من بين حكام مصر فى العصر الحديث والمعاصر يبقى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحده المهتم والمهموم بالثقافة بمعناها الواسع سواء فى قراءته لمئات الكتب فى فترة شبابه أو تأليفه لكتب تعبر عن فكره السياسى والثورى أو حتى فى إدراكه لأهمية الإعلام والمعلومات وتأكيده عليهما طوال فترة حكمه التى شهدت نهضة ثقافية عظيمة لاتزال آثارها حاضرة حتى اليوم. ورغم أهمية موضوع ثقافة الرئيس وماذا يقرأ، التى تنعكس على أفكاره وقراراته فى الحكم فإنه لا يجد اهتماما فى العالم الثالث بعكس دول العالم الأول ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال، يرفع الرئيس مؤشرات الأكثر مبيعا، حين تعلن الرئاسة عن «لائحة كتب الرئيس»، ثم تقوم وسائل الإعلام بفرد مساحات طويلة للنقاد لتحليل هذه الكتب، وبالاقتراب من عالم عبدالناصر نجده كان شديد الولع بالمتابعة والقراءة، ولا يكتفى بالتقارير التى تصله من أجهزته الأمنية ومصادره الخاصة. وفقا للموقع الإلكترونى للرئيس عبدالناصر نجد أن هناك أكثر من مائة كتاب قرأها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كانت الأغلبية منها فى فترة دراسته الثانوية والكلية الحربية، وأغلبها تدور فى فلك السياسة والحرب، وسير المشاهير من رجال السياسة والحكم • قراءات فى الثانوى التحق جمال عبدالناصر فى عام 1929 بالقسم الداخلى فى مدرسة حلوان الثانوية ثم نقل فى العام التالى - 1930 - إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك، وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه السياسى وكثرة مشاركته فى المظاهرات ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة، وهناك التحق جمال عبدالناصر فى عام 1933 بمدرسة النهضة الثانوية بحى الظاهر بالقاهرة، واستمر فى نشاطه السياسى فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوى، وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة فى التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن «روسو» و«فولتير» وكتب مقالة بعنوان «فولتير رجل الحرية» نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن «نابليون» و«الإسكندر» و«يوليوس قيصر» و«غاندى» وقرأ رواية البؤساء ل «فيكتور هيوجو» وقصة مدينتين ل «تشارلز ديكنز»، كذلك اهتم بالإنتاج الأدبى العربى فكان معجباً بأشعار أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبى محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم. أتم جمال عبدالناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا فى القسم الأدبى قرر الالتحاق بالجيش، فتقدم إلى الكلية الحربية فنجح فى الكشف الطبى ولكنه سقط فى كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بنى مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك فى مظاهرات 1935، ولأنه لا يملك واسطة، ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم فى أكتوبر 1936 إلى كلية الحقوق فى جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة 1936 واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصرى من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، أعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية. لقد وضع جمال عبدالناصر أمامه هدفاً واضحاً فى الكلية الحربية وهو «أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التى تسمح له بأن يصبح قائداً»، وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل «بونابرت» و«الإسكندر» و«بسمارك» و«مصطفى كمال أتاتورك» و«هندنبرج» و«تشرشل» و«فوش». كما قرأ الكتب التى تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التى على البحر المتوسط والتاريخ العسكرى. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى، وعن تاريخ ثورة 1919. الخلاصة أن جمال عبدالناصر فى قراءته للسير الذاتية والتاريخ، كان على ما يبدو فى «حالة بحث» ممتزجة برغبة نهمة فى المعرفة، لعله يهتدى إلى نموذج، وكان ناصر أيضاً يقرأ بالإنجليزية وكان يطالع وفق القائم «التايمز» الأسبوعية، وجريدة «إجبشيان جازيت»، وجريدة «هيئة الجيش الملكية المتحدة». • مؤلفات ناصر من الثابت تاريخياً أن جمال عبدالناصر لم يكتب شيئاً مطبوعاً حتى العام 1955 حين نشرت له مجلة «آخر ساعة» سلسلة مقالات عن «يوميات حرب فلسطين 1948» والتى صدرت فى كتاب.. ثم قصة «فى سبيل الحرية» التى بدأ كتابتها وهو طالب بالمدرسة الثانوية وفازت بالجائزة الأولى فى المسابقة التى أجراها المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية «المجلس الأعلى للثقافة الآن». ويمكن القول إن الرئيس جمال عبدالناصر كان إعلامياً من الطراز الأول، يتابع بنفسه الإذاعات العالمية مثل الإذاعة البريطانية «بى بى سى» وصوت أمريكا، وإذاعة «الشرق الأدنى» من قبرص التى كانت لسان حال الاستعمار البريطانى فى المنطقة، وإذاعة «مصر الحرة» التى كان يتولى أمرها آل أبوالفتح بدعم من المخابرات الغربية، وكذا إذاعة «إسرائيل» وصحافتها. وبحسب سامى شرف سكرتير عبدالناصر للمعلومات، فالرئيس كان يعتبر الصحف اللبنانية بمثابة مرآة ونافذة على العالم الخارجى عربيا وعالميا، وكان يهتم بكل ما تنشره هذه الصحف، المعادى منها قبل المؤيد لسياسة الثورة،. وكان أيضا يحب أن يقرأ صحفا ومجلات أجنبية بالذات مثل «النيوزويك» وال«تايم» و«النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست» من أمريكا، «التايمز» و«الجارديان» و«الايكونوميست» البريطانية. وقد ظل عبدالناصر طوال فترة حكمه حريصا على أن يقرأ الطبعة الأولى من كل الصحف اليومية. • ناصر وأهمية المعلومات يحكى سامى شرف شهادته عن تجربة عمله كسكرتير للمعلومات مع عبدالناصر كاشفا عن أفكار هذا الرجل الذى كان يعرف قيمة المعلومة وتوجيهها واستخدامها جيدا. فقد أعطى توجيهاً واضحاً بعدم عرض أية ورقة تبدأ بعبارات مثل «نما إلى علمنا» أو «يُقال»، أو «يُشاع» إلا إذا كان التقرير عن الشائعات، وأكد أن ما يجب عرضه فقط هو ما يندرج فى مفهوم المعلومة المحققة مثل «الواقعة كذا حدثت فى الساعة كذا فى المكان كذا..»، وأمر بإعادة ما يخالف ذلك للجهة التى أرسلته أو إهماله كلية. ويواصل شرف: «كان يوم العمل يبدأ باستعراض التقارير والبرقيات الواردة من وزارات الخارجية والداخلية والمخابرات العامة والسفارات المصرية فى الخارج. يضاف إلى ذلك إنتاج وكالة الأنباء العربية، فقد كنا نحصل عليها من الإذاعة المصرية، والصحافة الأجنبية التى كانت تمدنا بها مجموعة الصحافة فى المخابرات العامة ثم بعد ذلك مصلحة الاستعلامات ووكالة أنباء الشرق الأوسط بعد إنشائها، وقد اقتضى ذلك الاستعانة بمترجمين سواء مقيمين فى السكرتارية أو من مصلحة الاستعلامات، وفى النهاية يتم استعراض رسائل المواطنين للرئيس، سواء من الداخل أو من الخارج، وخصوصاً تلك التى كانت تحوى معلومات أو آراء مؤيدة أو معارضة للنظام، بما فيها الشتائم والنكت. وكان معروفا أن الرئيس عبدالناصر بابه مفتوح للسياسيين والمثقفين والمناضلين فى العالم الثالث، حيث كانت الجلسات الطويلة معهم تستهدف الاستماع إلى آرائهم الشخصية والتعرف إلى شعوبهم وإلى تجاربهم السياسية والنضالية ومكوّنها الثقافى، ولا يُستثنى من ذلك أبرز فلاسفة العصر مثل جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار وروجيه جارودى أو من كبار الأدباء والكتّاب والمثقفين. على سبيل المثال روبرت سان جون وكلود استييه وجان لاكوتير وديزموند ستيوارت، وأندريه مالرو وجون جونتر وغيرهم. •