الحق في السكن الملائم صحيا وبيئيا وثقافيا وبتكلفة معقولة حق أساسي من حقوق الإنسان نص عليه العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهو يحمل الدولة التزاما إيجابيا بالتدخل لكفالته لجميع مواطنيها دون أي تمييز لأي سبب من الأسباب وحمايتهم من أي شكل من الأشكال أو الممارسات التي تؤدي إلي حرمانه من هذا الحق أو الانتقاص منه وهو ما يعني أن الدولة ملزمة بضمان أن توفر لمواطنيها مسكنا صحيا يدخله الشمس والهواء تتوافر فيه مياه الشرب النقية والصرف الصحي الآمن وبعيدا عن التلوث أي بعيدا عن البرك والمستنقعات والحرق المكشوف للنفايات ومخرات السيول وكابلات الضغط العالي وذرات مصانع الأسمنت ودخان المصانع غير الآمن ووسيلة آمنة للتنقل لعمله وتيسر له سبل التعليم والحصول علي الخدمات الصحية والدينية وأن تراعي فيه الاحتياجات الخاصة بالمعاقين وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة وأن يكون متوافقا مع البيئة المحيطة به سواء كانت حضارية أو ريفية أو بدوية وأن تكفل من خلال تشريعاتها ومن خلال اتخاذها جميع التدابير المناسبة ضمانة أن تكون المباني آمنة هيكليا أي تراقب بجدية سلامة المنشآت إنشائيا ومعماريا وتضع العقوبات الرادعة لجميع أشكال الفساد في عمليات البناء ومن بينها الغش في مواد البناء. ومن بين أبرز أشكال الفساد هي عمليات المضاربة العقارية وظهور طبقة من الوسطاء أي السماسرة تجعل من خلال ممارستها الحصول علي المسكن أمرا عسيرا وتتعامد ممارسات هذه الفئة مع ممارسات بعض الموظفين الفاسدين في الأجهزة الحكومية وهو موضوع هذا المقال. أرجأت كتابة هذه المقالة لمدة تزيد علي شهرين تابعت خلالها ما ينشر في الصحف من إعلانات منشورة في صفحات سوق العقارات عن مكاتب وسطاء تعلن عن استعدادها لبيع أو شراء قطع أراض في مشروع ابني بيتك. هذا المشروع الذي يدخل ضمن برنامج السيد الرئيس لتخفيف الأعباء عن محدودي الدخل وتوفير المسكن الملائم والمناسب لهذه الفئة ومنحها امتيازات تصل إلي سداد (خمسة عشر ألف جنيه) لمن يقوم بإتمام بناء البيت خلال المهلة المحددة. وهذه الإعلانات توضح أن هناك فئة من السماسرة هي التي تحصل علي هذه الوحدات سواء قطع أراض أو شقق سكنية ثم تعيد بيعها للراغبين الفعليين الذين لم يستطيعوا أن يستفيدوا مباشرة من هذه المشروعات في مقابل ما يطلق عليه الأوفر، وهو الذي يشمل بيع إيصال التخصيص مقابل مبلغ مالي محدد يزيد علي ما دفعه الحاجز، وعلي سبيل المثال: هناك بعض الإيصالات التي لا تزيد قيمتها علي (ثمانية آلاف جنيه) تباع بمبلغ (خمسين ألف جنيه)، وهذا الفرق هو الذي يطلق عليه الأوفر بالإضافة إلي حصوله علي مبلغ (خمسة عشر ألف جنيه) تسدد كدعم من الدولة كل ذلك يدخل جيب الوسيط وقد يكون رجل أعمال أو موظف أو مهنيا (طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو صحفيا) فأي شخص يحصل علي قطعة أرض أو شقة سكنية من المخصصة للفئات الأكثر احتياجا بغرض تسقيعها وإعادة بيعها والمضاربة بها لا يمكن أن يطلق عليه سوي سمسار. ويكتمل سيناريو اللعبة من السماسرة بتحرير عقد وكالة في الشهر العقاري غير قابل للإلغاء للمتنازل له، يجيز له التعامل بشأن الوحدة مع الجهات الرسمية والحكومية من