لا شك أن الشاعر الكبير فؤاد قاعود حالة نادرة من حالات الشعر العامي.. علم نفسه بنفسه.. إذ بدأت علاقته بالقراءة وهو فى السادسة عشرة من عمره حتى أجادها تمامًا.. وعجز عن تعلم الكتابة إذا كان يصعب عليه الإمساك بالقلم بعد هذه السن المتأخرة.. فكان يتلو أشعاره على أصدقائه ليكتبوها.. أو يحفظ أشعاره التى يؤلفها.. وبعد ذلك تعلم الكتابة على الآلة الكاتبة.. وبواسطتها كان يسجل أشعاره على الورق. ولد فؤاد قاعود بالإسكندرية واعتبر بيرم التونسى هو معلمه الأول وقدوته فى الانحياز للفقراء.. وعندما جاء إلى القاهرة ليقضى فترة تجنيده بالقوات المسلحة.. بحث عن صلاح جاهين حتى وجده فى مجلة صباح الخير.. أحبه جاهين وقدمه إلى قراء مجلة صباح الخير من خلال باب (شاعر جديد يعجبني) الذى كان يحرره جاهين ليقدم منه الأصوات الجديدة فى عالم شعر العامية.. وكان قاعود من أوائل الشعراء الذى قدمهم جاهين.. وتبعه سيد حجاب والأبنودى وحجاج الباى وفريدة إلهامى ومحمود عفيفى وفؤاد بدوى وزكى عمر.. وبعد أن أنهى قاعود خدمته العسكرية فى بداية الستينيات قدمه جاهين لإحسان عبد القدوس.. الذى عينه على الفور براتب شهرى قدره عشرون جنيها.. وهو مبلغ ضخم بمرتبات تلك الأيام.. ولأول مرة وأعتقد ولآخر مرة يكتب فى عقد محرر بمجلة صباح الخير: (يعين بوظيفة شاعر).. وبدأت رحلة فؤاد قاعود على صفحات مجلة صباح الخير. وكان لفؤاد قاعود فضل تجميع عدد من الشعراء ليصطحبهم إلى ناظر مدرسة الشعر العامى صلاح جاهين.. وأمتعنا فؤاد قاعود بقصائده الحادة العميقة.. فهو واحد من أهم الأصوات المتميزة.. فلمع نجمه فى فترة من أخصب فترات الحركة الأدبية فى مصر.. وهى فترة الستينيات وأصر قاعود من البداية على الاعتراض.. لم يتفق مع أى نظام منذ عهد عبد الناصر ومرورا بعهد السادات ورحل عن عالمنا فى عهد مبارك.. ولم يسع إلى الظهور فى عهد منهم.. فدأب على وضع أصابعه.. فى عين الحقيقة بجرأة شديدة.. آثر أن ينشر أسبوعيا فى مجلة صباح الخير منذ بداية الستينيات.. فكان الأغزر إنتاجا بين كل رفاقه من الشعراء.. ورغم ذلك لم يفكر فى جمع هذه الأعمال المتدفقة فى دواوين شعرية.. إلا فى وقت متأخر للغاية.. وكان هو الأجدر بأن يكون ترتيبه الرابع فى ترتيب إصدارات رواد شعر العامية.. فبعد بيرم التونسى جاء دور المثقفين الذين لعبوا دورا رياديا فى تكوين السبيكة الأولى لشعر العامية المصرية.. والذين تعد أعمالهم الأولى رصيدا حقيقيا لهذا الشعر الجديد.. وجاءت تلك المحاولات بالترتيب على النحو التالي: - ديوان (بلوتو لاند) للدكتور «لويس عوض» 1947. - ديوان (أحرار وراء القضبان) ل«حداد» 1951. - ديوان (كلمة سلام) ل«صلاح جاهين» 1955. - ديوان (موال علشان القنال) ل«صلاح جاهين» 1956. - ديوان (عن القمر والطين) ل«صلاح جاهين» 1961. - ديوان (الأرض والعيال) ل«عبدالرحمن الأبنودي» 1962. - ديوان (رباعيات صلاح جاهين) 1963. - ديوان (حنبنى السد) ل«فؤاد حداد» 1964. - ديوان (قصاقيص