عندما كانت السياسة في الماضي أسراراً كهنوتية لا يعرفها سوي القلة ، ولا يستطيع فك طلاسمها وألغازها غير الصفوة، ولا يتحدث فيها إلا النخبة، كان من السهل أن تقول "أي شيء والسلام" للجمهور الذي يصدق كل شيء ، وحتي في حالة عدم تصديقه فلن يحدث شيء.. أما الآن، وقد أصبحت السياسة لعبة يدمنها البسطاء والنجباء، لأن كل شيء في حياتهم إما نتاج لقرار سياسي، أو سبب لقرار آخر ، في هذه الحالة لم يعد من السهل علي المسئول، خاصة إذا كان مسئولاً في دولة بحجم مصر، وفي منصب رئيس الوزراء، أن يقول أي شيء .. إذ تخضع تصريحاته لكافة موازين الذهب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... في حواره مع أسامة سرايا (24 سبتمبر) أكد الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء علي عدة حقائق هامة، وأشار إلي عدة مؤشرات متميزة، وأفصح عن عدة محاور للتخطيط المستقبلي.. أكد الدكتور نظيف علي أن دولة مؤسسات تقوم علي الفصل بينها، إذ لا تداخل بين السلطة التنفيذية (ممثلة في الحكومة) والسلطة القضائية علي سبيل المثال ، التي تقف وفي يدها ميزان العدل مراقبة لأداء الهيئات وفاصلة في النزاعات بينها.. ورغم أن الأحكام القضائية الأخيرة، المتعلقة بأرض مدينتي علي سبيل المثال، قد كبد الحكومة خسائر مادية وغير مادية ، ورغم أن بعض الأحكام يقيد يد الحكومة ويجعلها غير قادرة علي التصرف .. إلا أن ذلك هو لب الديمقراطية التي تتبناها مصر تحت قيادة الرئيس مبارك وذلك هو منهجها.. كما أكد الدكتور نظيف أن مصر مقبلة علي فترة نمو اقتصادي مرتفع بعد فترة الانكماش الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، والذي أدت السياسات المالية للحكومة إلي تجنيب الناس للمشكلات الحقيقية الناجمة عنها. كما أشار رئيس الوزراء إلي مؤشر مهم من مؤشرات النمو الاقتصادي والاجتماعي بمفهومه الشامل في مصر، إذ زاد متوسط الأعمار في مصر عشر سنوات كاملة خلال العقدين الماضيين، وبعد أن كان متوسط العمر في مصر هو نهاية الخمسينيات في الثمانينات، ارتفع ليصل إلي 68 سنة للرجال وإلي 72 سنة للسيدات .. وهو مؤشر علي ارتفاع الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.. وأشار رئيس الوزراء إلي أن الحكومة استطاعت تطبيق كافة الوعود التي قطعها الرئيس مبارك في برنامجه الانتخابي، وتم تنفيذها كلها قبل عام من انتهاء ولايته .. وهو ما يعكس جدية الحكومة، والتزامها بتنفيذ ما يوكل إليها من أعمال.. وعلي الرغم من "نبرة التفاؤل" التي طغت علي هذا الحوار المهم، والتي تعكس ثقة حكومة الدكتور نظيف، وهي ثقة لها ما يبررها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة : لماذا لم ينعكس هذا التفاؤل علي الناس؟ ولماذا لم تنتقل لهم هذه الحالة من الثقة في الحكومة من ناحية وفي قدرة الاقتصاد المصري علي النمو والازدهار من ناحية أخري؟! أغلب الظن عندي أن ذلك مرجعه إلي عدم القدرة علي تطبيق مبدأ "آي فيلي" الشهير" ليس مهماً أن تفعل الخير.. المهم أن يقتنع الآخرون بأن ما تفعله هو الخير" !! وللحديث بقية