اختار الدكتور يوسف زيدان مكتبة "بدرخان" لتكون أول مكان يناقش به كتابه الجديد "اللاهوت العربي"، وليفتتح به موسمها الثقافي الجديد، وعن سر هذا الاختيار قال زيدان: تلك هي المرة الثانية التي آتي فيها لبدرخان، وعقب صدور كتابي "اللاهوت العربي" تلقيت العديد من الطلبات لمناقشتها في أماكن عدة، ولكنني اخترت "بدرخان" لسببين، الأول: أنني معجب للغاية بفكرة المبادرة الفردية التي قام بها بدرخان بتحويل جزء في بيته إلي مكان عام، وأري أن المبادرات الفردية كانت لها تأثير قوي عبر التاريخ المصري، كجامعة القاهرة التي بدأت فكرتها بمبادرة فردية، كذلك المبني والمتحف الأنيق لبلدية الإسكندرية، خاصة أن مثل هذه المبادرات الفردية كانت قد توقفت عام 1952 وأما السبب الثاني لمجيئي هنا أنني رأيت أغلب الحاضرين في المرة الأولي لي هنا شباب لم يتعدوا ال30 من عمرهم، وكان الزحام شديدا، ورغم انقطاع التيار الكهربي أكملنا الندوة في الحديقة علي ضوء الشموع، لذا قررت أن يكون هؤلاء الشباب هم وجهتي الأولي، الذين أهدف عبر مسيرتي أن أرسخ في عقولهم حب التفكير، وفضيلة المعرفة وعدم قبول الأشياء كما هي دون نقد ومناقشة، لذا لن تجدني مثلا في المجلس الأعلي للثقافة، وإنما تجدونني في أماكن يرتادها الشباب هؤلاء الذين أقبلوا علي قبل أن تقبل علي الجوائز، هم أنفسهم من قرأوا عصر العلم، وأنتجوا أدب المدونات، هو نفسه الجيل الجديد الذي يجب أن نفرح به. وأثني زيدان علي جيل الشباب الذي يراه الجيل المكمل لإبداع جيل الستينيات الرائع، خاصة أن الفترة منذ الستينيات وحتي الآن كانت ضعيفة وباهتة إبداعيا، وظهرت الكثير من الأكاذيب التي نظرت للادب علي أنه "حرفة" صاحبها مسكين ضعيف، ولكن السنوات الأخيرة جائت لنا بجيل جديد ومختلف من الشباب. وكشف زيدان أن الهاجس الفكري في "عزازيل" و"اللاهوت العربي" واحد، ولكن المعالجة اختلفت، لأن الرسالة الواحدة لها سبل عديدة في توصيلها، وفي اللاهوت أنا أسلك مسلك الدراسة، وأقول به لمن شكك فيما ورد بعزازيل، أن ما أردت توصيله موثق بالأدلة. وفيما يشبه المحاضرة، شرح زيدان بصورة شيقة موثقة أصول الديانة اليهودية، ووصفها بأنها ضد الوعي الحضاري والإنساني، حيث تبيح القتل والفتك وتجعله عمل الأنبياء، مشيرا إلي أنها كانت بالضرورة إلي زوال لولا استعانة البطالمة في الإسكندرية باليهود، وقيامهم بترجمة وتأويل التوارة، وهو ما أبقاها حتي الآن. وأكمل: ظهر أول تجلي لفكرة المهدي المنتظر في اليهودية، وانتظروا المخلص الذي سيأتي لينقذهم ويعيد السلطة لأبناء الرب، وقاموا بإعادة بناء التاريخ علي أسس عقائدية متخيلة، تري أن مصر القديمة بلد عاهرات، وبابل بلد من تحدوا الرب، وأن الرب نفسه يتشاجر مع عباده ويتنافس معهم، وأنهم الشعب الوحيد المضطهد الذي لا ينظر له أحد باحترام. انتقد زيدان بعض الظواهر المنتشرة في مصر ومنها احتفال المصريين بعيد الفصح قائلا: عيد الفصح معناه في اليهودية "خراب مصر"، وأتعجب حقا من بلد تحتفل بخرابها غير الحقيقي، كما حذر من سفر المصريين لإسرائيل وزواجهم من إسرائيليات، موضحا أن الديانة اليهودية إذا كانت تحط من قدر المرأة وتدنسها، فإنها تعتبر الأم هي الناقل الرئيسي للديانة والجنسية، وهذا مكمن الخطورة، حيث ينجب أبناؤنا أطفالا يهوداً دون أن يدروا، ثم شرح كيف ينبع العنف الطائفي من أنماط بعينها من التدين ومن بعض الأشخاص أصحاب المصالح، وليس من الدين نفسه. وعن رأيه في فكرة "حوار الأديان" التي ناقشها في كتابه الأخير، أكد زيدان أنها غير حقيقية، ووصفها بأنها "اشتغالة" وتضييع وقت، كما وصف العنف الديني الناتج عن الخلاف الديني بأنه أفظع أنواع العنف قائلا في ختام حديثه: لست مع دين أو ضده، ولكنني مشغول بألا يكون الاعتقاد أرضية ينبت فيها صدام مقدس يهدر فيه دم الناس.