دون أن تكون عضوا بأحد الأحزاب أو التيارات السياسية الشهيرة، ودون أن تكون من الوجوه السياسية والإعلامية الدائمة، ودون أن يحملها مقعد نقيب، وجدت الموظفة الحكومية وطبيبة الأطفال، د.عزة العشماوى نفسها، عضوا بلجنة الخمسين لكتابة دستور مصر.. بترشيح من المجلس القومى للطفولة والأمومة، تركت عزة وحدة مكافحة الإتجار فى البشر المسئولة عنها، وتفرغت للجنة الدستور، لتعيش يوميات مختلفة، عن تلك التى عاشتها طوال حياتها العملية.. يوميات د.عزة فى لجنة الحوار المجتمعى، إحدى اللجان الأربعة لكتابة الدستور، روتها لصباح الخير بطريقتها فى السطور التالية. سورة ياسين وسورة الفاتحة أقرأهما يوميا فى طريقى لمجلس الشورى.
يبدأ العمل من العاشرة صباحا وحتى السابعة مساء يوميا، عدا الجمعة، وأحيانا تمتد الراحة الأسبوعية إلى السبت، المهم أن يكمل الأعضاء 30 ساعة عمل أسبوعية، كما أعلن رئيس لجنة الخمسين، عمرو موسى، فى الجلسة الافتتاحية.
العمل باللجنة بدأ منذ 8 سبتمبر، ويستمر شهرين، أى أن العمل قارب المنتصف، والشعور بالمسئولية يزداد كل يوم، ومازالت أحرص على ألا أغير مقعدى، الذى جلست فيه فى القاعة المخصصة للجنة بالطابق الأرضى.
∎ الفلاح الودود
تتحشرج الكلمات فى فم د.عزة: أفتقد زميلى فى لجنة الحوار المجتمعى محمد عبدالقادر، نقيب الفلاحين، الذى توفى قبل أيام.
أفتقد زميلى صاحب الجلباب الفلاحى، الذى أزال رهبتى فى أول أيام عملنا، بترحابه، وحفاوته ووده، الذى لم أجده عند كثيرين، وأجلسنى بجانبه، وعرفت من خلاله معنى الود الفلاحى، وقدرت حبه للفلاح وللغلابة، وسعيه لمساعدة أطفال الفلاحين المرضى.
زميلى نقيب الفلاحين كان صاحب فكرة أن ينتقل أعضاء اللجنة إلى المحافظات للالتقاء بالناس، وليس إلى من يأتون إلى اللجنة فى لجان الاستماع، وكان قد بدأ بالفعل فى عقد لقاءات جماهيرية، وكتابة تقاير عن نتائج هذه اللقاءات، وينقل مشاكل الناس إلى أعضاء اللجنة، ليستفيدوا منها فى تدوين رؤية الناس وطلباتهم من الدستور.
الغريب أنه كان قد أعد للجنة استماع لوفد من الفلاحين، يوم الأحد قبل الماضى، لكنه توفى السبت، ولم يأت الوفد إلى اللجنة، ولكن ذهبوا جميعا إلى الجنازة، وتأجلت لجنة استماعهم إلى الأسبوع التالى.
تتوقف عزة عند اللواء مجد الدين بركات، رئيس هيئة القضاء العسكرى، الذى يطمئنها وجوده فى لجنة كتابة دستور مصر، ممثلا للقوات المسلحة، مثلما تشعر بالفخر، لتفرغ أستاذ القلب العالمى مجدى يعقوب، لحضور جلسات اللجنة يوميا، وعلى أن يظهر الدستور بشكل مرضى للناس.
يلفت نظر عزة أن بعض الأعضاء الاحتياطيين فى اللجنة، لهم دور فعال وواضح، مثل عمرو درويش، أحد شباب ائتلاف الثورة، الذى يحرص دائما على الترتيب والإعداد الجيد لكل عمل من أعمال اللجنة، ويتابع بجدية أعمال اللجان الثلاثه الأخرى، ويلفت نظر أعضاء لجنة الحوار المجتمعى، لحضور بعض اللقاءات فى اللجان الأخرى.
تكمل عزة: لاحظت أيضا حرص محمود بدر، وحنان أبوبكر، من شباب حملة تمرد، على تدعيم الجهاز الإدارى للدولة، رغم أنهم لا يريدون مناصب به.
أشعر أن صداقة ستجمعنى بهؤلاء الشباب فى المستقبل، يشعروننى أن مصر تتغير للأفضل، أتعلم منهم أنه لم يعد من الممكن أن نسكت عن حقوقنا، وأنه لم يعد من الممكن أن يجامل أحد على حساب الحق، مهما كانت التضحيات.
∎ مشاعر لجان الاستماع
لجان الاستماع فرصة ذهبية لى للالتقاء، بالعمال والفلاحين، وأعضاء بالجمعيات الأهلية، والقانونيين، وممثلى قوى سياسية مختلفة، وفى الجلسات العامة نعرض لكل ما جمعناه خلال أسبوع.
وتكمل د. عزة: الناس تريد أن تكتب كل شىء فى الدستور، مشاعرها ومشكلاتها، وتخوفاتها، وطلباتها، ونحن نكتب كل المقترحات، أمامنا فى نسخة مسودة لجنة العشرة، التى سلمت لكل منا، كما نسلمها لكل من يأتى الى اللجنة من الجمهور، خلال لجان الاستماع.. تأتينا بعض المقترحات بالبريد، وأحيانا بالبريد الإلكترونى، فنضمها أيضا للمقترحات.
كانت ليلة حزينة، حينما عدت إلى البيت، ولم أجد نسختى التى أكتب فيها ملاحظاتى وبعض المقترحات، شعرت أنى فقدت شيئا كبيرا ارتبطت به كثيرا، وفرحت فى اليوم التالى، حينما وجدت أن أحد الزملاء وجدها.
الجميع فى اللجنة وباقى لجان الخمسين، يعتمدون على الورقة والقلم فى تدوين كل شىء، لا يستخدم أحد اللاب توب أو ما شابهه، يتساوى فى ذلك الكبار والصغار، وهكذا وجدت نفسى أفعل أيضا، بعد أن اعتمدت لسنوات على الكتابة على الكمبيوتر.
قبل أيام كان لدينا لجنة استماع مع أشخاص من ذوى الإعاقة، وبعد أن استمعنا لآرائهم، ومعنا زميلنا ممثل المعاقين، د.حسام المساح، وسامح عاشور رئيس لجنتنا، أظهروا حزنهم لأن رئيس لجنة كتابة الدستور، عمرو موسى، لم يقابلهم، فاتصلنا به، وحضر لمقابلتهم على الفور.
طلب الوفد من الأستاذ عمرو موسى، أن ينص الدستور على التزام الدولة بحقوق المواطنين، وليس كفالة الحقوق فقط، وتحديد نسبة محددة من ميزانية الدولة للصحة والتعليم والتضامن الاجتماعى، وأن ينص على حقوق المرأة المعيلة، خاصة المعيلة لأشخاص من ذوى الإعاقة، ومساواة المرأة فى الصعيد بالمرأة فى القاهرة فى كل الخدمات وفى فرص التعليم والعمل، وطالبوا أيضا بالنص على استقلالية القضاء.. وطالبوا بلجنة استماع أخرى من الأستاذ سامح عاشور، ووافق.. وتتابع: الثلاثاء الماضى كنت فخورة بوفد لجنة الاستماع الذى زارنا فى لجنتنا، لأنهم ممثلو المجلس القومى للطفولة والأمومة، وزملاء العمل لسنوات طويلة، د.نصر السيد، الأمين العام ، وسمية الألفى وناصر مسلم ومحمود سليمان وأحمد رمضان ومحمد نظمى، ولأنهم أيضا كانوا منظمين فى عرض آرائهم ومطالبهم.
∎ أول مرة حد يسمعنى
كان الوقت مخصصا لممثلى عمال بعض المصانع، وجاء الدور على تلك العاملة، التى طلبت وقتا إضافيا لتتحدث، عن معاناتها مع المرض، وأعطاها مقرر اللجنة سامح عاشور وقتا إضافيا، فبكت قائلة: «أول مرة حد يسمعنى، مابقاش ينفع أن مرشحى البرلمان يخدعونا بالزيت والسكر تانى، لازم الخدمة الصحية توصل لكل الناس، ويكون فيه طريقة لتنفيذ حقوق العمال اللى هاتكتبوها فى الدستور، عشان مايبقاش كلام وخلاص».
تتوقف عضو لجنة كتابة دستور مصر، أيضا عند مطلب وفد من النوبة، بالنص فى الدستور على أن «مصر دولة عربية أفريقية»، وعلى تأكيد كل المشاركين فى لجان الاستماع، على استخدام مصطلح «تلتزم الدولة» بدلا من «تكفل الدولة»، ليضمنوا أن تأتى القوانين وتلزم الدولة بأن تصل حقوق كل المواطنين إليهم دون تمييز.. وفد أهالى شهداء يناير ويونيو، ومنهم والدة خالد سعيد، طالبوا فى لجنة استماع لهم، بكتابة أسماء الشهداء على غلاف الدستور، وطالب شباب تمرد بوضع خريطة مصر، ضمن صفحات الدستور، لتكون حدود مصر واضحة لمن يقرأ الوثيقة.
«أزمة المرور، ومشاكل المسنين، شغلت حيزا كبيرا من هموم الناس، على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.
الأطفال سيكون لهم نصيب فى الاستماع الى آرائهم هذا الأسبوع، وسترشحهم جمعيات أهلية من المعنية بالأطفال، أما مقترح عزة نفسها للدستور، فأن يتضمن النص على مسئوليات الطفل تجاه الدولة، وممتلكاتها، ليكون هناك توازن بين الحقوق والمسئوليات والواجبات.