لا يهمهم الشعب أو حقوق الدولة .. يحاولون البحث عن مزيد من الثروات من وراء القطاع العام فى بلد ينهشه التضخم ويعتصره الفقر وينهكه الجهل ويتفشى فيه المرض يريدون شراء الصفقات بأموال البنوك دون أن يقتربوا من أرصدتهم الخارجية.. أو يحصلوا على المصانع برخص التراب وبيع أراضى الدولة بأبخس الأثمان. وفتحت واقعة اتجاه رجل الأعمال نجيب ساويرس لشراء بنك الاستثمار سى إى كابيتال بتمويل من البنوك فقط دون أن يدفع أى أموال من حساباته لتفتح الطريق أمام اعتراض من البنك المركزى على الصفقة من خلال اتجاه البنك الأهلى للمنافسة على الصفقة وتقديم عرض للرقابة المالية فى ظل ضغوط على البنوك المانحة للقروض لسحبها. وبعيدا عن الآراء التى ترى بأنه من الصعب أن يتحكم رجل أعمال فى أرصدة العملاء فإن فكرة عدم دفع أى مقابل مادى وتسديد قيمة الصفقة من الأرباح يبدو قد أثار حفيظة البعض، لاسيما أنه فور منافسة القطاع المصرفى الحكومى على الصفقة دفع ساويرس للتلويح بخروج استثماراته فيما اعتبره البعض استخدام سياسة لى الذراع فى وقت تحاول فيه الدولة التكاتف من أجل ضخ استثمارات جديدة إلى القيمة المضافة للاقتصاد المصرى. • ساويرس والدولة كان رجل الأعمال نجيب ساويرس من أكثر المستثمرين الذين استفادوا من الدولة بشكل مباشر بعد أن حصل على الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول بعدما باعتها الدولة له وضخت 51% من الأسهم للشركة التى أسسها وحملت اسم «موبينيل» للاتصالات، كما منحت 14% من الشركة لأوراسكوم وهى شركة العائلة، إضافة إلى 32% فى الاكتتاب العام. وتخلى عدد من المؤسسات الحكومية مثل البنك الأهلى وصندوق المعاشات وعدد من المؤسسات المالية التابعة للدولة عن حصتها فى موبينيل مقابل سعر الإصدار للسهم والمقدر بعشرة جنيهات واستغل رجل الأعمال أن السوق متعطشة لهذه الخدمة وبدأت الأرباح فى الظهور وقفز سعر السهم داخل البورصة إلى 85 جنيهًا مرة واحدة ثم إلى 178 جنيهًا عام 2000 رغم أن هناك مخالفة واضحة فى إدراج السهم بسبب عدم نشر الميزانية لعامين متتاليين قبل الإدراج فى سوق التداول بعد الحصول على موافقة هيئة سوق المال وقتها.. والغريب أن البنوك المصرية أقرضت نجيب ساويرس مليارى جنيه بضمان أسهم موبينيل عندما حصل عليها وهى نفس الطريقة التى يريد بها ضم بنك الاستثمار سى إى كابيتال. والصفقة بعد إتمامها أثيرت ضجة كبيرة حولها بسبب بيع الدولة لشركة المحمول التى تملكها إلى نجيب ساويرس بالأمر المباشر دون أى إجراءات أو شروط واضحة أو حتى مزايدة والحصول على مظاريف فنية أو مالية أو أى من الإجراءات التى تضمن شفافية الصفقة التى كفلها القانون كضمانة لأموال الشعب. وربما كانت هذه الصفقة عاملا فى أن يرفض محافظ البنك المركزى تعامل نجيب ساويرس على بنك سى إى كابيتال عن طريق قروض من البنوك ثم يمكنه بعد ذلك البيع للأجانب بعدها دون أن يدفع أى أموال من حسابه الشخصى. ويمكن للمواطن المصرى أن يتخيل حجم الأموال التى كانت ستدخل إلى الدولة إذا ما كانت الشركة المصرية لخدمات المحمول مملوكة للدولة حتى الآن. وانطلقت عائلة ساويرس للحصول على الكثير من الصفقات