بينها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أو جهاز مدينة 6 أكتوبر أو القاهرةالجديدة أو العبور أو أي مدينة تدخل في إطار المجتمعات العمرانية الجديدة، وهذا التوكيل يجيز للحاجز البيع لنفسه أو للغير، كما هو الحال بالنسبة لتوكيلات السيارات. وهذه الحيلة كانت سائدة في التلاعب في الوحدات التعاونية لمحاولة التحايل علي شرط حظر البيع الوارد في قانون التعاون الإسكاني، وانتقلت بقواعدها للاستيلاء علي أراضي المجتمعات العمرانية الجديدة ومشروعات هيئة المجتمعات العمرانية من وحدات سكنية كإسكان الشباب أو إسكان مبارك، فمنذ أن بدأ تخصيص الأراضي في المجتمعات العمرانية الجديدة وحتي الآن نقرأ في سوق العقارات مطلوب ولدينا قطع أراض بأوفر مناسب وتحول الأوفر أي المبلغ الزائد إلي ضريبة يفرضها السماسرة تحت بصر ومباركة الحكومة عرفا سائدا للكسب السريع. وتحول المستفيد الفعلي لهذه المشروعات إلي مجرد ضحية، وتحولت أراضي المجتمعات العمرانية الجديدة بما فيها مشروع ابني بيتك إلي سوق للمضاربة العقارية وتحقيق الربح السريع. فعلي سبيل المثال: تجد هناك كتلا من العقارات المتجاورة في أرقي أحياء المجتمعات العمرانية الجديدة يمتلكها ويقوم بتنفيذ المشروعات عليها مقاول واحد! الأمر الآخر: لقد تكشفت وقائع فساد في داخل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة طالت بعض رءوس هذه الهيئة السابقين وبعض الرءوس في أجهزة المدن الجديدة، ولكن علي قدر ما همس به أحد الأصدقاء أن القضية ليست محصورة في الرءوس الكبيرة فقط ولكن القضية أيضًا بالنسبة إلي موظفي أجهزة المدن الجديدة. فالمطلوب هو التنقيب في مصادر ثروات هؤلاء الموظفين والبحث إلي أي مدي يتدخلون في عمليات التخصيص وعمليات الوساطة في بيع شقق وأراضي المدن الجديدة، خاصة أن أجهزة المدن الجديدة وإن كانت تخضع إداريًا للمحافظات، إلا أنها تخضع فعليا لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. فبالتالي فإن حوكمة عمل هذه الأجهزة والتأكد من شفافية التزام موظفي هذه الأجهزة بالشفافية والنزاهة، أمر مطلوب بعد أن كثر الهمس حول قدرة بعض موظفي هذه الأجهزة علي النفاذ وتخصيص الوحدات علي سبيل المجاملة أو لقاء مبالغ مالية. إن عملية حوكمة إدارة المشروعات الخاصة بالمجتمعات العمرانية الجديدة لا يمكن تركها دون رقابة فعالة، ودون التأكد والاستقصاء من تم التخصيص له هو المستفيد الفعلي من الوحدة السكنية أو قطعة الأراضي، ومن جميع الامتيازات التي تمنح من هذه المشروعات، وليس وسيطًا أو تجارا حصل علي الأوفر والامتيازات واختفي! كما أنه لا يمكن أن يكون إعلان الصحف وسيلة للترويج للمشروعات المحظور التعامل عليها، سواء بالبيع أو الشراء أو التربح من خلالها، حتي نستطيع أن نقضي علي طبقة الطفيليين والوسطاء الذين يمتصون دماء هذا الشعب، ونكفل وصول خدمات الدولة إلي مستحقيها دون وسطاء أو سماسرة. ونقول للمواطن نحن نعطيك قطعة الأرض لكي تبني بيتا لك ولأسرتك وليس من أجل أن تبيعه عن طريق الوساطة والسمسرة. ومن غير ذلك لن نستطيع أن نوفر الحق في السكن الملائم صحيا بيئيًا وثقافيًا وبسعر مناسب إلي المواطن المصري، وهو حق من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف.