صدق أو لا تصدق.. إننى لا أتذكر مما درسته عن حرب أكتوبر طوال سنوات تعليمى غير جملة «ونجح جيشنا العظيم فى عبور القناة وتحطيم خط بارليف» هل من الطبيعى ألا أتذكر غير تلك الكلمات عن معركة العزة والكرامة التى خاضها الجيش المصرى؟! هل تصدق أننى سمعت بنتين فى المترو تبلغان من العمر اثنى عشر عاما تقريبا تعتقدان أن أحمد عرابى وسعد زغلول من أبطال حرب أكتوبر؟!
هل تصدق أن الباب الثالث عشر فى مادة التاريخ للمرحلة الثانوية والذى يتحدث عن حرب أكتوبر يلقب بأسخف جزء فى المادة وكثير من الطلبة يسعى لتركه لعله يأتى فى السؤال الاختيارى!
هل تصدق أن الفيلم الوثائقى الوحيد عن حرب أكتوبر حبيس الأدراج ونادرا جدا عرضه ولا يعرض فى المدارس أو الجامعات؟!
هل تصدق أننا لا نعرف الأبطال الحقيقيين المغمورين لحرب أكتوبر، ولم ندرس غير اسم السادات ومبارك ومؤخرا تعرفنا على سعد الدين الشاذلى؟!
هل تصدق أننى أم مصرية أبلغ من العمر 27 عاما لا أشعر بفخر عميق وحقيقى بحرب أكتوبر ولا أمتلك معلومة واحدة ممتعة ووافية أحكيها لأطفالى الصغار فى ذكرى حرب أكتوبر؟! أنا الآن لا أصدق سوى أننى ضحية التعليم مصرى!
وعلى وجه الخصوص الجزء الخاص بأكتوبر فإذا اعتبرنا أن الطلبة هم المرضى وجب الاستماع إليهم.
تقول مها طالبة فى السنة الأولى كلية الآداب: جدى كان أحد أبطال حرب أكتوبر وكثيرا ما كان يجمعنى أنا وأولاد أعمامى يوم 6 أكتوبر ويحكى لنا عن البطولات وذكريات هذا اليوم، ولطالما استمتعت كثيرا من هذه الحكايات وشعرت بالفخر أننى مصرية فقد كان يحكى لنا قصص زملائه الجنود الذين يتذكرهم بأسمائهم ولا يزالون يتقابلون حتى الآن ويحكون لنا أيضا تجربتهم فقد كان جدى حريصا على أن نكبر جميعا ونحن نعى أهمية هذا اليوم ونفتخر به وبشهدائنا وبأسرانا، وهذا ما حببنى فى دراسة التاريخ بوجه عام ويعد أن درست حرب أكتوبر فى مادة التاريخ فى الثانوية العامة وصدمتنى طريقة العرض وكتابته فالمنهج ليس إلا أسماء مواقع وتواريخ جافة وتمجيد للضربة الجوية قررت أن أتجاهل المنهج تماما وأن أقرأ عن الحرب وأبحث عن المعلومة كما عودنى جدى، ولكن للأسف درجتى فى التاريخ لم تكن جيدة بما يكفى وأثرت بشكل كبير على مجموعى النهائى لأننى لم ألتزم بالإجابة النموذجية ولكن كان ذلك بالنسبة لى أهون من أحفظ معلومات صماء تتنافى مع ما تعلمته من أن جدى طوال سنوات عمرى.
فإذا كان هذا المرض هو بيت الداء فقد جاء وقت التشخيص وليس هناك أفضل من الخبير التربوى الدكتور كمال مغيث والذى يتصادف أنه بالأصل مدرس تاريخ .. يشخص معنا المرض ويصف لنا الدواء.
∎ مشكلة تدريس التاريخ بشكل خاص
يقول د. كمال: أما بالنسبة إلى التاريخ بشكل خاص فهو قلب المواد الإنسانية التى تعمق الشعور بالانتماء والهوية وإهمالها كما يحدث الآن يؤدى للإحساس بعدم الانتماء وضياع الهوية المصرية المميزة التى تندثر يوما بعد يوم إذا استمررنا هكذا ويعانى التاريخ من مشكلتين سلبيتين أساسيتين هما أن تدريس التاريخ يعتمد على ترديد وقائع جافة ميتة وتواريخ متناثرة تفتقر إلى إشعال الحماسة وتعميق الإحساس الوطنى وليس على الطالب سوى حفظها وملئها فى ورقة الامتحانات ولا يتذكر منها شيئا بعد ذلك!
والمشكلة الثانية تكمن فى البعد الأيديولوجى فى كتابة التاريخ فكل حاكم يكتب التاريخ كما يحلو له يمجد فى نفسه ويمحو آثار من سبقوه، وهذه عادة فرعونية قديمة نتوارثها منذ آلاف السنين وحان الوقت لتغييرها فالطلبة الذين درسوا حرب أكتوبر طوال السنين العشرين الأخيرة كانت الضربة الجوية دائما فى صدارة المشهد وأهم حدث فى الحرب حتى إن دور السادات فى التخطيط والقيادة كان مطموسا بشكل كبير وإذا كان مرسى أكمل مدته من الجائز أننا كنا نفاجأ به كأحد أبطال الحرب الذى لا يعرفه أحد.. ولذلك فأنا أفكر الآن جديا فى اقتراح مادة فى الدستور تنص على أن مؤسسات التعليم المصرية هى مؤسسات وطنية ويحظر ويجرم فيها أى نوع من التمييز السياسى أو الدينى.
ويتذكر د. كمال: فترة حرب أكتوبر كنت فى مرحلتى الثانوية وبعد الحرب ذهبنا فى رحلة إلى سيناء لا أستطيع أن أصف لحظة أن رأينا أرض سيناء دون تفكير سجدنا جميعنا لله وقبلنا الأرض ودموعنا تنهال على تراب الأرض لتذكرنا بفرحة النصر ورجوع حق الشهيد وأثناء رجوعنا جميعنا أخذنا حفنة من تراب سيناء لنريها لأصدقائنا وأهلنا فى القاهرة فقد كانت بالنسبة لنا فرحة لا توصف وإحساسا لن يتكرر أحسد عليه جيلى.
ويعلق قائلا: أما الطالب المصرى الآن فكيف يشعر بمعنى عودة سيناء أو معنى النصر الحقيقى إذا كانت سيناء الآن لا تعنى له سوى أنها وكر للإرهاب والتطرف أو أنها مشتا ومصيف باهظ الثمن ولا يستمتع به سوى علية القوم.. كيف يحرم أكثر من نصف الشعب المصرى من زيارة الأرض التى استشهد فيها آباؤهم أو أجدادهم.. إن هذا هو قتل متعمد لروح الانتماء المصرية.
∎ حان وقت العلاج
إذا كان هذا هو الداء وعرفنا تشخيصه والعلاج ليس بشىء غريب أو آتٍ من كوكب آخر .. فى السطور القادمة أفكار قد تحسن من طرق تدريس التاريخ بوجه عام وتنمى عقل أولادنا بعضها كان من اقتراح مدرسين متخصصين وبعضها كان من اقتراح طلبة لا يشعرون بالرضا عما يحصلونه، فإن لم تستجب المدارس ولم تتعدل المناهج سأطبق تلك الطرق بمفردى مع أطفالى ولعلكم أنتم أيضا تفعلون.
التمثيل والمسرحيات المدرسية إحدى طرق توصيل المعلومة يمكن اختيار مواقع محددة من التاريخ وليقوم الطلبة بكتابتها وتمثليها وهكذا سيعرفون معلومات تترسخ فى ذهنهم ولا ينسونها بسهولة.
إجراء ندوات يحضرها الأبطال الحقيقيون للحرب ويتحدثون فيها عن ذكرياتهم فسماع الحقائق من أصحابها يترسخ فى الذهن ولا ينسى بسهولة.
نهاية أحب أن أضيف أن الوصول إلى المعلومة عن طريق البحث وتبادل المعلومات مع الأصدقاء وإجراء المسابقات وإشعال روح المنافسة والرحلات إلى مواقع الأحداث تعمل على أن تصبح المعلومة حقيقية مجسدة من دم ولحم وروح.. وليست شيئا أصم أجوف يدفع للحفظ والتلقين فقط.. وأن حرب أكتوبر ليست مجرد حرب وواقعة مهمة فى تاريخ مصر، بل هى حقا مدعاة للفخر والانتماء.