الشاعر والمفكر الإسلامي الكبير محمد إقبال، المولود في التاسع من نوفمبر سنة 1877، واحد من رموز وعلامات الاستنارة والتجديد، ومن دعاة العلم وإعمال العقل، حيث لا يري تناقضا بين الإسلام وحضارة العصر الحديث، بل يوقن أن القطيعة غير المبررة هي الوباء الخطير الذي يفضي إلي النتائج الوخيمة. كانت شبه القارة الهندية ساحة لصراعات فكرية وسياسية شتي، ليس بين المسلمين وغير المسلمين فحسب، بل أيضًا داخل الصف الإسلامي، حيث الانقسام الواضح بين معسكرين متنافرين، أولهما عقلاني متسامح راغب في التعايش السلمي والانسجام، وثانيهما متعنت محافظ تقيده رؤي سلفية مغلقة. وإذا كان محمد إقبال هو المعبر عن الجناح الأول الذي حظي بالرواج والازدهار لفترة، فإن المودودي يجسد الاتجاه المضاد الذي انتعش وسيطر في المراحل التالية، وتولدت منه أفكار الحاكمية والتكفير، وصولا إلي الإرهاب الدموي الذي يتستر تحت رايات الجهاد. الأغلب الأعم ممن يعرفون محمد إقبال، بعيدًا عن الصفوة من المثقفين، يذكرونه مقترنا بقصيدة شعرية رائعة تغنت بها أم كلثوم: «حديث الروح» وقد يكون صحيحًا أن ترجمة الشعر أقرب إلي الخيانة، أو - علي الأقل - تتضمن عجزا واضحا عن الاستيعاب الدقيق المكتوب باللغة الأم، لكن عظمة أداء أم كلثوم، من خلال الترجمة البديعة المتقنة للمرحوم الشيخ الصاوي شعلان، تتمثل في عبور الحاجز المنيع، وتجسيد الأفكار الفلسفية العميقة بحيث تصل إلي العاديين من الناس. الإرهاب الذي يمارسه تنظيم القاعدة والمحسوبون عليه، في العراق وأفغانستان وغيرهما من البلدان، بمثابة النتيجة المنطقية لتراجع إقبال في مواجهة المودودي وسيد قطب، ذلك المفكر الإخواني التكفيري، الذي يرسخ في مؤلفاته الأخيرة لكل ما هو ظلامي رجعي متخلف، لكن الإخوان يتحدثون عن الديمقراطية والاعتدال، فيالهم من كاذبين منافقين!