من الدولة والربح من ورائها، فقد حصلت على أول رخصة لإنشاء مصنع أسمدة غير حكومى، ولم يكن هذا النشاط متاحا لأى مستثمر وقتها وحصلت أيضا على رخصتين للأسمنت ورخصة للحديد. وباع ساويرس حصته فى مصانع الأسمنت إلى شركة «لافارج» الفرنسية بعد قيدها فى البورصة لأن البيع فى البورصة يتم بدون ضرائب بينما البيع خارج البورصة يدفع عليه ضرائب بقيمة 12.8 مليار دولار تقريبا مع تحمله لقروض حصلت عليها الشركة التابعة للعائلة تبلغ قيمتها مليارى دولار بلا أى ضرائب بعدما جرى إتمام العملية عبر البورصة. وحصل ساويرس مقابل الصفقة على 22.5 مليون سهم من شركة لافارج فى فرنسا تبلغ قيمتها 2.8 مليار يورو. وانطلق ساويرس للعمل فى قطاع الاتصالات فى الكثير من الدول بعد أن حصل على شركة موبينيل بقيمة 2٫8 مليار دولار دفعها كورنسينوم من البنوك المصرية ومن ارباح الشركة وأموال البنوك واستحوذ على 22 شركة محمول فى 22 دولة أخرى منها الجزائر والعراق وكندا وأيطاليا وغيرهم. كذلك لا يمكن نسيان شراء رجل الأعمال ناصف ساويرس لشركة المراجل البخارية التى كانت الأولى فى أفريقيا والدول العربية فى إنتاج أوعية الضغط التى كانت تساهم فى بناء المحطات الكهربية وكانت ستخدمنا فى مشروع الطاقة النووية من أجل الحصول على الأراضى التابعة لها على النيل فى منطقة منيل شيحة. • الدولة للآخرين أيضا ولم تكن للأمانة عائلة ساويرس هى المستفيدة الوحيدة من الدولة، بل هناك طابور طويل من رجال الأعمال الذين لعبوا على هذا الوتر جيدا، مستغلين إما النفوذ أو سطوة المال للحصول على غايتهم والاستفادة من حقوق هذا الشعب. وكانت بداية استفادة رجال الأعمال ظاهرة من خلال رجل الأعمال الراحل محمد نصير وكيفية الحصول على شركة بيبسى من الدولة كأول واقعة خصخصة مقابل 157 مليون جنيه فلم يكن الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء يعز أى ممتلكات للدولة على أى رجل أعمال، حيث منح نصير تسعة مصانع بأراضيها وخطوط إنتاجها، وأمام ذلك طلب أن يجدد خطوط الإنتاج وشبكة النقل الخاصة بها، وبالفعل قام نصير بالتجديد وتشغيل شركاته، وبعد ذلك باع حصته فى كل المصانع إلى الشركة الأم العالمية بمبالغ طائلة دون أن تستفيد الدولة بأى مقابل! وكان نصير قد حصل على 49% من الأسهم، بينما حصل رجل الأعمال السعودى بقشان على حصة مماثلة من الأسهم، وفى عام 1999 ظهرت الشركة العالمية فى الصورة واستحوذت على 77% من الأسهم مقابل 400 مليون جنيه. وإذا كانت الدولة تمنح رجال الأعمال المصريين أموالها فلا مانع من ظهور عربى فى الصورة من خلال بيع شركة النصر لتعبئة الزجاجات «كوكاكولا» التى جرى بيعها للمستثمر اليمنى عبدالجليل عبد الحق بقيمة وصلت إلى 268 مليون جنيه، فى حين أن قيمة الأرض فقط أكبر بكثير من المنشآت والأصول والمعدات والآلات. ودخلت كوكا كولا بعد أن حصلت على ما تريد من الدولة واشترت عدة شركات مصرية مثل شركة الإسكندرية للمرطبات والقاهرة للمرطبات والصناعة ومصر للمياه الغازية وحفظ الأغذية والوطنية للمشروبات وشركة المياه الغازية العالمية والنصر لتعبئة الزجاجات. أما رجل الأعمال أحمد عز فقد كان جواز مروره للحياة السياسية عاملا مؤثرا فى كسره كل الحواجز والقوانين من خلال استيلائه على شركة الدخيلة للحديد والصلب برخص التراب عبر لعبة من رئيس الشركة لتذهب ملكيتها إليه فى استمرار لسياسة الفساد الكبير الذى ربما تتحمل الدولة فيه النصيب الأكبر لأنها وثقت فى عدد من الموظفين والوزراء ضعاف النفوس أمام المال فباعوا قوت الشعب إلى من لا يحتاج أو يستحق. وينضم رجل الأعمال رشيد محمد رشيد الذى أصبح وزيرا للتجارة فى عهد مبارك إلى قائمة المستفيدين من الدولة، حيث علم رشيد بحكم منصبه فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنقضى أن الشركة القابضة للأوراق المالية «هيرمس» تعتزم طرح اكتتاب عام للأسهم، واستغل هذه المعلومة الجوهرية، وعلى الفور تقدم بطلب وحصل على قرض بلا ضمانات حقيقية مستغلا نفوذه واشترى ستة ملايين سهم بسعر خمسة جنيهات وباعها بعد ذلك بضعفى السعر بعدما علم أن المساهمين الرئيسيين لن يدخلوا الاكتتاب للشراء وجرى تهريب الأموال بمساعدة ابنته إلى قبرص وتبلغ الأموال قرابة مليار جنيه وقتها، هذا بخلاف التواطؤ بينه وبين عز على منح رخصتى الحديد لمصانعه بالأمر المباشر بلا أى مزايدة أو إجراء يسمح لأى رجل أعمال بالمنافسة عليهما. ولا يمكن إغفال دور رجل الأعمال حسين سالم الذى حصل على مميزات لا يمكن لأى رجل أعمال آخر الاقتراب منها بعدما حصل على قروض لشركة بلا أى سابق خبرة ولا تملك أى ضمانات من أجل إقامة خط الغاز لتصديره إلى إسرائيل، فضلا عن أراضى شرم الشيخ الشاسعة لإقامة الفنادق والمنتجعات السياحية هناك مستغلا قربه من دوائر صنع القرار داخل عائلة مبارك ومنها منتجع «جولى فيل» وفندق فيل موفينبيك الجولف، إضافة إلى فندق الأقصر جراند أوتيل، إضافة إلى عدد من الشركات التى تتولى إدارة ممتلكاته الشاسعة مثل شركة نعمة للجولف والاستثمار السياحى وشرم الشيخ للفنادق ومراكز المؤتمرات وشركة فيكتوريا للفنادق، إضافة إلى شركة فيكتوريا للنقل السياحى وشركة تاكسى النقل الجوى المملوكة لنجله خالد. وبعد أن انكشف أمر سالم وسجنه غيابيا لمدة 15 عاما فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل وتغريمه مليارى دولار تقريبا وأيضا جرى سجنه فى قضية بيع الكهرباء بالأمر المباشر، حيث كان يتولى سالم رئاسة مجلس إدارة شركة ميدور ويحظر القانون على المصريين والأجانب بيع الطاقة إلى أى جهة غير حكومية، مما أضر عمدا بالمال العام. ولا يمكن إغفال ما قام به رجل الأعمال إبراهيم كامل فى الحصول على 42 مليون متر مربع فى الغردقة فى سهل حشيش مستغلا صداقته بجمال مبارك نجل رئيس الجمهورية، وذلك بالأمر المباشر من هيئة التنمية السياحية بسعر دولار واحد للمتر وكان يبيعه ب 80 دولارًا على الأقل للمتر الواحد ويمكن تخيل حجم المكاسب لاسيما أنه يحمل أيضا الجنسية الأمريكية. وحصل رجل الأعمال نيازى سلام على شركة «إيديال» من خلال شركة أوليمبيك جروب ب 300 مليون جنيه باعت أسهمها إلى شركة إلكترولكس السويدية بقيمة 500 مليون دولار وابقى على اراض ايديال وقيمتها حاليا 5 مليار جنيه فى استمرار لمسلسل تخلص القطاع العام من شركاته إلى رجال