مازلنا نعانى من الانفلات الأخلاقى، الذى تفشى بشكل واضح وصريح فى مجتمعنا، وخصوصا بعد الثورة.. فكل من له حق أصبح يأخذه بالذراع وأصبح الصوت العالى هو سمة عصرنا.. حتى تلاشت الأخلاق والمبادئ والرحمة والتسامح داخل المجتمع.. فمن يتعامل بأخلاقه يتم أكله بسهولة، بل ويكون فى نظر الناس ضعيف الشخصية! وذلك لأن «قلة الأدب» التى نراها فى الشارع، جعلتنا نتخلى عن أخلاقنا التى ماتت بداخلنا.. ونفقد الأمل فى عودتها مرة أخرى.. ولكن عندما سمعنا عن مبادرة «أخلاقنا» التى تهدف الى إحياء منظومة الأخلاق واسترجاع القيم الأخلاقية والإنسانية بين الشباب، تجدد الأمل بداخلنا.. وخاصة بعد أن علمنا أن هذه الحملة تتبناها الدولة تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة.. حيث تنقسم هذه الحملة إلى شقين، الأول إعلامى وذلك عن طريق حملات من خلال شاشات التليفزيون والراديو وشبكات التواصل الاجتماعى.. الثانية ستكون متمثلة فى أنشطة شبابية بجميع المحافظات.. وستستمر هذه الحمله لمدة ثلاثة أشهر. • أرحب بالإصلاح فقد أخبرتنا آمنة نصير- أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- عن رأيها فى هذه المبادرة وكيفية عودة الأخلاق من وجهة نظرها؟ قائلة: أرحب بأى بادرة تصلح ولا تفسد.. حملة أخلاقنا هدفها الإصلاح وبالتالى أرحب بهذا الإصلاح تحت أى مسمى أو عنوان طالما تحمل القيم الأخلاقية والخير لهذا الوطن وأقول لها أهلا ومرحبا «وبارك الله فى خطواتها».. فإن انعدام الأخلاق يحمل الكثير.. فالتمرد عندما يصاحبه تطاول يعتبر قلة أدب.. فمن الممكن أن أتمرد فى حدود ما هو متاح لى.. مثل رفض الشباب أمورا من العصور القديمة طالما لا تمس القضية الدينية فلا يوجد مانع فى ذلك.. وهذا يحدث بالفعل تمرد الابن على سطوة الأب الذى لايعطى أى مساحة للتفاهم مع هذا الابن.. وبالتالى أصبح جيل هذه الأيام متمردا، ليس لديه الطاعة العمياء وقول «نعم وحاضر».. فعلى الرغم من أن افتقادنا لهذه الأخلاق هو خسارة، لكنها طالما لا تصل إلى التطاول ولا إلى الألفاظ التى تخرج من الإطار القيمى إلى الإطار غير الأخلاقى لا تعتبر «قلة أدب». أما عن رأيها فى انتقاد الناس للحملة، توضح قائلة: لقد أصبحنا شعباً لا نكف عن النقد.. فنحن الآن نعيش ثقافة «جحا وحماره».. فقد أصبحت لدينا رغبة النقد، وليس النقد البناء، بل النقد الصفصفى الذى يخرج من المعنى.. فمن الممكن أن انقد نقدا بناء طالما فيه البناء والضوابط الأخلاقية.. ولكننا للأسف أصبحنا فى حالة الصفصفة الكلامية والرغبة فى النقد دون أى بناء أو دون أى هدفا فى هذا النقد.. وبالتالى على الأسرة والإعلام المرئى والنادى الرياضى وأى جهه فيها احتكاك جماهيرى، أن نبحث عن القدوة وعن القيم الأخلاقية.. وأننا نضبط ألسنتنا من هذا الكلام الذى أصبح ينتشر ليلا نهارا. • حملة كوميدية بينما أوضحت الدكتورة نادية رضوان- أستاذ علم الاجتماع - عن رأيها قائلة: لم أفهم هذه الحملة بالمرة.. وهل «أخلاقنا» تحتاج إلى حملة أم منظومة كامله بها تعليم وخطاب دينى وإعلام؟!..فالأخلاق ليست كلاماً!!.. وهل دكتور على جمعة وعمرو خالد يستطيعان أن يصلحا ما أفسده الدهر؟!.. وهل مشكلة الأخلاق تم حصرها فى الدين فقط؟!!.. فالدول الأوروبية ليس لديهم دين ولكن لديهم أخلاق وضمير.. وبالتالى أرى أن هذه الحملة شىء كوميدى!!.. وليس بها مصداقية وغير مقنعة بالمرة!!.. فالأخلاق جزء من القيم.. والقيم مجموعة من محددات السلوك.. الأديان كلها مليئة بالقيم الإيجابية وتحض على كل ما هو إيجابى وجيد.. فهى منظومة، تأتى عن طريق مجموعة مؤسسات، والأسرة إحدى مؤسساتها التربوية الأساسية.. فإن 70% من مكونات الشخصية تتم فى الثلاث سنوات من عمر الطفولة.. ويليها بعد ذلك التعليم من خلال المدرسة، ويوازيهم فى ذلك الإعلام الذى يعتبر نكبة هذا العصر.. فإذا كان التعليم تدنى وانهار، فعلى الإعلام أن يكون هو البديل وأن يكون له دور تنويرى وبعيدا عن أى أرباح.. وبالتالى أرى أن هذا الدور يقع على عاتق التليفزيون المصرى لأنه الوحيد الذى يستطيع أن يقوم بعمل برامج تنويرية إيجابية ليس هدفها الربح.. على عكس القطاع الإعلامى الخاص الذى يصب همه على الربح فقط.. ونرى ذلك من خلال الموضوعات الشائكة التى يتم اختيارها لتناولها وكل هذا على جثة المواطن.. أما بالنسبة للخطاب الدينى، فلا يوجد رجل دين يظهر فى التليفزيون أو حتى يحرم فى خطبة الجمعة تحرش الولد بالبنت.. أو حتى حرمانية البصق فى الأرض لأنه يعتبر اعتداء على حق الآخرين.. فالشيوخ دورهم متقاعس.. فهم يهتمون فقط باللبس والزى والصلاة والصوم العبادات التى تربينا عليها.. ونسوا المعاملات؟!.. فالدين معاملة. فمن الصعب تربية هذا الجيل الآن.. لأنه تخطى العشر سنوات وبالتالى من الصعب أن نفعل له شيئا.. ولكى نعيد الأخلاق فى المجتمع مرة أخرى علينا أن نعود لكتب المطالعة التى كانت بها القيم التى تربينا عليها.. وأن تدرس لرياض الأطفال حتى نستطيع أن نبث لهم القيم عن طريق حكايات صغيرة ورسومات أطفال.. فقد تعلمنا الأخلاق عن طريق هذه الحكايات وكتب المطالعة.. وأن نزرع الجمال والأخلاق فى وجدانهم منذ الصغر.. حتى ننشئ جيلا مليئا بالأخلاق والقيم السامية. • لا أثق فى هذه الحملة أما الدكتور كمال مغيث - الخبير والباحث التربوى - فيقول: هذه حملة وهمية «حقيرة».. حملة تستهدف صرف أنظار الشباب عن المشكلات الحقيقية فى المجتمع.. حمله مضمون الدعوة بها، هو تشويه الشباب المصرى وتشويه المجتمع المصرى.. المجتمع المصرى من المجتمعات المعروفة بالأخلاق.. وبالتالى يجب أن نبحث عن أسباب الانهيار وليس عمل حملات كل مهمتها التغطية على الفشل وعلى التدهور الذى حدث فى المجتمع.. وأكبر دليل على كلامى أن أصحاب الحملة عمرهم ما كانوا أصحاب مبادئ ولا أصحاب مشاريع.. فهم طوال الوقت خادمون للسلطان وبالتالى لا أثق فى أى شىء يأتى من ورائهم.. فالشباب ليس لديهم قلة أخلاق، هم فقط يعبرون عن أنفسهم تعبيرا جارحا أو قاسيا، بشكل من أشكال محاولة إثبات أنه موجود وأنه مازال فاعلا ومازال ينبغى أن يؤخذ فى اعتباره.. فشبابنا أكثر من رائع.. وعلاج ذلك أنه يجب أن يكون هناك عقل اجتماعى محترم.. وأن تأخذ الناس حقوقها وأن تكون هناك مشاريع اقتصادية ومشاريع تنموية تضع الشباب فى اعتبارها ويكون هناك احترام للقانون، وإذا حدث هذا ستعود الأخلاق مرة أخرى.. أيضا مؤسسة التعليم لها دور كبير فى انهيار الأخلاق، لأنها لم تعد هناك مؤسسة حقيقية، وإنما أصبح لدينا مجرد دروس خصوصية.. وتحول التعليم إلى سوق يشبه سوق الجمعة وبالتالى لم تكن الأخلاق هى العنصر الرئيسى الحاكم فى مثل هذه الأسواق.. وخصوصا عندما تكون عمليه البيع والشراء هى العملية الحاكمة. •