هذا هو الموعد السنوي لهذا المقال وأمثاله فهذه الأيام هي أيام الحر والرطوبة وامتحانات الثانوية العامة وشكاوي الطلبة من صعوبة الأسئلة في بعض المواد. وسواء كانت هذه الشكوي حقيقية أو خلاف ذلك فالأمر سيان ولا تفرق- صعب أو سهل- ما دام الأمر علي الكل ومادام الامتحان يعقد علي المستوي الوطني العام لجميع الطلبة. وطالما لا توجد مقارنة مع طلبة الشهادات المعادلة الأخري الذين لا ينافسون طلبة الثانوية العامة ولهم تنسيق خاص. وتمتلئ الصحف بشكوي الطلبة من صعوبة امتحان مادة ما ومطالبة بعقاب واضعي الاسئلة وكانت تعقبها استجابة من وزارة التربية والتعليم للتهدئة واحتواء الموقف معلنة أن نتيجة عينة تصحيح تلك المادة علي العكس تبين أن نسب النجاح عالية والدرجات مرتفعة. بل وعند إعلان النتيجة النهائية فإن نسب النجاح والمجاميع في هذه المادة بالذات تكون عالية عكس المتوقع!! وذلك لا يدل إلا علي أحد أمرين: أن شكوي الطلبة غير صحيحة أو مفتعلة، أو أنه صدرت أوامر بالتغاضي عن بعض الأسئلة أو بإعادة توزيع الدرجات أو بإضافة درجات بقشيش إلي كل الطلبة في هذه المادة لتفادي السخط العام وتهدئة الأمور. لكن الفارق هذا العام أن وزير التربية والتعليم الحالي أعلن أنه غير مقتنع بالدرجات العالية الوهمية وهو محق في ذلك.. والسؤال هل يظل عند قناعاته وسط الهجوم الحاد عليه وإلي متي سيصمد؟ وما هي حلوله لمعالجة تراكم أوضاع متردية. وككل عام تعلن النتيجة بمجاميع عالية مبالغ فيها ينخدع بها أبناؤنا وأسرهم وإن كانت لا تعبر عن المستوي الحقيقي للطالب.. وهي مجاميع وهمية بعلم الجميع.. ورغم ذلك تستمر هذه التمثيلية عاما بعد عام.. وهي سياسة أدمناها وأصبحنا لانرتاح إلا في رحابها. وتستمر المسرحية الهزلية لترييح الزبون وهم الطلبة وأسرهم وتخديرهم بفرحة لحظية عابرة بالمجموع العالي سرعان ما تنقلب إلي إحباط وحزن عندما يتضح للطالب ولعائلته أن هذا المجموع العالي الزائف لن يؤدي إلي التحاقه بالكلية التي يحلم بها. إذ إن جميع المجاميع عالية هي الأخري وبالتالي ترتفع مستويات القبول في الكليات والمعاهد ارتفاعا جنونيا. وبديهي أن الأمر الفعال هو مستوي الدرجة منسوبا إلي باقي الدرجات وأن الأمور نسبية وليست مطلقة بغض النظر عن صعوبة أو سهولة الامتحان. وبديهي أن الحاصلين علي أعلي درجات قلت أو ارتفعت مجاميعهم هم من يتم قبولهم أولا. فالعبرة ليست بارتفاع المجموع ولكن بمستوي المجاميع الأخري. فعدد الاماكن المتاحة هي التي تحكم القبول وليس المجموع. فالصعب علي الكل والسهل علي الكل طالما أساس المقارنة واحد. وهذه المقارنة صالحة لامتحان عام في سنة معينة وقد لا تصلح للمقارنة مع امتحان أخر في منطقة أخري أو حتي مع نفس الامتحان في سنوات أخري إلا إذا تمت المحافظة علي نفس مستوي الامتحان. وصعوبة امتحان في مادة معينة لبعض الطلبة وسهولته في مادة أخري لبعضهم الآخر يخل بالعدالة وأسس المقارنة بينهم. مثلما يحدث في حالة اختلاف صعوبة امتحان بعض مواد اختيارية عن امتحان في فرع آخر. وإن كانت كما سلف الذكر غير مؤثرة في المواد العامة الأساسية الإجبارية. وكما كررنا سابقا فهذه ليست دعوة إلي وضع امتحانات صعبة أو معجزة للطالب او مخالفة للضوابط وإنما هي دعوة للواقعية ولنبذ سياسة درجات عالية خادعة نخدع بها انفسنا ونخدرها. بل هي دعوة تضم إلي سابق المطالبات بفتح ملف قضية التعليم ما قبل الجامعي والمجاميع الوهمية واجترار المعلومات وضعف الابتكار والفهم الجيد وفوضي الدروس الخصوصية التي تعاني منها جميعا. وقضية الامتحانات وتوازنها علميا وتربويا ولزوم كونها تعبر عن تقييم حقيقي وليس وهميا أمر لازم. واملنا ان تنتهي الخدعة فلا نعيد كتابة المقال العام القادم وكان الله في عوننا وعون الوزير.