الأعمال. وهناك الكثير من الأمثلة التى توضح استفادة رجال الأعمال من الدولة سواء كانوا وزراء فى حكومة نظيف أو رجال أعمال بعيدين عن الواجهة السياسية. والغريب أنه كلما حصل مستثمر مصرى على حصة من القطاع العام نجد فى الغالب ظهور الأجانب بعد فترة فى هذه المؤسسات ليبدأ مسلسل الحصول على خيرات الشعب لاسيما أن كل شركة ترغب فى تحويل أرباحها إلى الخارج ولن يقوى البنك المركزى خاصة فى الوقت الحالى على الاستمرار فى سياسة تغيير العملة وتحويلها إلى الخارج.. فالاستثمار الأجنبى يحقق أرباحًا أكثر مما يدفع للبلاد وهذه سياسته فى أغلب الدول التى دخلها. • الدولة والإصلاح الفاسد فى عصر حكومة نظيف ظهرت حكومة رجال الأعمال والآن يبدو الطريق مفتوحا أمام مندوبين لرجال الأعمال داخل الحكومة من خلال مناصب تنفيذية خاصة أن السياسة الاقتصادية حاليا تتجه إلى الاستمرار فى الحصول على القروض خاصة من مؤسسات تهدف دائما إلى ضرورة إجراء إصلاحات ينجم عنها تدمير الغرض الاقتصادى وهو إتاحة الفرصة للفقراء فى حياة مقبولة. وتتجه الدولة إلى مؤسسات مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى من أجل الحصول على قروض والشروط واضحة مزيد من الخصخصة وبيع المال العام وتخفيض قيمة العملة وخفض الدعم حتى يتلاشى. وسيدفع الشعب المصرى الثمن من وراء هذه السياسات لأن الدولة لم تحل مشكلة البطالة أو الفقر أو توفير رعاية صحية لازمة للمواطنين أو تعليم جيد يتناسب مع سوق العمل. • المستفيدون من الخصخصة اعتبر رضا عيسى الباحث الاقتصادى ما تعرضت له مصر فى برنامج خصخصة الشركات التابعة لها بمثابة النهب الممنهج لقوت الشعب المصرى خاصة أن عددًا من البنوك كانت تميل حين تعلم أن هناك رجل أعمال سيحصل على شركة إلى تمويله لإدراكها بأن أموالها مضمونة. وأشار عيسى إلى أن الحكومة تحاول السير على روشتة البنك الدولى من أجل مزيد من الخصخصة وترك أموال القطاع العام لسياسات السوق، وهو ما يحدث حاليا من خلال الترويج لبيع الشركات داخل البورصة أو على الأقل جزء منها، لاسيما أن مصر حصلت مؤخرا على جزء من قرض البنك الدولى البالغ ثلاثة مليارات دولار. وأوضح عيسى أن الاتجاه للمؤسسات الدولية يجب أن يصحبه دفع الفاتورة الضخمة سواء من خلال صندوق النقد الدولى الذى يساهم فى حل مشاكل الموازنة العامة للدولة مقابل شروط تهدف إلى استهداف الفقراء فى نهاية المطاف أو البنك الدولى الذى يساهم فى المشروعات مقابل ذات الشروط المجحفة. ومن جهته أكد المحامى وائل حمدى أحد المساهمين فى رفع قضايا تستهدف إعادة شركات الخصخصة إلى أحضان الدولة من جديد أن الدولة عادة ما تكون المسئول الأول فى بيع ما تملك إلى رجال الأعمال. وأضاف حمدى إن الدولة فرطت فى القطاع العام لأنه لا يستطيع رجل أعمال أن يصنع دولة فاسدة أو نظامًا فاسدًا، وإنما يدخل لشراء المشروعات منها بوجود حالة من الرضاء وليس رغما عنها. وشدد حمدى على أن شركة المراجل البخارية كانت الركيزة الأساسية للاستثمار فى المجال النووى، ولكن كانت الأزمة الحقيقية فى التخلص منها وتحويلها إلى مشروع سكنى والآن يجرى الحديث عن قضية للتحكيم الدولى بشأنها. •