك النظام. المرحلة الثالثة: تهتم بتوجيه تلك الفوضى وإدارتها للوصول إلى الوضع المرغوب فيه. المرحلة الأخيرة: تشمل استخدام المدخلات التى أججت الفوضى لإخمادها. وتثبيت الوضع الجديد بشكله النهائى إلى جانب الاطمئنان لترسانة القوة العسكرية. والأساطيل الأمريكية فى المنطقة. وتقوم سياسة (الفوضى الخلاقة) على عدة دعائم أساسية وهى: • إطلاق الصراع العرقى: حيث تقوم سياسة الفوضى الخلاقة على بث الشرخ العرقى الحاد فى الدول التوافقية القائمة على التوازن بسبب تركيبها العرقى. كالمشكلة القبرصية والتدخل الأمريكى فى العراق. حيث سُلِخ سياسياً وعسكرياً الشمال الكردى من العراق. على أساس عرقى. فضلا عن تأجيجه للصراع الطائفى والعرقى فى العراق بعد احتلاله عسكريا. وفى جنوب السودان تمت تغذية نوازع الانفصال العرقية والدينية حتى توج ذلك بتقسيم السودان لدولتين: شمال مسلم عربى فى أغلبيته وجنوب مسيحى فى أغلبيته. 2- إطلاق صراع العصبيات: عبر ضرب الدولة بجميع مؤسساتها واستبدالها بولاءات حزبية أو عشائرية مجتزأة قائمة على انتماءات قبلية كتلك التى شهدتها الصومال عام 1991م والعراق بعد دخول الجيش الأمريكى إلى بغداد. 3- ضرب الاستقرار الأمنى وإطالة أمد الاحتلال الأمنى بحيث يشعر الناس أن لامجال للعودة إلى الحالة التى كانت سائدة قبل الحرب. ومن أبرز الأمثلة على هذه العملية السيارات المفخخة التى كانت تضرب لبنان وقت حربه الداخلية التى عاشها ما بين 1975 و1989 وما شهده العراق يشبه السيناريو اللبنانى فى أكثر من نقطة، فالطرف الأمريكى ينسحب تدريجياً من اللعبة. لكن بعد تأكده من ثباتها على اختلال ثابت ينهك الحكومات. ويجعلها تطلب الدعم والمساندة الخارجية الأمريكية. 4- خلخلة الوضع الاقتصادى: من التكتيات التى أضيفت إلى نظرية الفوضى. زعزعة الاستقرار الاقتصادى فى العمق كما حصل عقب انهيار الاتحاد السوفيتى مطلع التسعينيات، حيث انهارت المؤسسات المصرفية الرسمية وساد التضخم بسبب تهريب معظم الرأسماليين والودائع العامة بعد تسللها إلى خارج البلاد. 5- التعبئة الإعلامية: فالتعبئة الإعلامية كفيلة على الأمد الطويل بالنيل من العدو. فما تم تجريبه انطلاقا من ألمانياالغربية السابقة باتجاه ألمانياالشرقية السابقة بالوسيلة التليفزيونية ونجح فى اختراق المعسكر الاشتراكى كله. يتبع ذلك فى المنطقة العربية عبر وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمسموعة والمكتوبة التى توجهها أمريكا. وتستخدمها فى مشروعاتها الاستراتيجية. تلك هى سياسة الفوضى الخلاقة ولابد أن نقارن ما تم فى دول الشرق الأوسط من تحريك الفوضى الخلاقة وما يتم الآن تجاه مصر لنعرف كم الخطر المقبلين عليه وعلينا الحذر.• رئيس التحرير