ورق) ل«صلاح جاهين» 1966. - ديوان (صياد وجنيه) ل«سيد حجاب» 1966. ثم توالت بواكير أعمال الرعيل الأول من جيل الرواد.. وسنلاحظ هنا غياب دواوين فؤاد قاعود عن القائمة السابقة.. رغم غزارة إنتاجه.. فقد اكتفى شاعرنا الكبير فؤاد قاعود بنشر أعماله على صفحات مجلة صباح الخير أسبوعيا فقط.. ولم يفكر فى جمع قصائده داخل ديوان واحد طوال الستينيات وحتى نهاية السبعينيات.. عندما أصدر ديوانه الأول كان يحمل عنوانا له دلالة فى نفسه.. وهو «الخروج من الظل».. فى طبعة فقيرة متواضعة بلا رقم إيداع.. ولا تاريخ صدور.. وكأنه زاهد فى الحياة.. كما ألفناه دائما.. وتضمن هذا الديوان معظم قصائده الأولى.. وأتبعه بعد ذلك بديوان «الاعتراض» سنة 1977.. ثم ديوان «المواويل».. وتوالت الدواوين تصدر تباعا.. ولعل علاقة فؤاد قاعود بالفنان حجازى رسام الكاريكاتير كانت وراء ظاهرة فريدة فى الصحافة المصرية.. إذ كانا يخرجا فى رحلات صحفية يحوبان فيها أنحاء مصر ويعودان يحمل كل منهما انطباعاته رسما وشعرا.. فكان قاعود يسجل كل لحظة من لحظات الرحلة بقصائد متدفقة بالحياة والمرح.. وكان حجازى يرسم كل التفاصيل برسومه الكاريكاتورية الرائعة.. وكان فؤاد قاعود خارج حدود السيطرة.. وعندما حدثت بعض الخلافات بينه وبين أحد رؤساء التحرير كان يقول: «الشاعر ليس له رئيس تحرير فالشاعر رئيس تحريره ربنا».. ولكن للأسف عندما بلغ قاعود سن الستين.. أوقف أحد رؤساء تحرير مجلة صباح الخير نشر أشعاره تماما.. ووقع عليه هذا القرار كالصاعقة.. ولم يكن يتوقع أحد منا أن الشاعر قابل للتوقف عن كتابة الشعر مهما كانت الأسباب.. ولم تمض سوى أشهر قليلة ورحل عن عالمنا الزائف أنبل فرسان شعراء العامية مهموما بالوطن وقضاياه.. بعد أن كتب للشيخ إمام فى بداية السبعينيات: زرعت غيطى بالعمل معطاشي وهبت عمرى للأمل ولا جاشي ورعيت لمحبوبى هواه مرعاشي والليل عليا طويل.. وأنا العليل موجودواه بس الطبيب مرضاشي والوعد دين.. الوعد دين من أشعار فؤاد قاعود الرائعة: العفريت نشرت فى مجلة «صباح الخير»/ العدد: ( 316) - 8 / 1 / 1962 الرجل انقطعت م الحارة والوقت ظلام.. الناس قاعدين جوه بيوتهم ولا حدش نام ومصاحف طلت م الشبابيك رجلين بتدبدب فوق السطح وضوافر بتخربش فى الشيش صوت بنت بيصرخ وسط الليل البيت اتهد.. البيت اتهد.. مسكينة البنت اللى اتقتلت فى الحارة السد.. مسكينة البنت اللى اتردمت تحت الأنقاض صابحة.. أم التفاح ع الخد.. ليلة دخلتها يا ضنايا البيت اتهد.. مسكينة البنت اللى اتردمت يوم فرحتها بيصرخ وسط الليل عفريتها.. وبيرمى على الحى اللعنات.. ملعون الحى اللى يكفن بترابه بنات يوم دخلتهم.. ملعون الحي ياشيخ معروف.. ياللى مقامك بالطوب الني حيك قرفان.. حيك جبانة قرفانة مليانة جتت.. ومغطيها الدبان.. حواريه وزقايقه جحور.. وعرس، وقطط، وفيران .. ياشيخ معروف حيك عجز.. بيموت.. بيموت بالناس اللى فى قلبه ولا حدش حاسس بيه.. الهيلتون.. فوق النيل واقف.. ومدارى عليه.. •